مجموع الفتاوى/المجلد الرابع/سئل عن فرقة من المسلمين يقرون بالشهادتين ويصومون إلا أنهم يكفرون سابي صحابة النبي صلى الله عليه وسلم
سئل عن فرقة من المسلمين يقرون بالشهادتين ويصومون إلا أنهم يكفرون سابي صحابة النبي صلى الله عليه وسلم
[عدل]وَسُئِلَ أيضا رَحِمَهُ الله تَعَالَى عن فرقة من المسلمين يقرون بالشهادتين ويصومون، ويحجون ويخرجون الزكاة، ويجاهدون أنفسهم في مرضاة الله، غير أنهم يكفرون سابِّي صحابة النبي ﷺ، ولم يرجوا لأحد توبة إذا تاب وأن المصر على ذلك مخلد في النار، ومن قال بتوبتهم يسمونهم الرجوية ولا يصلون إلا مع من يتحققون عقيدته، وما يتفوه أحدهم من شيء أو يسأل عن شيء إلا يقول: إن شاء الله. فهل هم مصيبون في أفعالهم؟ أم مخطئون في أقوالهم؟
فَأَجَاب:
الحمد لله، هؤلاء قوم مسلمون لهم ما لأمثالهم من المسلمين، يثيبهم الله على إيمانهم بالله ورسوله، وطاعتهم لله ورسوله، ولا يذهب بذلك إيمانهم وتقواهم بما غلطوا فيه من هذه المسائل، كسائر طوائف المسلمين الذين أصابوا في جمهور ما يعتقدونه ويعملونه، وقد غلطوا في قليل من ذلك، فهؤلاء بمنزلة أمثالهم من المسلمين.
وقولهم: إن توبة سابِّ الصحابة لا تقبل، وأنه مخلد في النار خطأ، بل الذي عليه السلف والأئمة كالأئمة الأربعة وغيرهم: أن توبة الرافضي تقبل كما تقبل توبة أمثاله، والحديث الذي يروى: «سب صحابتي ذنب لا يغفر» حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم، ولو قدر صحته فالمراد به من لم يتب، فإن الله يأخذ حق الصحابة منه.
وأما من تاب فقد قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 1، وهذا في حق التائب، أخبر: أنه يغفر جميع الذنوب، وسابُّ الصحابة إذا كان يعتقد جواز ذلك فهذا مبتدع ضال كسائر الضلال، والحق في ذلك لله، كمن سب الرسول معتقدًا أنه ساحر أو كاذب، فإذا أسلم هذا قبل الله إسلامه كذلك الرافضي إذا تبين له الحق وتاب قبل الله منه، وإن كان يقر بتحريم ذلك فهذا ظالم، كمن قذف غيره واغتابه، ومظالم العباد تصح التوبة منها، ويدعو لهم ويثني عليهم بقدر ما لعنهم وسبهم، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
وإذا قال القائل: هذا حَجَر، وقال: لا أقطع بأن هذا حجر فهذا مخطئ، لكن إن كان مراده أني إذا قطعت بأنه حجر فقد جعلت الله عاجزًا عن تغيره، فإنه يقال له: بل هو الآن حجر قطعًا والله قادر على تغييره وإن كان مراده بقوله: إن شاء الله: أن الله قادر على تغييره، فهذا المعنى صحيح، وإن كان شاكًا في كونه حجرًا فهذا متجاهل، يعزر على ذلك.
وتجوز الصلاة خلف كل مسلم مستور باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، فمن قال: لا أصلي جمعة ولا جماعة إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن، فهذا مبتدع مخالف للصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين الأربعة وغيرهم، والله أعلم.
هامش
- ↑ [الزمر: 53]