البداية والنهاية/الجزء العاشر/أبو تمام الطائي الشاعر
صاحب الحماسة التي جمعها في فضل النساء بهمدان في دار وزيرها.
فهو حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس بن الأشج بن يحيى، أبو تمام الطائي، الشاعر الأديب.
ونقل الخطيب عن محمد بن يحيى الصولي أنه حكى عن بعض الناس أنهم قالوا: أبو تمام حبيب بن تدرس النصراني، فسماه أبوه: حبيب أوس بدل تدرس.
قال ابن خلكان: وأصله من قرية جاسم من عمل الجيدور بالقرب من طبرية، وكان بدمشق يعمل عند حائك، ثم سار به إلى مصر في شبيبته.
وابن خلكان أخذ ذلك من تاريخ ابن عساكر، وقد ترجم له أبو تمام ترجمة حسنة.
قال الخطيب: وهو شامي الأصل، وكان بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع، ثم جالس بعض الأدباء فأخذ عنهم وكان فطنا فهما، وكان يحب الشعر فلم يزل يعانيه حتى قال الشعر فأجاد.
وشاع ذكره وبلغ المعتصم خبره فحمله إليه وهو بسر من رأى، فعمل فيه قصائد فأجازه وقدمه على شعراء وقته، قدم بغداد فجالس الأدباء وعاشر العلماء، وكان موصوفا بالظرف وحسن الأخلاق.
وقد روى عنه أحمد بن أبي طاهر أخبارا بسنده.
قال ابن خلكان: كان يحفظ أربعة عشر ألف أرجوزة للعرب غير القصائد والمقاطيع وغير ذلك.
وكان يقال: في طيء ثلاثة: حاتم في كرمه، وداود الطائي في زهده، وأبو تمام في شعره.
وقد كان الشعراء في زمانه جماعة فمن مشاهيرهم: أبو الشيص، ودعبل، وابن أبي قيس، وكان أبو تمام من خيارهم دينا وأدبا وأخلاقا.
ومن رقيق شعره قوله:
يا حليف الندى ويا معدن الجود * ويا خير من حويت القريضا
ليت حماك بي وكان لك الأجـ * ـر فلا تشتكي وكنت المريضا
وقد ذكر الخطيب، عن إبراهيم بن محمد بن عرفة: أن أبا تمام توفي في سنة إحدى وثلاثين ومائتين وكذا قال ابن جرير.
وحكي عن بعضهم أنه توفي في سنة إحدى وثلاثين، وقيل: سنة ثنتين وثلاثين فالله أعلم.
وكانت وفاته بالموصل، وبنيت على قبره قبة، وقد رثاه الوزير محمد بن عبد الملك الزيات فقال:
نبأٌ أتى من أعظم الأنباء * لما ألمَّ مقلقل الأحشاء
قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم * ناشدتكم لا تجعلوه الطائي
وقال غيره:
فجع القريض بخاتم الشعراء *وغدير روضتها حبيب الطائي
ماتا معا فتجاورا في حفرة * وكذاك كنا قبل في الأحياء
وقد جمع الصولي شعر أبي تمام على حروف المعجم.
قال ابن خلكان: وقد امتدح أحمد بن المعتصم ويقال ابن المأمون بقصيدته التي يقول فيها:
إقدام عمرو في سماحة حاتم * في حلم أحنف في ذكاء إياس
فقال له بعض الحاضرين: أتقول هذا لأمير المؤمنين وهو أكبر قدرا من هؤلاء؟ فإنك ما زدت على أن شبهته بأجلاف من العرب البوادي.
فأطرق إطراقة ثم رفع رأسه فقال:
لا تنكروا ضربي له من دونه * مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب الأقل لنوره * مثلا من المشكاة والنبراس
قال: فلما أخذوا القصيدة لم يجدوا فيها هذين البيتين، وإنما قالهما ارتجالا.
قال: ولم يعش بعد هذا إلا قليلا حتى مات.
وقيل: إن الخليفة أعطاه الموصل لما مدحه بهذه القصيدة، فأقام بها أربعين يوما ثم مات.
وليس هذا بصحيح، ولا أصل له، وإن كان قد لهج به بعض الناس كالزمخشري وغيره.
وقد أورد له ابن عساكر أشياء من شعره مثل قوله:
ولو كانت الأرزاق تجري على الحجا * هلكن إذا من جهلهن البهائم
ولم يجتمع شرق وغرب لقاصد * ولا المجد في كف امرئ والدراهم
ومنه قوله:
وما أنا بالغيران من دون غرسه * إذا أنا لم أصبح غيورا على العلم
طبيب فؤادي مذ ثلاثين حجةً * ومذهب همي والمفرج للغم
وفيها توفي: أبو نصر الفارابي، والعبسي، وأبو الجهم، ومسدد، وداود بن عمرو الضبي، ويحيى بن عبد الحميد الحماني.