مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/فصل في معنى لفظ الفتى
فصل في معنى لفظ الفتى
وأما لفظ الفتى فمعناه في اللغة الحدث كقوله تعالى: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ } 1، وقوله تعالى: { قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } 2، ومنه قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ } 3 ؛ لكن لما كانت أخلاق الأحداث اللين صار كثير من الشيوخ يعبرون بلفظ الفتوة عن مكارم الأخلاق. كقول بعضهم: طريقنا تفتى وليس تنصر. وقوله بعضهم: الفتوة أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتحسن إلى من يسىء إليك، سماحة لا كظمًا، ومودة لا مضارة وقول بعضهم: الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى، وأمثال هذه الكلمات التي توصف فيها الفتوة بصفات محمودة محبوبة، سواء سميت فتوة أو لم تسم، وهى لم تستحق المدح في الكتاب والسنة إلا لدخولها فيما حمده الله ورسوله من الأسماء. كلفظ الإحسان والرحمة، والعفو، والصفح، والحلم، وكظم الغيظ، والبر، والصدقة، والزكاة والخير. ونحو ذلك من الأسماء الحسنة التي تتضمن هذه المعانى، فكل اسم علق الله به المدح والثواب في الكتاب والسنة كان أهله ممدوحين، وكل اسم علق به الذم والعقاب في الكتاب والسنة كان أهله مذمومين، كلفظ الكذب، والخيانة، والفجور، والظلم والفاحشة ونحو ذلك.
وأما لفظ الزعيم فإنه مثل لفظ الكفيل والقبيل والضمين، قال تعالى: { وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ } 4 فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يقال: هو زعيم؛ فإن كان قد تكفل بخير كان محمودًا على ذلك، وإن كان شرًا كان مذمومًا على ذلك.
وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أى تصير حزبًا، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم. وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم، سواء كان على الحق والباطل، فهذا من التفرق الذى ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة والائتلاف، ونهيا عن التفرقة والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا عن التعاون على الإثم والعدوان.
وفي الصحيحين عن النبى ﷺ أنه قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» وفي الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك بين أصابعه. وفي الصحيح عنه أنه قال: «المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يخذله» وفي الصحيح عنه ﷺ أنه قال: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» قيل: يا رسول الله أنصره مظلومًا، فكيف أنصره ظالمًا؟ قال: «تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه». وفي الصحيح عنه أنه قال: «خمس تجب للمسلم على المسلم: يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويشمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويشيعه إذا مات». وفي الصحيح عنه ﷺ أنه قال: «والذى نفسى بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه».
فهذه الأحاديث وأمثالها فيها أمر الله ورسوله بما أمر به من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض. وفي الصحيحين عن النبى ﷺ أنه قال: «لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانًا»، وفي الصحيحين عنه ﷺ أنه قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا؛ وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم».
وفي السنن عنه ﷺ أنه قال: «ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هى الحالقة، لا أقول تحلق الشعر. ولكن تحلق الدين» فهذه الأمور مما نهى الله ورسوله عنها.
وأما لفظ الدسكرة فليست من الألفاظ التي لها أصل في الشريعة فيتعلق بها حمد أو ذم، ولكن هى في عرف الناس يعبر بها عن المجامع. كما في حديث هرقل: أنه جمع الروم في دسكرة؛ ويقال للمجتمعين على شرب الخمر: إنهم في دسكرة؛ فلا يتعلق بهذا اللفظ حمد ولا ذم، وهو إلى الذم أقرب؛ لأن الغالب في عرف الناس أنهم يسمون بذلك الاجتماع على الفواحش والخمر والغناء.
والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض على كل مسلم، لكنه من فروض الكفايات، فإن قام بهما من يسقط به الفرض من ولاة الأمر، أو غيرهم. وإلا وجب على غيرهم أن يقوم من ذلك بما يقدر عليه.
هامش