مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/سئل عن معنى قول حب الدنيا رأس كل خطيئة فهل هي من جهة المعاصي أو من جهة جمع المال
سئل عن معنى قول حب الدنيا رأس كل خطيئة فهل هي من جهة المعاصي أو من جهة جمع المال
[عدل]وسئل عن معنى قول من يقول: حب الدنيا رأس كل خطيئة فهل هى من جهة المعاصي؟ أو من جهة جمع المال؟.
فأجاب:
ليس هذا محفوظًا عن النبيﷺ؛ ولكن هو معروف عن جندب بن عبد الله البجلى من الصحابة، ويذكر عن المسيح ابن مريم عليه السلام، وأكثر ما يغلو في هذا اللفظ المتفلسفة، ومن حذا حذوهم من الصوفية على أصلهم، في تعلق النفس إلى أمور ليس هذا موضع بسطها.
وأما حكم الإسلام في ذلك: فالذى يعاقب الرجل عليه الحب الذى يستلزم المعاصي: فإنه يستلزم الظلم والكذب والفواحش، ولا ريب أن الحرص على المال والرئاسة يوجب هذا، كما في الصحيحين أنه قال: «إياكم والشُّحَّ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا»، وعن كعب عن النبي ﷺ أنه قال: «ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه». قال الترمذى: حديث حسن.
فحرص الرجل على المال والشرف يوجب فساد الدين، فأما مجرد الحب الذى في القلب إذا كان الإنسان يفعل ما أمره الله به، ويترك ما نهى الله عنه، ويخاف مقام ربه، وينهى النفس عن الهوى، فإن الله لا يعاقبه على مثل هذا إذا لم يكن معه عمل، وجمع المال، إذا قام بالواجبات فيه ولم يكتسبه من الحرام، لا يعاقب عليه، لكن إخراج فضول المال، والاقتصار على الكفاية أفضل وأسلم، وأفرغ للقلب، وأجمع للهَمّ، وأنفع في الدنيا والآخرة. وقال النبيﷺ: «من أصبح والدنيا أكبر همه شتت الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح والآخرة أكبر همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه ضيعته، وأتته الدنيا وهى راغمة».
هامش