مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/فصل في قول القائل أنت للشيخ فلان وهو شيخك في الدنيا والآخرة
فصل في قول القائل أنت للشيخ فلان وهو شيخك في الدنيا والآخرة
[عدل]وأما قول القائل: أنت للشيخ فلان، وهو شيخك في الدنيا والآخرة.
فهذه بدعة منكرة من جهة أنه جعل نفسه لغير الله، ومن جهة أن قوله: شيخك في الدنيا والآخرة كلام لا حقيقة له، فإنه إن أراد أنه يكون معه في الجنة، فهذا إلى الله لا إليه، وإن أراد أنه يشفع فيه فلا يشفع أحد لأحد إلا بإذن الله تعالى، إن أذن له أن يشفع فيه وإلا لم يشفع، وليس بقوله: أنت شيخي في الآخرة يكون شافعًا له هذا إن كان الشيخ ممن له شفاعة فقد تقدم أن سيد المرسلين والخلق لايشفع حتى يأذن الله له في الشفاعة بعد امتناع غيره منها. وكم من مدع للمشيخة وفيه نقص من العلم والإيمان ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
وقول القائل: لو أحسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه الله به هو من كلام أهل الشرك والبهتان، فإن عباد الأصنام أحسنوا ظنهم بها فكانوا هم وإياها من حصب جهنم، كما قال الله تعالى: { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } 1. لكن قال النبي ﷺ: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا. وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» ومن أمكنه الهدى من غير انتساب إلى شيخ معين فلا حاجة به إلى ذلك، ولا يستحب له ذلك، بل يكره له.
وأما إن كان لايمكنه أن يعبد الله بما أمره إلا بذلك، مثل أن يكون في مكان يضعف فيه الهدى والعلم والإيمان والدين، يعلمونه ويؤدبونه لا يبذلون له ذلك إلا بانتساب إلى شيخهم أو يكون انتسابه إلى شيخ يزيد في دينه وعلمه، فإنه يفعل الأصلح لدينه، وهذا لا يكون في الغالب إلا لتفريطه، وإلا فلو طلب الهدى على وجهه لوجده.
فأما الانتساب الذي يفرق بين المسلمين، وفيه خروج عن الجماعة والائتلاف إلى الفرقة، وسلوك طريق الابتداع، ومفارقة السنة والاتباع، فهذا مما ينهى عنه، ويأثم فاعله، ويخرج بذلك عن طاعة الله ورسوله ﷺ.
هامش
- ↑ [الأنبياء: 98]