مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/سئل عن رجل متصوف تكلم عن الفقر
سئل عن رجل متصوف تكلم عن الفقر
وسئل عن رجل متصوف قال لإنسان في كلام جرى بينهم: فقراء الأسواق، فقال له الرجل: اليهودي والنصراني والمسلم في السوق، قال تعالى: { وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ } 1، فقال: الصوفي: قال رسول الله ﷺ: «الفقر إلى الله، والأولياء مفتقرون للخاتمة والأشقياء تحت القضاء»، قال الصوفي للرجل: تعرف الفقر؟ فقال له: لا، قال الصوفي: الفقر هو الله. فأنكروا عليه هذا اللفظ. ثم في ثانى يوم قال رجل: أنت قلت: الفقر هو الله، فقال الصوفي: أنا قرأت في كتاب عن رسول الله ﷺ أنه قال: «من رآنى آمن بي» وأنا رأيت الفقر فآمنت به، والفقر هو الله.
فأجاب:
الحمد لله، أما الحديث كذب على رسول الله ﷺ، وهو مع كونه كذبًا مناقض للعقل والدين، فإنه ليس كل من رآه آمن به، بل قد رآه كثير مثل الكفار والمنافقين. وقول القائل: آمنت بالفقر أو كفرت بالفقر هو من الكلام الباطل، بل هو كفر يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل. والله سبحانه هو الغنى، والخلق هم الفقراء إليه.
وقد قال تعالى: { لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ } 2، فإذا كان الذين قالوا: إنه فقير قد توعدهم بهذا، فكيف بمن يقول له الفقر؟ والمصدر أبلغ من الصفة وإذا كان منزهًا على أن يوصف بذلك فكيف يجعل المصدر اسمًا له؟
ولو قال القائل: أردت بذلك الفقر هو إرادة الله ولم يكن في السياق ما يقتضى تصديقه لم يقبل ذلك منه، وإن كان في السياق ما يقبل تصديقه، نهى عن العبارة الموهومة وأمر بالعبارة الحسنة.
وأما قوله: الحديث المذكور وهو قوله: «الفقر فخرى، وبه أفتخر» فهو كذب موضوع لم يروه أحد من أهل المعرفة بالحديث عن النبي ﷺ ومعناه باطل؛ فإن النبي ﷺ لم يفتخر بشيء بل قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» وقال في الحديث: «إنه أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد» ولو افتخر بشيء لافتخر بما فضله الله به على سائر الخلق.
والفقر وصف مشترك بينه وبين سائر الفقراء، سواء أريد به الشرعى وهو عدم المال، أو الفقر الاصطلاحى وهو مكارم الأخلاق والزهد، مع أن لفظه في كلامه وكلام أصحابه لا يراد به إلا الفقر الشرعى دون الاصطلاحى، والله أعلم.
هامش