كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب من الصيام
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها فقال: تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة قال مالك: وأهل العلم يرون عليها من ذلك القضاء قال مالك: عليها القضاء لأن الله عز وجل يقول: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}.
[قال الشافعي]: وإذا كان له أن يخالف ابن عمر لقول القاسم ويتأول في خلاف ابن عمر القرآن ولا يقلده فيقول هذا أعلم بالقرآن منا ومذهب ابن عمر يتوجه لأن الحامل ليست بمريضة المريض يخاف على نفسه والحامل خافت على غيرها لا على نفسها فكيف ينبغي أن يجعل قول ابن عمر في موضع حجة ثم القياس على قوله حجة على النبي ﷺ ويخطئ القياس فيقول حين قال ابن عمر: لا يصلي أحد عن أحد لا يحج أحد عن أحد قياسا على قول ابن عمر وترك قول النبي ﷺ له وكيف جاز أن يترك من استقاء في رمضان؟ فقال: عليه القضاء ولا كفارة عليه ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه ولا كفارة فقلت: وما الحجة في ذلك؟ فقال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء. فقلت: للشافعي: فإنا نقول ذلك من استقاء فعليه القضاء ولا كفارة عليه.
[قال الشافعي]: فما رويتم من هذا عن عمر أنه أفطر وهو يرى الشمس غربت ثم طلعت فقال: الخطب يسير وقد اجتهدنا - يعني قضاء يوم مكان يوم - الحجة لنا عليكم وأنتم إن وافقتموهما في هذا الموضوع تخالفونهما فيما هو مثل معناه قال: فقلت للشافعي وما هذا الموضع الذي نخالفهما في مثل معناه؟ فقال: روينا عن رسول الله ﷺ أنه: (أمر رجلا جامع امرأته نهارا في رمضان أن يعتق أو يصوم أو يتصدق) لا يجزيه إلا بعد أن لا يجد عتقا ولا يستطيع الصوم فقلتم لا يعتق ولا يصوم ويتصدق فخالفتموه في اثنتين ووافقتموه في واحدة ثم زعمتم أن من أفطر بغير جماع فعليه كفارة ومن استقاء أو أفطر وهو يرى أن الليل قد جاء فلم كانا عندكم مفطرين؟ ثم زعمتم أن ليس عليهما كفارة بالإجماع فلم تحسنوا الاتباع ولا القياس والله يغفر لنا ولكم. فقلت للشافعي: فكيف كان يكون القياس على ما روي عن النبي ﷺ في المجامع نهارا فقال: ما قلنا أن لا يقاس عليه شيء غيره وذلك أنا لا نعلم أحدا خالف في أن لا كفارة على من تقيأ ولا من أكل بعد الفجر وهو يرى الفجر لم يطلع ولا قبل تغيب الشمس وهو يرى أن الشمس غربت ولم يجز أن يجمع الناس على خلاف قول النبي ﷺ وليس يجوز فيه إلا ما قلنا من أن لا كفارة إلا في الجماع استدلالا بما وصفت من الأمر الذي لا أعلم فيه مخالفا وأن أنظر فأي حال جعلت فيها الصائم مفطرا يجب عليه القضاء جعلت عليه الكفارة فأقول ذلك في المحتقن والمستعط والمزدرد الحصى والمفطر قبل تغيب الشمس والمتسحر بعد الفجر وهو يرى أن الفجر لم يطلع والمستقيء وغيره ويلزمك في الآكل الناسي أن يكون عليه كفارة لأنك تجعل ذلك فطرا له وأنت تترك الحديث نفسه ثم تدعي فيه القياس ثم لا تقوم من القياس على شيء تعرفه.