كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب الكفارات
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر قال: من حلف على يمين فوكدها فعليه عتق رقبة.
[قال الشافعي]: فخالفتم ابن عمر فقلتم: التوكيد وغيره سواء يجزيه فيه إطعام عشرة مساكين نراكم تستوحشون من خلاف ابن عمر بحال وما نعرف لكم مذهبا غير أنا رأيناكم إذا وافقتم قول ابن عمر أو غيره من الصحابة أو من بعدهم من التابعين قلتم: هم أشد تقدما في العلم وأحدث برسول الله ﷺ وأصحابه عهدا فأحرى أن لا نقول إلا بما يعملون وأئمتنا المقتدى بهم فكيف تخالفونهم وعظمتم خلافهم غاية التعظيم ولعل من خالفهم ممن عبتم عليه خلاف من وافقكم منه أن يكون خلافه لأن من رواه عن مثلهم لم تعرفوه لضيق عليكم ثم تخالفونهم لغير قول أحد من الناس مثلهم ولا يسمع روايتكم وتتركون ما شئتم لغير حجة فيما أخذتم ولا ما تركتم وما صنعتم من هذا غير جائز لغيركم عندكم وكذلك هو غير جائز لكم عند أحد من المسلمين لأنه إذا لم يجز من يخالف بعض الأثر فيحسن الاحتجاج والقياس كان أن يكون لكم إذا كنتم لا تحسنون عند الناس حجة ولا قياسا أبعد قلتم إن زكاة الفطر وصدقة الطعام وجميع الكفارات بمد النبي ﷺ إلا كفارة الظهار فإنها بمد هشام.
[قال الشافعي]: وما علمته قال هذا القول قبلكم أحد من الناس وما أدري إلى أي شيء ذهبتم إلى عظم ذنب المتظاهر فالقاتل أعظم من المتظاهر ذنبا فكيف رأيتم أن كفارة القاتل بمد النبي ﷺ وكفارة المتظاهر بمد هشام ومن شرع لكم مد هشام وقد أنزل الله الكفارات على رسوله قبل أن يولد أبو هشام فكيف ترى المسلمين كفروا في زمان النبي ﷺ قبل أن يكون مد هشام فإن زعمت أنهم كفروا بمد رسول الله ﷺ وأخذوا به الصدقات وأخرجوا به الزكاة لأن الله عز وجل: أنزل الكفارات فقد أبان رسول الله ﷺ كم قدر كيلها كما أبان ذلك في زكاة الفطر وفي الصدقات فكيف أخذتم مد هشام وهو غير ما أبان رسول الله ﷺ للناس وكفر به السلف إلى أن كان لهشام مد وإن زعمت أن ذلك غير معروف فمن عرفهم أن الكفارة بمد هشام ومن زعم أن الكفارات مختلفة أرأيت لو قال قائل: كل كفارة بمد هشام إلا كفارة الظهار فإنما بمد النبي ﷺ هل الحجة عليه إلا أن نقول: لا يفرق بينهما إلا كتاب أو سنة أو إجماع أو خبر لازم. فقال للشافعي: فهل خالفك في أن الكفارات بمد النبي ﷺ أحد؟ فقال: معاذ الله أن يكون زعمنا أن مسلما قط غيركم قال إن شيئا من الكفارات بمد غير النبي ﷺ قال: فما شيء يقوله بعض المشرقيين؟ قلت: قول متوجه وإن خالفناه قال: وما هو؟ قلت: قالوا الكفارات بمد النبي ﷺ يطعم المسكين مدين مدين قياسا على: (أن النبي ﷺ أمر كعب بن عجرة أن يطعم في فدية الأذى كل مسكين مدين مدين) ولم تبلغ جهالتهم ولا جهالة أحد أن يقول: إن كفارة بغير مد النبي ﷺ. فقلت للشافعي: فلعل مد هشام مدان بمد النبي ﷺ ف[قال الشافعي]: لا هو مد وثلث أو مد ونصف، فقلت للشافعي: أفتعرف لقولنا وجها؟ فقال: لا وجه لكم يعذر أحد من العالمين بأن يقول مثله ولا يفرق مسلم غيركم بين مكيلة الكفارات إلا أنا نقول هي مد مد بمد النبي ﷺ لكل مسكين وقال بعض المشرقيين: مدان مدان فأما أن يفرق أحد بين مكيلة شيء من الكفارات فلا.