كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب في القسامة والعقل
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على أصبع رجل من جهينة فنزا منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذين ادعى عليهم: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها؟ فأبوا وتحرجوا من الأيمان فقال للآخرين: احلفوا أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين.
[قال الشافعي]: فخالفتم في هذا الحكم كله عمر بن الخطاب فقلتم يبدأ المدعون بل زعمتم أنه إذا لم يحلف واحد من الفريقين فليس فيه شطر دية ولا أقل ولا أكثر.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإن كنتم ذهبتم إلى ما ذهبنا إليه من أن النبي ﷺ بدأ المدعين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على المدعى عليهم فلما لم يقبل المدعون أيمانهم لم يجعل لهم عليهم شيئا فإلى هذا ذهبنا وهكذا يجب عليكم في كل أمر وجدتم لرسول الله ﷺ فيه سنة أن تصيروا إلى سنة رسول الله دون ما خالفها من الأشياء كلها وما كان شيء من الأشياء أولى أن تأخذوا فيه بحكم عمر من هذا لأن الحكم في هذا أشهر من غيره وأنه قد كان يمكنكم أن تقولوا هذا دم خطأ والذي حكم فيه رسول الله ﷺ دم عمد فنتبع ما حكم به النبي ﷺ كما حكم في العمد وما حكم به عمر كما حكم في الخطأ وليس واحد منهما خلاف الآخر فإن صرتم إلى أن تقولوا: إنهما يجتمعان إنهما قسامة فنصير إلى قول النبي ﷺ ونجعل الخطأ قياسا على العمد فما كان لا يتوجه من حديث يخالف ما جاء عن النبي ﷺ إلا على خلافه أولى أن تصيروا فيه إلى حكم رسول الله ﷺ ولا ينبغي أن تختلف أقاويلكم.