كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب في الحج
قال: سألت الشافعي هل يغسل المحرم رأسه من غير جنابة؟ فقال: نعم والماء يزيده شعثا وقال: الحجة فيه أن النبي ﷺ غسل رأسه ثم غسله عمر قلت: كيف ذكر مالك عن ابن عمر؟ قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام قال: ونحن ومالك لا نرى بأسا أن يغسل المحرم رأسه في غير احتلام ويروى عن: (النبي ﷺ أنه اغتسل وهو محرم) قلت فهكذا نقول.
[قال الشافعي]: وإذا ترك قول ابن عمر لما روي عن النبي ﷺ وعمر فهكذا ينبغي أن تتركوا عليه لكل ما روي عن النبي ﷺ خلافه وإذا وجد في الرواية عن ابن عمر ما يخالف ما يروى عن النبي ﷺ وعمر فينبغي في مرة أخرى أن لا تنكروا أن يذهب على ابن عمر للنبي ﷺ سنة وقد يذهب عليه وعلى غيره السنن ولو علمها ما خالفها ولا رغب عنها إن شاء الله فلا تغفل في العلم وتختلف أقاويلك فيه بلا حجة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان يكره لبس المنطقة للمحرم فقلت: للشافعي: فإنه يخالف ابن عمر ويقول بقول ابن المسيب ف[قال الشافعي]: إن من استجاز خلاف ابن عمر ولم يرو خلافه إلا عن ابن المسيب حقيق أن لا يخالف سنة رسول الله ﷺ لقول ابن عمر.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: {ما استيسر من الهدي} بعير أو بقرة.
[قال الشافعي]: ونحن وأنت نقول: {ما استيسر من الهدي} شاة ويرويه عن ابن عباس وإذا جاز لنا أن نترك على ابن عمر لابن عباس كان الترك عليه للنبي ﷺ واجبا.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر كان إذا أفطر من رمضان وهو يريد الحج لم يأخذ من رأسه ولا من لحيته شيئا حتى يحج قال مالك: ليس يضيق أن يأخذ الرجل من رأسه قبل أن يحج.
[قال الشافعي]: وأخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا حلق في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه قلت: فإنا نقول ليس على أحد الأخذ من لحيته وشاربه إنما النسك في الرأس.
[قال الشافعي]: وهذا مما تركتم عليه بغير رواية عن غيره عندكم علمتها.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن نافع أن ابن عمر كان إذا خرج حاجا أو معتمرا قصر الصلاة بذي الحليفة قلت: فإنا نقول يقصر الصلاة إذا جاوز البيوت.
[قال الشافعي]: فهذا مما تركتم على ابن عمر.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك وهما غاديان من منى إلى عرفة كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله؟ قال: كان يهل المهل منا فلا ينكر عليه ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه.
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن ابن عمر قال: كل ذلك قد رأيت الناس يفعلونه وأما نحن فنكبر. قلت للشافعي: فإنا نقول: يلبي حتى تزول الشمس ويلبي وهو غاد من منى إلى عرفة ولا يكبر إذا زالت الشمس من يوم عرفة.
[قال الشافعي]: فهذا خلاف ما روى صاحبكم عن ابن عمر من اختيار التكبير وكراهتكم التكبير مع خلاف ابن عمر خلاف ما زعمتم أنه كان يصنع مع النبي ﷺ فلا ينكر عليه فقد كانوا يختلفون في النسك وبعده فكيف ادعيت الإجماع في كل أمر وأنت تروي الاختلاف في النسك زمان النبي وبعد النبي ﷺ وتروي الاختلاف في الصوم مع النبي ﷺ وبعده فتقول عن أنس: (سافرنا مع النبي ﷺ فلم يعب الصيام على المفطرين ولا المفطرون على الصائمين) وقد اختلف بعض أصحاب النبي ﷺ بعده في غير شيء. قلت للشافعي: فما تقول أنت فيه؟ فقال: أقول إن هذا خير وأمر يتقرب به إلى الله جل وعز الأمر فيه والاختلاف واسع وليس الإجماع كما ادعيتم إذا كان بالمدينة إجماع فهو بالبلدان وإذا كان بها اختلاف اختلف البلدان فأما حيث تدعون الإجماع فليس بموجود. قال: وسألت الشافعي عن العمرة في أشهر الحج فقال: حسنة أستحسنها وهي أحب منها بعد الحج لقول الله عز وجل: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} ولقول رسول الله: (دخلت العمرة في الحج) ولأن: (النبي ﷺ أمر أصحابه من لم يكن معه هدي أن يجعل إحرامه عمرة).
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن صدقة بن يسار عن ابن عمر أنه قال: والله لان أعتمر قبل أن أحج وأهدي أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج في ذي الحجة فقلت للشافعي: فإنا نكره العمرة قبل الحج.
[قال الشافعي]: فقد كرهتم ما رويتم عن ابن عمر أنه أحبه منها وما رويتم عن: (عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله فمنا من أهل بعمرة ومنا من جمع الحج والعمرة ومنا من أهل بحج) فلم كرهتم ما روي أنه فعل مع النبي ﷺ وما ابن عمر استحسنه وما أذن الله فيه من التمتع إن هذا لسوء الاختيار والله المستعان.