كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب في بيع الثمار
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر: (أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمشتري).
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك: (أن رسول الله ﷺ نهى عن بيع الثمار حتى تزهي فقيل: يا رسول الله وما تزهي؟ قال: حتى تحمر وقال: أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه) قال: فأخذنا بهذا الحديث نحن وأنتم وقلنا: قول النبي ﷺ يدل على معنيين: أحدهما أن بدو صلاحها الحمرة ومثلها الصفرة، وأن قوله: إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه أنه إنما يمنع من الثمرة ما يترك إلى مدة يكون في مثلها التلف فقلنا: كل من ابتاع ثمرة قد بدا صلاحها فله تركها حتى تجد وخالفنا بعض الناس في هذا فقال: من اشترى ثمرة قد بدا صلاحها لم يكن له تركها، وذلك أن ملك النخل والماء الذي به صلاح النخل للبائع يستبقي نخله وماءه، ولا يجوز أن يشترطه؛ لأنه لا يعرف حصة الثمرة من الثمن من حصة الإجارة فكانت حجتنا عليه أن قول النبي ﷺ: (إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه) يدل على أنه إنما يمنع ما يترك لا ما يكون على مشتريه أن يقطفه مكانه ورأينا أن من خالفنا فيه قد ترك السنة وترك ما تدل عليه السنة لو احتج علينا بأنه لم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي قول ولا قضاء يوافق هذا استغنينا بالخبر عن رسول الله ﷺ عما سواه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره عن سعد بن أبي وقاص أخبره: (عن النبي ﷺ أنه نهى عن بيع الرطب بالتمر).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ: (نهى عن المزابنة) والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا [قال: الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن زيد بن ثابت: (أن رسول الله ﷺ أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها) قال: فأخذنا نحن وأنتم بالأحاديث كلها حين وجدنا لها كلها مخرجا فقلنا المزابنة بيع الجزاف كله بشيء من صنفه كيلا والرطب بالتمر إذا كان الرطب ينقص شيء واحد متفاضل أو مجهول فقد حرم أن يباع إلا مستويا، وذلك إذا كان موضوعا بالأرض وأحللنا بيع العرايا بخرصها تمرا وهي داخلة في معنى المزابنة والرطب بالتمر إذا كان لهما وجه معا، وخالفنا في هذا بعض الناس فلم يجز بيع العرايا وردها بالحديثين وقال: روي عن النبي ﷺ حديثان مختلفان فأخذنا بأحدهما وكان الذي أخذنا به أشبه بسنته في النهي عن التمر بالتمر إلا كيلا بكيل فرأينا لنا الحجة ثابتة بما قلنا على من خالفنا إذا وجدنا للحديثين وجها نمضيهما فيه معا.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فإذا كانت لنا حجة كانت عليكم في الحديثين يكونان هكذا فتنسبهما إلى الاختلاف، وقد يوجد لهما وجه يمضيان فيه معا فلم ندعه بما وصفنا من حجة غيرنا بحديثنا، ولا بأن لم يرو عن أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي واستغنينا بالخبر عن النبي ﷺ.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي رافع مولى النبي ﷺ قال: (استسلف رسول الله ﷺ من رجل بكرا فجاءته إبل فقال أبو رافع فأمرني رسول الله ﷺ أن أقضي الرجل بكره فقلت: لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال: أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء) فأخذنا نحن وأنتم بهذا وقلنا لا بأس أن يستسلف الحيوان إلا الولائد وأن يسلف في الحيوان كله قياسا على هذا، وخالفنا بعض الناس في هذا لا يستسلف الحيوان، ولا يسلف فيه وروي عن ابن مسعود أنه كره السلف فيه وعن غيره من أصحاب النبي ﷺ فلم نر في واحد دون النبي ﷺ حجة مع قول رسول الله ﷺ [قال الربيع]: معنى قول الشافعي في هذا الذي نهي عنه ها هنا قرض الأمة خاصة لأن له أخذها منه فأما العبد فيجوز، وقال: هذا قول الشافعي.