البداية والنهاية/الجزء السابع/قصة التحكيم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



قصة التحكيم


ثم تراوض الفريقان بعد مكاتبات ومراجعات يطول ذكرها على التحكيم، وهو أن يحكِّم كل واحد من الأميرين - علي ومعاوية - رجلا من جهته ثم يتفق الحكمان على ما فيه مصلحة للمسلمين.

فوكل معاوية عمرو بن العاص، وأراد علي أن يوكل عبد الله بن عباس - وليته فعل - ولكنه منعه القراء ممن ذكرنا، وقالوا: لا نرضى إلا بأبي موسى الأشعري.

وذكر الهيثم بن عدي في كتاب الخوارج له: أن أول من أشار بأبي موسى الأشعري الأشعث بن قيس، وتابعه أهل اليمن، ووصفوه أنه كان ينهى الناس عن الفتنة والقتال.

وكان أبو موسى قد اعتزل في بعض أرض الحجاز، قال علي: فإني أجعل الأشتر حكما.

فقالوا: وهل سعر الحرب وشعر الأرض إلا الأشتر؟

قال: فاصنعوا ما شئتم.

فقال الأحنف لعلي: والله لقد رميت بحجر، إنه لا يصلح هؤلاء القوم إلا رجل منهم يدنو منهم حتى يصير في أكفهم ويبتعد حتى يصير بمنزلة النجم، فإن أبيت أن تجعلني حكما فاجعلني ثانيا وثالثا، فإنه لن يعقد عقدة إلا أحلها، ولا يحل عقدة عقدتها إلا عقدت لك أخرى مثلها أو أحكم منها.

قال: فأبوا إلا أبا موسى الأشعري فذهبت الرسل إلى أبي موسى الأشعري - وكان قد اعتزل - فلما قيل له: إن الناس قد اصطلحوا.

قال: الحمد لله.

قيل له: وقد جعلت حكما.

فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أخذوه حتى أحضروه إلى علي رضي الله عنه.

وكتبوا بينهم كتابا هذه صورته: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.

فقال عمرو بن العاص: اكتب اسمه واسم أبيه هو أميركم وليس بأميرنا.

فقال الأحنف: لا تكتب إلا أمير المؤمنين.

فقال علي: امح أمير المؤمنين واكتب هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب ثم استشهد علي بقصة الحديبية حين امتنع أهل مكة هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فامتنع المشركون من ذلك وقالوا: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله.

فكتب الكاتب: هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضى علي على أهل العراق ومن معهم من شيعتهم والمسلمين، وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان معه من المؤمنين والمسلمين إنا ننزل عند حكم الله وكتابه ونحيي ما أحيى الله، ونميت ما أمات الله، فما وجد الحكمان في كتاب الله - وهما أبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص - عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله، فالسنة العادلة الجامعة غير المتفرقة.

ثم أخذ الحكمان من علي، ومعاوية، ومن الجندين، العهود والمواثيق أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما، والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كليهما عهد الله وميثاقه أنهما على ما في هذه الصحيفة، وأجلا القضاء إلى رمضان وإن أحبا أن يؤخرا ذلك على تراض منهما.

وكتب في يوم الأربعاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة سبع وثلاثين، على أن يوافي علي ومعاوية موضع الحكمين بدومة الجندل في رمضان، ومع كل واحد من الحكمين أربعمائة من أصحابه، فإن لم يجتمعا لذلك اجتمعا من العام المقبل بأذرح.

وقد ذكر الهيثم في كتابه في (الخوارج): أن الأشعث بن قيس لما ذهب إلى معاوية بالكتاب وفيه: هذا ما قاضى عبد الله علي أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان.

قال معاوية: لو كان أمير المؤمنين لم أقاتله، ولكن ليكتب اسمه وليبدأ به قبل اسمي لفضله وسابقته.

فرجع إلى علي فكتب كما قال معاوية.

وذكر الهيثم: أن أهل الشام أبوا أن يبدأ باسم علي قبل معاوية وباسم أهل العراق قبلهم حتى كتب كتابان كتاب لهؤلاء فيه تقديم معاوية على علي وكتاب آخر لأهل العراق بتقديم اسم علي وأهل العراق على معاوية وأهل الشام.

وهذه تسمية من شهد على هذا التحكيم من جيش علي: عبد الله بن عباس، والأشعث بن قيس الكندي، وسعيد بن قيس الهمداني، وعبد الله بن الطفيل المعافري، وحجر بن يزيد الكندي، وورقاء بن سمي العجلي، وعبد الله بن بلال العجلي، وعقبة بن زياد الأنصاري، ويزيد بن جحفة التميمي، ومالك بن كعب الهمداني، فهؤلاء عشرة.

وأما من الشاميين فعشرة آخرون وهم: أبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، ومخارق بن الحارث الزبيدي، ووائل بن علقمة العدوي، وعلقمة بن يزيد الحضرمي، وحمزة بن مالك الهمداني، وسبيع بن يزيد الحضرمي، وعتبة بن أبي سفيان أخو معاوية، ويزيد بن الحر العبسي.

وخرج الأشعث بن قيس بذلك الكتاب يقرؤه على الناس، ويعرضه على الطائفتين، ثم شرع الناس في دفن قتلاهم.

قال الزهري: بلغني أنه دفن في كل قبر خمسون نفسا، وكان علي قد أسر جماعة من أهل الشام.

فلما أراد الانصراف أطلقهم، وكان مثلهم أو قريب منهم في يد معاوية وكان قد عزم على قتلهم لظنه أنه قد قتل أسراهم، فلما جاءه أولئك الذين أطلقهم أطلق معاوية الذين في يده.

ويقال: إن رجلا يقال له عمرو بن أوس - من الأزد -كان من الأسارى فأراد معاوية قتله فقال: امنن عليّ فإنك خالي.

فقال: ويحك! من أين أنا خالك؟

فقال: إن أم حبيبة زوجة رسول الله ، وهي أم المؤمنين وأنا ابنها وأنت أخوها وأنت خالي.

فأعجب ذلك معاوية وأطلقه.

وقال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم - وذكر أهل صفين - فقال: كانوا عربا يعرف بعضهم بعضا في الجاهلية فالتقوا في الإسلام معهم على الحمية وسنة الإسلام، فتصابروا واستحيوا من الفرار، وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء، فيستخرجون قتلاهم فيدفنوهم.

قال الشعبي: هم أهل الجنة، لقي بعضهم بعضا فلم يفر أحد من أحد.

البداية والنهاية - الجزء السابع
سنة ثلاث عشرة من الهجرة | وقعة اليرموك | انتقال إمرة الشام من خالد إلى أبي عبيدة بعد وقعة اليرموك | وقعة جرت بالعراق بعد مجيء خالد إلى الشام | خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه | فتح دمشق | فصل الاختلاف في فتح دمشق صلحا أو عنوة | بعث خالد بن الوليد إلى البقاع لفتحه | وقعة فحل | ما وقع بأرض العراق آنذاك من القتال | وقعة النمارق | وقعة جسر أبي عبيد ومقتل أمير المسلمين وخلق كثير منهم | وقعة البويب التي اقتص فيها المسلمون من الفرس | فصل بعث عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص أميرا على العراق | ذكر اجتماع الفرس على يزدجرد بعد اختلافهم | ما وقع سنة ثلاث عشرة من الحوادث | ذكر المتوفين في هذه السنة مرتبين على الحروف | سنة أربع عشرة من الهجرة | غزوة القادسية | فصل وقعة القادسية | ذكرى من توفى في هذا العام من المشاهير | ثم دخلت سنة خمس عشرة | وقعة حمص الأولى | وقعة قنسرين | وقعة قيسارية | وقعة أجنادين | فتح بيت المقدس على يدي عمر بن الخطاب | أيام برس وبابل وكوثى | وقعة نهرشير | ومن توفي هذه السنة مرتبين على الحروف | ثم دخلت سنة ست عشرة | ذكر فتح المدائن | وقعة جلولاء | ذكر فتح حلوان | فتح تكريت والموصل | فتح ماسبذان من أرض العراق | فتح قرقيسيا وهيت في هذه السنة | ثم دخلت سنة سبع عشرة | أبو عبيدة وحصر الروم له بحمص وقدوم عمر إلى الشام | فتح الجزيرة | شيء من أخبار طاعون عمواس | كائنة غريبة فيها عزل خالد عن قنسرين أيضا | فتح الأهواز ومناذر ونهر تيري | فتح تستر المرة الأولى صلحا | ذكر غزو بلاد فارس من ناحية البحرين عن ابن جرير عن سيف | ذكر فتح تستر ثانية وأسر الهرمزان وبعثه إلى عمر بن الخطاب | فتح السويس | ثم دخلت سنة ثماني عشرة | ذكر طائفة من أعيانهم رضي الله عنهم | ثم دخلت سنة تسع عشرة | ذكر من توفى فيها من الأعيان | سنة عشرين من الهجرة | صفة فتح مصر عن ابن إسحاق وسيف | قصة نيل مصر | ذكر المتوفين من الأعيان | ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وكانت وقعة نهاوند | ذكر من توفي إحدى وعشرين | ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وفيها كانت فتوحات كثيرة | فتح الري | فتح قومس | فتح جرجان | وهذا فتح أذربيجان | فتح الباب | أول غزو الترك | قصة السد | بقية من خبر السد | قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى | خراسان مع الأحنف بن قيس | ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وفيها وفاة عمر بن الخطاب | فتح فسا ودار أبجرد وقصة سارية بن زنيم | فتح كرمان وسجستان ومكران | غزة الأكراد | خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد | وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى | صفته رضي الله عنه | ذكر زوجاته وأبنائه وبناته | ذكر بعض ما رثي به | أحداث وقعت في هذه السنة | ذكر من توفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه | خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ثم استهلت سنة أربع وعشرين | ثم دخلت سنة خمس وعشرين | ثم دخلت سنة ست وعشرين | ثم دخلت سنة سبع وعشرين | غزوة إفريقية | غزوة الأندلس | ثم دخلت سنة ثمان وعشرين فتح قبرص | ثم دخلت سنة تسع وعشرين | سنة ثلاثين من الهجرة النبوية | فصل ذكر الذهبي وفاة أبي بن كعب | ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين | كيفية قتل كسرى ملك الفرس وهو يزدجرد | ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين | ذكر من توفي من الأعيان في هذا السنة | ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين | ثم دخلت سنة أربع وثلاثين | ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان | ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية من مصر | ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان | فصل استمرار حصار عثمان بن عفان | صفة قتله رضي الله عنه | فصل مقتل عثمان رضي الله عنه | فصل مدة حصاره أربعون يوما | ذكر صفته رضي الله عنه | فصل قتل عثمان أول الفتن وآخر الفتن الدجال | وهذا ذكر بعض ما رثي به رضي الله عنه | إن قال قائل كيف وقع قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة وفيها جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم | بعض الأحاديث الواردة في فضائل عثمان بن عفان | الأول فيما ورد في فضائله مع غيره | القسم الثاني فيما ورد من فضائله وحده | ذكر شيء من سيرته وهي دالة على فضيلته | شيء من خطبه | فصل من مناقبه رضي الله عنه | فصل ومن مناقبه أيضا | ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم | فصل ذكر حديث تدور رحا الإسلام | في ذكر من توفي زمان عثمان ممن لا يعرف وقت وفاته على التعيين | خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه | ذكر بيعة علي رضي الله عنه بالخلافة | ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة | ابتداء وقعة الجمل | مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة بدلا من الشام | فصل فراغ علي رضي الله عنه من أمر الجمل | فصل في ذكر أعيان من قتل يوم الجمل | وفي هذه السنة أعني سنة ست وثلاثين | فصل في وقعة صفين بين أهل العراق وبين أهل الشام | ثم دخلت سنة سبع وثلاثين | رفع أهل الشام المصاحف | قصة التحكيم | خروج الخوارج | فصل قد تقدم أن عليا رضي الله عنه لما رجع من الشام بعد وقعة صفين | اجتماع الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص بدومة الجندل | خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم عليا | مسير أمير المؤمنين علي إلى الخوارج | ما ورد فيهم من الأحاديث الشريفة | فصل خطبة علي رضي الله عنه بعد انصرافه من النهروان | فصل ما جرى من أحداث في قصة التحكيم | فصل قتاله للخوارج كان سنة سبع وثلاثين | ذكر من توفي فيها من الأعيان | ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين | فصل قتال علي رضي الله عنه لأهل النهروان سنة ثمان وثلاثين | ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان | ثم دخلت سنة تسع وثلاثين | سنة أربعين من الهجرة | ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | صفة مقتله رضي الله عنه | ذكر زوجاته وبنيه وبناته | شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | حديث المؤآخاة | تزويجه فاطمة الزهراء رضي الله عنهما | حديث غدير خم | حديث الطير | حديث آخر في فضل علي