البداية والنهاية/الجزء السابع/ذكر من توفي فيها من الأعيان
خباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، كان قد أصابه سبي في الجاهلية فاشترته أنمار الخزاعية التي كانت تختن النساء، وهي أم سباع بن عبد العزى الذي قتله حمزة يوم أحد وحالف بني زهرة.
أسلم خباب قديما قبل دار الأرقم، وكان ممن يؤدي في الله فيصبر ويحتسب، وهاجر وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد.
قال الشعبي: دخل يوما على عمر فأكرم مجلسه وقال: ما أحد أحق بهذا المجلس منك إلا بلال.
فقال: يا أمير المؤمنين إن بلالا كان يؤذى وكان له من يمنعه، وإني كنت لا ناصر لي والله لقد سلقوني يوما في نار أججوها ووضع رجل على صدري فما اتقيت الأرض إلا بظهري، ثم كشف عن ظهره فإذا هو برص رضي الله عنه.
ولما مرض دخل عليه أناس من الصحابة يعودونه فقالوا: أبشر غدا تلقى الأحبة محمدا وحزبه.
فقال: والله إن إخواني مضوا ولم يأكلوا من دنياهم شيئا، وإنا قد أينعت لنا ثمرتها فنحن نهدبها، فهذا الذي يهمني.
قال: وتوفي بالكوفة في هذه السنة عن ثلاث وستين سنة وهو أول من دفن بظاهر الكوفة.
خزيمة بن ثابت
ابن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الأنصاري ذو الشهادتين وكانت راية بني حطمة معه يوم الفتح، وشهد صفين مع علي، وقتل يومئذٍ رضي الله عنه.
سفينة
مولى رسول الله ﷺ قد قدمنا ترجمته في الموالي المنسوبين إليه صلوات الله وسلامه عليه.
عبد الله بن الأرقم بن أبي الأرقم
أسلم عام الفتح وكتب بين يدي رسول الله ﷺ. وقد تقدم مع كتاب الوحي.
عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، قتل يوم صفين وكان أمير الميمنة لعلي فصارت إمرتها للأشتر النخعي.
عبد الله بن خباب بن الأرت. ولد في حياة النبي ﷺ، وكان موصوفا بالخير، قتله الخوارج كما قدمنا بالنهروان في هذه السنة، فلما جاء علي قال لهم: أعطونا قتلته ثم أنتم آمنون.
فقالوا: كلنا قتله، فقاتلهم.
عبد الله بن سعد بن أبي سرح: أحد كتّاب الوحي أيضا، أسلم قديما وكتب الوحي ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام عام الفتح واستأمن له عثمان - وكان أخاه لأمه - وحسن إسلامه وقد ولاه عثمان نيابة مصر بعد موت عمرو بن العاص، فغزا إفريقية وبلاد النوبة، وفتح الأندلس وغزا ذات الصواري مع الروم في البحر فقتل منهم ما صبغ وجه الماء من الدماء.
ثم لما حصر عثمان تغلب عليه محمد بن أبي حذيفة وأخرجه من مصر فمات في هذه السنة وهو معتزل عليا ومعاوية، في صلاة الفجر بين التسليمتين رضي الله عنه.
عمار بن ياسر أبو اليقظان العبسي
من عبس اليمن، وهو حليف بني مخزوم، أسلم قديما وكان ممن يعذب في الله هو وأبوه وأمه سمية.
ويقال: إنه أول من اتخذ مسجدا في بيته يتعبد فيه، وقد شهد بدرا وما بعدها وقد قدمنا كيفية مقتله يوم صفين وأن رسول الله ﷺ قال: « تقتلك الفئة الباغية ».
وروى الترمذي من حديث الحسن عن أنس: أن رسول الله ﷺ قال:
« إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة، علي وعمار وسلمان ».
وفي الحديث الآخر الذي رواه الثوري وقيس بن الربيع، وشريك القاضي وغيرهم عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي: أن عمارا استأذن على رسول الله ﷺ فقال: « مرحبا بالطيب المطيب ».
وقال إبراهيم بن الحسين: حدثنا يحيى، حدثني نصر، ثنا سفيان الثوري، عن أبي الأعمش، عن أبي عمار، عن عمرو بن شرحبيل، عن رجل من أصحاب رسول الله ﷺ أن رسول الله ﷺ قال:
« لقد ملئ عمار إيمانا من قدمه إلى مشاشه ».
وحدثنا يحيى بن معلى، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة أنها قالت: ما من أحد من أصحاب رسول الله ﷺ أشاء أن أقول فيه إلا عمار بن ياسر، فقال رسول الله ﷺ: « إن عمار بن ياسر حُشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنه إيمانا ».
وحدثنا يحيى، ثنا عمرو بن عون أنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة قال: أتيت أهل الشام فلقيت خالد بن الوليد فحدثني قال: كان بيني وبين عمار بن ياسر كلام في شيء فشكاني إلى رسول الله ﷺ فقال:
« يا خالد! لا تؤذ عمارا فإنه من يبغض عمارا يبغضه الله ومن يعاد عمارا يعاده الله » قال: فعرضت له بعد ذلك فسللت ما في نفسه.
وله أحاديث كثيرة في فضائله رضي الله عنه قتل بصفين عن إحدى، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع وتسعين سنة طعنه أبو الغادية فسقط ثم أكب عليه رجل فاحتز رأسه، ثم اختصما إلى معاوية أيهما قتله فقال لهما عمرو بن العاص: اندرا فوالله إنكما لتختصمان في النار، فسمعها منه معاوية فلامه على تسميعه إياهما ذلك.
فقال له عمرو: والله إنك لتعلم ذلك، ولوددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة.
قال الواقدي: حدثني الحسن بن الحسين بن عمارة عن أبي إسحاق، عن عاصم: أن عليا صلى عليه ولم يغسله وصلى مع علي هاشم بن عتبة، فكان عمار مما يلي عليا، وهاشم إلى نحو القبلة.
قالوا: وقبر هنالك، وكان آدم اللون، طويلا بعيدا ما بين المنكبين: أشهل العينين، رجلا لا يغير شيبه رضي الله عنه.
الربيع بن معوذ بن عفراء
أسلمت قديما وكانت تخرج مع رسول الله ﷺ إلى الغزوات فتداوي الجرحى، وتسقي الماء للكلمى، وروت أحاديث كثيرة.
وقد قتل في هذه السنة في أيام صفين خلق كثير وجم غفير، فقيل: قتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفا ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفا.
وقيل: قتل من أهل العراق أربعون ألفا - من مائة وعشرين ألفا - وقيل من أهل الشام عشرون ألفا من ستين ألفا وبالجملة فقد كان فيهم أعيان ومشاهير يطول استقصاؤهم وفيما ذكرنا كفاية والله تعالى أعلم.