البداية والنهاية/الجزء السابع/بقية من خبر السد
أورد شيخنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ في هذه السنة ما ذكره صاحب كتاب (مسالك الممالك) عما أملاه عليه سلام الترجمان، حين بعثه الواثق بأمر الله بن المعتصم - وكان قد رأى في النوم كأن السد قد فتح -فأرسل سلاما هذا، وكتب له إلى الملوك بالوصاة به، وبعث معه ألفي بغل تحمل طعاما فساروا بين سامرا إلى إسحاق بتفليس، فكتب لهم إلى صاحب السرير، وكتب لهم صاحب السرير إلى ملك اللان، فكتب لهم إلى قبلان شاه، فكتب لهم إلى ملك الخزر، فوجه معه خمسة أولاد فساروا ستة وعشرين يوما.
انتهوا إلى أرض سوداء منتنة حتى جعلوا يشمون الخل، فساروا فيها عشرة أيام، فانتهوا إلى مدائن خراب مدة سبعة وعشرين يوما، وهي التي كانت يأجوج و مأجوج تطرقها فخربت من ذلك الحين و إلى الآن، ثم انتهوا إلى حصن قريب من السد، فوجدوا قوما يعرفون بالعربية و بالفارسية و يحفظون القرآن، ولهم مكاتب و مساجد، فجعلوا يعجبون منهم و يسألونهم من أين أقبلوا؟
فذكروا لهم أنهم من جهة أمير المؤمنين الواثق، فلم يعرفوه بالكلية.
ثم انتهوا إلى جبل أملس ليس عليه خضرا، و إذا السد هنالك من لبن حديد مغيب في نحاس، و هو مرتفع جدا لا يكاد البصر ينتهي إليه، وله شرفات من حديد، وفي وسطه باب عظيم بمصراعين مغلقين، عرضهما مائة ذراع، في طول مائة ذراع، في ثخانة خمسة أذرع، و عليه قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع - وذكر أشياء كثيرة - و عند ذلك المكان حرس يضربون عند القفل في كل يوم فيسمعون بعد ذلك صوتا عظيما مزعجا، ويقال: أن وراء هذا الباب حرس وحفظة، وقريب من هذا الباب حصنان عظيمان بينهما عين ماء عذبة، وفي إحداهما بقايا العمارة من مغارف ولبن من حديد وغير ذلك، وإذا طول اللبنة ذراع ونصف في مثله، في سمك شبر.
وذكروا: أنهم سألوا أهل تلك البلاد هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج؟
فأخبروهم أنهم رأوا منهم يوما أشخاصا فوق الشرفات فهبت الريح فألقتهم إليهم، فإذا طول الرجل منهم شبر أو نصف شبر. والله أعلم.
قال الواقدي: وفي هذه السنة غزا معاوية الصائفة من بلاد الروم، وكان معه حماد والصحابة فسار وغنم ورجع سالما.
وفيها: ولد يزيد بن معاوية، وعبد الملك بن مروان.
وفيها: حج بالناس عمر بن الخطاب، وكان عماله فيها على البلاد، وهم الذين كانوا في السنة قبلها.
وذكر: أن عمر عزل عمارا في هذه السنة عن الكوفة اشتكاه أهلها وقالوا: لا يحسن السياسة، فعزله وولى أبا موسى الأشعري، فقال أهل الكوفة: لا نريده، وشكوا من غلامه.
فقال: دعوني حتى أنظر في أمري، وذهب إلى طائفة من المسجد ليفكر من يولي. فنام من الهم، فجاءه المغيرة فجعل يحرسه حتى استيقظ.
فقال له: إن هذا الأمر عظيم يا أمير المؤمنين الذي بلغ بك هذا.
قال: وكيف وأهل الكوفة مائة ألف لا يرضون أمير المؤمنين، ولا يرضى عنهم أمير.
ثم جمع الصحابة واستشارهم هل يولي عليهم قويا مشددا أو ضعيفا مسلما؟
فقال له المغيرة بن شعبة: يا أمير المؤمنين، إن القوي قوته لك وللمسلمين وتشديده لنفسه، وأما الضعيف المسلم فضعفه عليك وعلى المسلمين وإسلامه لنفسه.
فقال عمر للمغيرة - واستحسن ما قال له -: اذهب فقد وليتك الكوفة.
فرده إليها بعد ما كان عزله عنها بسبب ما كان شهد عليه الذين تقدم حدهم بسبب قذفه، والعلم عند الله عز وجل.
وبعث أبا موسى الأشعري إلى البصرة فقيل لعمار: أساءك العزل؟
فقال: والله ما سرتني الولاية، ولقد ساءني العزل.
وفي رواية: أن الذي سأله عن ذلك عمر رضي الله عنه، ثم أراد عمر أن يبعث سعد بن أبي وقاص على الكوفة بدل المغيرة فعاجلته المنية سنة ثلاث وعشرين على ما سيأتي بيانه، ولهذا أوصى لسعد به.
قال الواقدي: وفي هذه السنة غزا الأحنف بن قيس بلاد خراسان، وقصد البلد الذي فيه يزدجرد ملك الفرس.
قال ابن جرير: وزعم سيف أن هذا كان في سنة ثماني عشرة.
قلت: والأول هو المشهور والله أعلم.