البداية والنهاية/الجزء السابع/ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
وما ورد من الأحاديث النبوية من الأخبار بمقتله وكيفيته:
كان أمير المؤمنين رضي الله عنه قد تنغصت عليه الأمور، واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه.
واستفحل أمر أهل الشام، وصالوا وجالوا يمينا وشمالا، زاعمين أن الإمرة لمعاوية بمقتضى حكم الحكمين في خلعهما عليا وتولية عمرو بن العاص معاوية عند خلو الإمرة عن أحد، وقد كان أهل الشام بعد التحكيم يسمون معاوية الأمير.
وكلما ازداد أهل الشام قوة ضعف جأش أهل العراق، هذا وأميرهم علي بن أبي طالب خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله عز وجل، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه حتى كره الحياة وتمنى الموت، وذلك لكثرة الفتن وظهور المحن، فكان يكثر أن يقول: ما يحبس أشقاها، أي ما ينتظر؟ ماله لا يقتل؟ ثم يقول: والله لتخضبن هذه ويشير إلى لحيته من هذه ويشير إلى هامته.
كما قال البيهقي: عن الحاكم، عن الأصم، عن محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا أبو الحراب الأحوص بن جواب، ثنا عمار بن زريق، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد قال:
قال علي: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه للحيته من رأسه فما يحبس أشقاها؟
فقال عبد الله بن سبع: والله يا أمير المؤمنين لو أن رجلا فعل ذلك لأبدنا عترته.
فقال: أنشدكم بالله أن يقتل بي غير قاتلي.
فقالوا: يا أمير المؤمنين ألا تستخلف؟
فقال: لا ولكن أترككم كما ترككم رسول الله ﷺ.
قالوا: فما تقول لربك إذا لقيته وقد تركتنا هملا؟.
أقول: اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك، ثم قبضتني وتركتك فيهم فإن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم.
طريق أخرى
قال أبو داود الطيالسي في (مسنده): ثنا شريك عن عثمان بن المغيرة عن زيد بن وهب.
قال: جاءت الخوارج إلى علي فقالوا له: اتق الله فإنك ميت.
قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ولكن مقتول من ضربةٍ على هذه تخضب هذه - وأشار بيده إلى لحيته - عهد معهود وقضى مقضي، وقد خاب من افترى.
طريق أخرى عنه
قال الحافظ أبو يعلى: ثنا سويد بن سعيد، ثنا رشدين بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة، عن عثمان بن صهيب، عن أبيه قال:
قال علي: قال لي رسول الله ﷺ: « من أشقى الأولين؟ ».
قلت: عاقر الناقة.
قال: « صدقت فمن أشقى الآخرين؟ »
قلت: لا علم لي يا رسول الله ﷺ.
قال: « الذي يضربك على هذه - وأشار بيده - على يافوخه فيخضب هذه من هذه » يعني لحيته من دم رأسه قال: فكان يقول: وددت أنه قد انبعث أشقاكم.
طريق أخرى عن علي
قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عبد الله بن سبع قال: سمعت عليا يقول: لتخضبن هذه من هذه فما ينتظر بي إلا شقي.
فقال: يا أمير المؤمنين، أخبرنا نبد عترته.
قال: إذا تقتلون بي غير قاتلي.
قالوا: فما تقول لربك إذا أتيته؟.
قال: أقول: اللهم تركتني فيهم ما بدا لك ثم قبضتني إليك وأنت فيهم، إن شئت أصلحتهم وإن شئت أفسدتهم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الله بن سبعٍ قال: خطبنا علي فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذه.
قال: فقال الناس: فأعلمنا من هو والله لنبيدنه أو لنبيدن عترته.
قال: أنشدكم بالله أن يقتل غير قاتلي.
قالوا: إن كنت علمت ذلك فاستخلف.
قال: لا، ولكن أكلكم إلى ما وكلكم إليه رسول الله ﷺ. تفرد به أحمد.
طريق أخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
قال الإمام أحمد: حدثنا هشم بن القاسم، ثنا محمد - يعني: ابن راشد - عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري - وكان أبو فضالة من أهل بدر -، وقال:
خرجت مع أبي عائدا لعلي بن أبي طالب من مرض أصابه ثقل منه.
قال فقال له أبي: ما يقيمك بمنزلك هذا لو أصابك أجلك لم يلك إلا أعراب جهينة؟ تحمل إلى المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا عليك.
فقال علي: إن رسول الله ﷺ عهد إلي أن لا أموت حتى أؤمر ثم تخضب هذه - يعني لحيته - من دم هذه - يعني هامته -.
قال: فقتل أبو فضالة يوم صفين، تفرد به أحمد أيضا.
وقد رواه البيهقي في (الدلائل) عن الحاكم، عن الأصم، عن الحسن بن مكرم، عن أبي النضر هاشم بن القاسم به.
طريق أخرى عنه
قال الحافظ أبو بكر البزار في (مسنده): حدثنا أحمد بن أبان القرشي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا كوفي يقال له: عبد الملك بن أعين، عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول:
قال لي عبد الله بن سلام وقد وضعت رجلي في غرز الركاب لا تأتي العراق فإنك إن أتيتها أصابك بها ذباب السيف.
قال: وأيم الله لقد قالها ولقد قالها النبي ﷺ لي قبله.
قال أبو الأسود: فقلت: تالله ما رأيت رجلا محاربا يحدث بهذا قبلك غيرك.
ثم قال البزار: ولا نعلم رواه إلا علي بن أبي طالب بهذا الإسناد، ولا نعلم رواه إلا عبد الملك بن أعين عن أبي حرب، ولا رواه عنه إلا ابن عيينة. هكذا قال.
قال: وقد رأيت من الطرق المتعددة خلاف ذلك.
وقال البيهقي بعد ذكره طرفا من هذه الطرق: وقد رويناه في كتاب (السنن) بإسناد صحيح عن زيد بن أسلم، عن أبي سنان الدؤلي، عن علي في إخبار النبي ﷺ بقتله.
حديث آخر في ذلك
قال الخطيب البغدادي: أخبرني علي بن القاسم البصري، ثنا علي بن إسحاق المارداني، أنا محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا إسماعيل بن أبان الوراق، ثنا ناصح بن عبد الله المحلمي، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله ﷺ لعلي: « من أشقى الأولين؟ ».
قال: عاقر الناقة.
قال: « فمن أشقى الآخرين؟ ».
قال: الله ورسوله أعلم.
قال: « قاتلك ».
حديث آخر في معنى ذلك
وروى البيهقي من طريق فطر بن خليفة وعبد العزيز بن سياه كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة الحماني قال: سمعت عليا على المنبر وهو يقول: والله إنه لعهد النبي الأمي إليّ إن الأمة ستغدر بك بعدي.
قال البخاري: ثعلبة بن زيد الحماني في حديثه هذا نظر.
قال البيهقي: وقد رويناه بإسناد آخر عن علي إن كان محفوظا.
أخبرنا أبو علي الروذباري، أنا أبو محمد بن شوذب الواسطي بها، ثنا شعيب بن أيوب، ثنا عمرو بن عون، عن هشيم، عن إسماعيل بن سالم، عن أبي إدريس الأزدي، عن علي قال: إن مما عهد إليّ رسول الله ﷺ أن الأمة ستغدر بك بعدي.
قال البيهقي: فإن صح فيحتمل أن يكون المراد به والله أعلم في خروج من خرج عليه ثم في قتله.
وقال الأعمش: عن عمرو بن مرة بن عبد الله بن الحارث، عن زهير بن الأرقم.
قال: خطبنا علي يوم جمعة فقال: نبئت أن بسرا قد طلع اليمن، وإني والله لأحسب أن هؤلاء القوم سيظهرون عليكم، وما يظهرون عليكم إلا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم، وخيانتكم وأمانتهم، وإفسادكم في أرضكم وإصلاحهم.
قد بعثت فلانا فخان وغدر، وبعثت فلانا فخان وغدر، وبعث المال إلى معاوية لو ائتمنت أحدكم على قدح لأخذ علاقته، اللهم سئمتهم وسئموني، وكرهتهم وكرهوني، اللهم فأرحهم مني وأرحني منهم.
قال: فما صلى الجمعة الأخرى حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه.