البداية والنهاية/الجزء الثاني/شهوده عليه الصلاة والسلام حرب الفجار
قال ابن إسحاق: هاجت حرب الفجار ورسول الله ﷺ ابن عشرين سنة، وإنما سمي يوم الفجار بما استحل فيه هذان الحيان - كنانة وقيس عيلان - من المحارم بينهم.
وكان قائد قريش وكنانة حرب بن أمية بن عبد شمس، وكان الظفر في أول النهار لقيس على كنانة، حتى إذا كان وسط النهار كان الظفر لكنانة على قيس.
وقال ابن هشام: فلما بلغ رسول الله ﷺ أربع عشرة سنة - أو خمس عشرة سنة - فيما حدثني به أبو عبيدة النحوي، عن أبي عمرو بن العلاء: هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معها من كنانة، وبين قيس عيلان، وكان الذي هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن أجاز لطيمة - أي تجارة - للنعمان بن المنذر.
فقال له البراض بن قيس - أحد بني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة -: أتجيزها على كنانة؟ قال: نعم، وعلى الخلق. فخرج فيها عروة الرحال، وخرج البراض يطلب غفلته، حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية، غفل عروة فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام، فلذلك سمي الفجار.
وقال البراض في ذلك:
وداهية تهم الناس قبلي * شددت لها بني بكر ضلوعي
هدمت بها بيوت بني كلاب * وأرضعت الموالي بالضروع
رفعت له بذي طلال كفي * فخر يميد كالجذع الصريع
وقال لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب:
وأبلغ - إن عرضت - بني كلاب * وعامر والخطوب لها موالي
وأبلغ - إن عرضت - بني نمير * وأخوال القتيل بني هلال
بأن الوافد الرحال أمسى * مقيما عند تيمن ذي طلال
قال ابن هشام: فأتى آت قريشا، فقال: إن البراض قد قتل عروة، وهو في الشهر الحرام بعكاظ، فارتحلوا وهوازن لا تشعر بهم، ثم بلغهم الخبر فاتبعوهم فأدركوهم قبل أن يدخلوا الحرم، فاقتتلوا حتى جاء الليل، فدخلوا الحرم فأمسكت هوازن عنهم، ثم التقوا بعد هذا اليوم أياما، والقوم متساندون على كل قبيل من قريش وكنانة رئيس منهم، وعلى كل قبيل من قيس رئيس منهم.
قال: وشهد رسول الله ﷺ بعض أيامهم، أخرجه أعمامه معهم، وقال رسول الله ﷺ: « كنت أنبل على أعمامي » أي: أرد عليهم نبل عدوهم، إذا رموهم بها.
قال ابن هشام: وحديث الفجار طويل، هو أطول مما ذكرت، وإنما منعني من استقصائه قطعه حديث سيرة رسول الله ﷺ.
وقال السهيلي: والفجار بكسر الفاء، على وزن: قتال، وكانت الفجارات في العرب أربعة، ذكرهن المسعودي، وآخرهن فجار البرض هذا. وكان القتال فيه في أربعة أيام: يوم شمطة، ويوم العبلاء، وهما عند عكاظ، ويوم الشرب - وهو أعظمها يوما - وهو الذي حضره رسول الله ﷺ، وفيه قيدا رئيس قريش وبني كنانة: وهما حرب بن أمية، وأخوه سفيان أنفسهما لئلا يفروا.
وانهزمت يومئذ قيس إلا بني نضر، فإنهم ثبتوا، ويوم الحريرة عند نخلة، ثم تواعدوا من العام المقبل إلى عكاظ، فلما توافوا الموعد، ركب عتبة بن ربيعة جمله ونادى: يا معشر مضر علام تقاتلون؟ فقالت له هوازن: ما تدعو إليه؟ قال: الصلح. قالوا: وكيف؟ قال: ندي قتلاكم، ونرهنكم رهائن عليها، ونعفو عن دياتنا.
قالوا: ومن لنا بذلك؟ قال: أنا. قالوا: ومن أنت؟ قال: عتبة بن ربيعة، فوقع الصلح على ذلك، وبعثوا إليهم أربعين رجلا فيهم حكيم بن حزام، فلما رأت بنو عامر بن صعصعة الرهن في أيديهم، عفوا عن دياتهم وانقضت حرب الفجار.
وقد ذكر الأموي حروب الفجار، وأيامها، واستقصاها مطولا، فيما رواه عن الأثرم - وهو المغيرة بن علي - عن أبي عبيدة معمر بن المثنى فذكر ذلك.