البداية والنهاية/الجزء الثاني/خبر ملوك الطوائف
وأما صاحب الحضر وهو ساطرون، فقد تقدم أنه كان مقدما على سائر ملوك الطوائف.
وكان من زمن إسكندر بن فلبيس المقدوني اليوناني، وذلك لأنه لما غلب على ملك الفرس دارا بن دارا وأذل مملكته، وخرب بلاده، واستباح بيضة قومه، ونهب حواصله، ومزق شمل الفرس شذر مذر، عزم أن لا يجتمع لهم بعد ذلك شمل، ولا يلتئم لهم أمر، فجعل يقر كل ملك على طائفة من الناس في أقليم من أقاليم الأرض ما بين عربها وأعاجمها، فاستمر كل ملك منهم يحمي حوزته، ويحفظ حصته، ويستغل محلته.
فإذا هلك قام ولده من بعده أو أحد قومه فاستمر الأمر كذلك قريبا من خمسمائة سنة، حتى كان أزدشير بن بابك من بني ساسان بن بهمن بن أسفنديار بن يشتاسب بن لهراسب، فأعاد ملكهم إلى ما كان عليه، ورجعت الممالك برمتها إليه، وأزال ممالك مملوك الطوائف، ولم يبق منهم تالد ولا طارف، وكان تأخر عليه حصار صاحب الحضر الذي كان أكبرهم، وأشدهم، وأعظمهم، إذ كان رئيسهم ومقدمهم.
فلما مات أزدشير تصدى له ولده سابور، فحاصره حتى أخذه كما تقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم.