ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث/الباب الثامن والثلاثون (6)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


ومن المحال البين أن يقول الله تعالى مخاطباً لرسوله : {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } ثم يقول رسول الله : «إِنَّهُ يَقَعُ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ» ، ثم من المحال الممتنع أن يقول رسول الله : «فَاتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَأَفْتَوْا بِالرَّأْيِ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» جاء هذا بالسند الصحيح الذي لا اعتراض فيه، وقد ذكرنا في باب الكلام في الرأي. ثم يطلق الحكم في الدين بالرأي فهذا كله كذب ظاهر لا شك فيه. وقد كان في التابعين الراوين عن الصحابة رضي الله عنهم خبث كثير وكذب ظاهر، كالحارث الأعور وغيره ممن شهد عليه بالكذب، فلا يجوز أن تؤخذ رواية عن مجهول لم يعرف من هو ولا ما حاله. ولقد لجأ بعضهم إلى أن ادعى في هذا الحديث أنه منقول نقل الكافة. قال أبو محمد: ولا يعجز أحد عن أن يدعي في كل حديث مثل هذا، ولو قيل له: بل الحديث الذي جاء من طريق ابن المبارك: «إن أشد الفرق فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحلون الحرام» هو من نقل الكافة أكان يكون بينه وبين فرق؟. ولكن من لم يستح قال ما شاء، ولكن الذي لا شك فيه أنه من نقل الكواف كلها نقل تواتر يوجب العلم الضروري، فقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } . فهذا هو الذي لا شك في صحته، وليس فيه الرد عند التنازع إلا إلى الله تعالى، وهو القرآن، وإلى الرسول، وهو كلامه ولا أذكر القياس في ذلك، فصح أن ما عدا القرآن والحديث لا يحل الرد إليه عند التنازع، والقياس أصلاً ليس قرآناً ولا حديثاً، فلا يحل الرد إليه أصلاً، وبالله تعالى التوفيق. مع أن هذا الحديث الذي ذكرنا من طريق معاذ لا ذكر للقياس فيه البتة بوجه من الوجوه، ولا بنص ولا بدليل، وإنما فيه الرأي، والرأي غير القياس، لأن الرأي إنما هو الحكم بالأصلح والأحوط والأسلم في العاقبة، والقياس هو الحكم بشيء لا نص فيه بمثل الحكم في شيء منصوص عليه، وسواء كان أحوط أو لم يكن أصلح، أو لم يكن كان أسلم أو أقتل، استحسنه القاتل له أو استشنعه.

وهكذا القول في قوله : «إِذَا اجْتَهَدَ الحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ» ليس فيه للقياس أثر، لا بدليل ولا بنص ولا للرأي أيضاً لا يذكر ولا بدليل بوجه من الوجوه، وإنما فيه إباحة الاجتهاد فقط. والاجتهاد ليس قياساً ولا رأياً، وإنما الاجتهاد: إجهاد النفس، واستفراغ الوسع في طلب حكم طلب النازلة في القول والسنة، فمن طلب القرآن وتقرأ آياته، وطلب في السنن وتقرأ الأحاديث في طلب ما نزل به، فقد اجتهد، فإن وجدها منصوصة فقد أصاب فله أجران أجر الطلب وأجر الإصابة، وإن طلبها في القرآن والسنة فلم يفهم موضعاً منهما، ولا وقف عليه، وفاتت إدراكه، فقد اجتهد فأخطأ فله أجر. ولا شك أنها هنالك إلا أنه قد يجدها من وفقه الله لها، ولا يجدها من لم يوفقه الله تعالى لها، كما فهم جابر وسعد وغيرهما آية الكلالة ولم يفهمها عمر، وكما قال عثمان في الأختين بملك اليمين: أحلتهما آية وحرمتهما آية، فأخبر أنه لم يقف على موضع حقيقة حكمهما، ووقف غيره على ذلك بلا شك، ومحال أن يغيب حكم الله تعالى عن جميع المسلمين، وبالله تعالى التوفيق.

واحتجوا أيضاً بما حدثناه أحمد بن قاسم، ثنا أبي قاسم بن محمد، ثنا جدِّي قاسم ابن أصبغ، نا محمد بن إسماعيل الترمذي، نا سعيد بن أبي مريم، أنا سلمة بن علي، حدثني الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة قال: حض رسول الله على تعلم العلم قبل ذهابه. قال صفوان بن عسال: وكيف وفينا كتاب الله ونعلمه أولادنا؟ فغضب رسول الله حتى عرف ذلك فيه، ثم قال: «أَلَيْسَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ فِي أَيْدِي اليَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ حِينَ تَرَكُوا مَا فِيهِمَا» . قال أبو محمد: هذا الحديث من أعظم الحجج عليهم في وجوب إبطال القياس، لأنه أخبر أن من ترك القرآن والعمل به فقد ترك العلم، أو سلك سبيل اليهود والنصارى وأصحاب القياس أهل هذه الصفة، لأنهم تركوا القرآن والعمل به، وأقبلوا على قياساتهم الفاسدة، ونعوذ بالله من الخذلان. ثم يقال لهم: إنما تعلقتم بتشبيه النبي فعل من حُرم التوفيق من أمته في ذلك، بفعل اليهود والنصارى، إذ نبذوا كتابهم، ونحن نقر بصحة هذا التشبيه، وإنما ننكر أن يكون حكم من فعل ذلك من المسملين كحكم من أشبه فعله من اليهود والنصارى.

وأما أهل القياس فيلزمهم لزوماً ضروريّاً، إذ حكموا للمشتبهين بحكم واحد، أن يحكموا فيمن ترك أحكام القرآن منا بما نحكم به في اليهود والنصارى، من القتل والسبي للذراري والنساء، وأخذ الجزية إن سالموا، فإن تمادوا على قياسهم لحقوا بالصفرية الأزارقة، وعاد هذا من الحكم عليهم في تركهم لأحكام القرآن، والعمل بالقياس وإن جحدوا عن ذلك تناقضوا وتركوا القياس، وبالله تعالى التوفيق. فهذا كل ما موَّهوا به من إيراد الحديث الذي قد أوضحنا، بحول الله تعالى وقوته، أنه كله حجة عليهم، وموجب لإبطال القياس، وكل من له أدنى حس يرى أن إيرادهم ما أوردوا لا طريق للقياس فيه، ولأنهم يوهمون الضعفاء أننا ننكر تشابه الأسماء ونحن، ولله الحمد، أعلم بتشابه الأسماء منهم وأشد إقراراً به منهم. وإنما ننكر أن نحكم في الدين للمتشابهين في بعض الصفات بحكم واحد «من إيجاب أو تحريم أو تحليل» بغير إذن من الله تعالى، أو من رسوله ، فهذا أنكرنا، وفي هذا خالفنا، لا في تشابه الأشياء، فلو تركوا التمويه الضعيف لكان أولى بهم. وادعى بعضهم، دون مراقبة، إجماع الصحابة رضي الله عنهم على القول بالقياس، وهذه مجاهرة لا يعدلها في القبح شيء أصلاً، وباليقين نعلم أن ما روي قط عن أحد من الصحابة القول بأن القياس حق بوجه من الوجوه، لا من طريق تصح، ولا من طريق ضعيفة، إلا حديثاً واحداً، نذكره إن شاء الله تعالى بعد فراغنا من ذكر تمويههم بدلائل الإجماع، وهو لا يصح البتة.

ولو أن معارضاً يعارضهم، فقال: قد صح إجماع الصحابة على إبطال القياس، أكان يكون بينه وبينهم فرق في أنها دعوى ودعوى؟ بل إن قائل هذا، من إجماعهم على إبطال القياس، يصح قوله ببرهان نذكره إن شاء الله تعالى. وهو أنه قد صح بلا شك عند كل أحد من ولد آدم يدري الإسلام والمسلمين، من مؤمن أو كافر، أن جميع الصحابة مجمعون على إيجاب ما قال الله تعالى في القرآن مما لم يصح نسخه، وعلى إيجاب ما قال رسول الله وعلى أنه لا يحل لأحد أن يحرم ولا يحلل، ولا أن يوجب حكماً لم يأت به الله تعالى، ولا رسوله في الديانة، وعلى أن رسول الله لم يلبس على أمته أمر دينها، وأنه قد بيَّنه كله للناس، وهذا كله مجمع عليه من جميع الصحابة أولهم عن آخرهم بلا شك. ولولا ذلك ما كانوا مسلمين، فإن هذا مجمع عليه بلا شك، فهذه المقدمات مبطلة للقياس، لأنه عند القائلين به حوادث في الدين لم ينزل الله تعالى فيها حكماً في القرآن بيناً، ولا بين رسول الله ما حكمها بنصه عليها، وهذا ما لا يشك مسلم أن الصحابة لو سمعوا قائلاً يقول بهذا لبرئوا منه.

وأيضاً فالصحابة عشرات ألوف، روى الحديث منهم ألف وثلاثمائة ونيف مذكورون بأسمائهم، وروى الفقه والفتيا منهم عن نحو مائة ونيِّف وأربعين، مسمين بأسمائهم، حاشا الجُمَّل المنقول عن أكثرهم أو جميعهم، كإقامة الصلاة وأداء الزكاة، والسجود فيما سجد بهم إمامهم فيه من سجود القرآن، والاشتراك في الهدى، والصلاة الفريضة خلف التطوع، ومثل هذا كثير، وإنما أوردنا بنقل الفتيا من ذكر عنه باسمه أنه أجاز أمر كذا أو نهى عن أمر كذا، أو أوجب كذا، أو عمل كذا، فما منهم أحد روي عنه إباحة القياس، ولا أمر به البتة بوجه من الوجوه، حاشا الحديث الواحد الذي ذكرنا آنفاً، وسنذكره إن شاء الله تعالى بإسناده، ونبين وهيه وسقوطه. وروي أيضاً نحو عشر قضايا، فيها العمل بما يظن أنه قياس، فإذا حقق لم يصح أنه قياس، منها صحيح السند، ومنها ساقط السند، ويروى عنهم أكثر من ذلك وأصح في إبطال القياس نصّاً.

وأما القول بالعمل التي يقول بها حذاق القياسيين عند أنفسهم، ولا يرون القياس جائزاً إلا عليها، فباليقين ضرورة تعلم، أنه لم يقل قط بها أحد من الصحابة بوجه من الوجوه، ولا أحد من التابعين، ولا أحد تابعي التابعين، وإنما هو أمر حدث في أصحاب الشافعي، واتبعهم عليه أصحاب أبي حنيفة، ثم تلاهم فيه أصحاب مالك. وهذا أمر متيقن عندهم وعندنا، وما جاء قط في شيء من الروايات عن أحد من كل من ذكرنا أصلاً، لا في رواية ضعيفة ولا سقيمة، أن أحداً من تلك الأعصار علل حكماً بعلة مستخرجة يجعلها علامة للحكم، ثم يقيس عليها ما وجد تلك العلة فيه، مما لم يأت في حكمه نص، وإذاً لا يجوز القياس عند جمهور أصحاب القياس إلا على علة جامعة بين الأمرين هي سبب الحكم وعلامته، وإلا فالقياس باطل، ثم أيقنوا هم ونحن على أن ليس أحد من الصحابة ولا من تابعيهم، ولا من تابعي تابعيهم نطق بهذا اللفظ، ولا نبه على هذا المعنى، ولا دل عليه ولا علمه، ولا عرفه، ولو عرفوه ما كتموه فقد صح إجماعهم على إبطال القياس بلا شك.

وقد اضطر هذا الأمر وهذا البرهان طائفة من أصحاب القياس إلى الفرار من ذكر العلل وتعليل الأحكام جملة، وعن لفظ القياس، ولجؤوا إلى التشبيه والتمثيل والتنظير، وهو المعنى الذي فروا منه بعينه، لأنه لا بد لهم من التعريف بالشبه بين الأمرين الموجب تسوية حكم ما لم ينص عليه مع ما نص عليه منهما، فكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار، وكمحلل الخمر باسم النبيذ وأكثر ما هي هذه الطائفة فمن أصحاب مالك وأحمد، ومن لم يقلد أحداً من علماء أصحاب الحديث، ومنهم نبذ من أصحاب مالك، ويسير من أصحاب أبي حنيفة، فكيف يستحل من له علم وورع وفرار عن الكذب أن يدعي الإجماع فيما هذه صفته وفي أمر قد روي عن أصحابه أزيد من عشرين ألف قضية، ليس فيها ما يدل على القياس، إلا قضية واحدة لا تصح، ونحو عشر قضايا يظن أنها قياس، وليست عند التحقيق قياساً، وهم مجمعون معنا على أنه لم يحفظ قط عن أحد من الصحابة قياس في حياة النبي .

فإذ ذلك كذلك فنحن نبرأ إلى الله تعالى من كل دين حدث بعده ولو كان القياس حقّاً لما أغفل رسول الله بيانه العمل به، ثم من الباطل المتيقن أن يكون القياس مباحاً في الدين ثم لا يعلمنا رسول الله : أي شيء نقيس؟ ولا على ما نقيس؟ ولا أين نقيس؟ ولا كيف نقيس؟ فصح أن القياس باطل لا شك فيه. وأما القول والرأي والاستحسان والاختيار فكثير عنهم رضي الله عنهم جدّاً، ولكنه لا سبيل إلى أن يوجد لأحد منهم أن جعل رأيه ديناً أوجبه حكماً، وإنما قالوا إخباراً منهم بأن هذا الذي يسبق إلى قلوبهم، وهكذا يظنون على سبيل الصلح بين المختصمين، ونحو هذا، مع أن أصحاب القياس قد كفونا، ولله الحمد، التعلق بهذا الباب لأنهم، نعني حذاقهم ومتكلميهم، مبطلون للرأي والاستحسان إلا أن يكون قياساً على علة جامعة. وقد أصفق على هذا أكابر المتأخرين من الحنفيين المالكيين وسلكوا في ذلك مسلك الشافعيين، وتركوا طرائق أسلافهم في الاعتماد على الرأي والاستحسان، وقياس التمثيل المطلوب والتشبيه، ولو لم يفعلوا لكان أمرهم أهون مما يظن، لأنه لم يبق إلا بالرأي وحده مجرداً، والاستحسان المطلق، فليس رأي زيد أولى من رأي عمرو، ولا استحسان زيد أولى من استحسان رأي عمرو. فحصل الدين ــــ وأعوذ بالله لو كان ذلك ــــ هملاً غير حقيقة وحراماً حلالاً معاً وحقّاً باطلاً معاً، وتخليطاً فاسداً. وهذا أبين من أن يغلط فيه من له حس، وبالله تعالى التوفيق. واحتجوا بإجماع الأمة على تقديم أبي بكر إلى الخلافة، وأن ذلك قياس على تقديم النبي له إلى الصلاة، وأن عمر قال للأنصار: ارضوا لإمامتكم من رضيه رسول الله لصلاتكم وهي عُظْم دينكم. قال أبو محمد: وهذا من الباطل الذي لا يحل، ولو لم يكن في تقديم أبي بكر حجة، إلا أن رسول الله قد استخلف عليّاً على المدينة في غزوة تبوك . وهي آخر غزواته عليه السلام. فقياس الاستخلاف على الاستخلاف اللذين يدخل فيهما الصلاة والأحكام أولى من قياس الاستخلاف على الصلاة وحدها. فإن قالوا: إن استخلاف النبي أبا بكر هو آخر فعله. قيل لهم وبالله تعالى التوفيق، إن علياً لم ينحط فضله بعد أن استخلفه رسول الله على المدينة في غزوة تبوك. بل زاد خيراً بلا شك. فلم يكن استخلاف النبي أبا بكر على الصلاة لأجل نقيصة حدثت في علي، لم تكن فيه إذا استخلفه على تبوك. كما لم يكن استخلافه عليه السلام عليّاً على المدينة في عام تبوك لأنه كان أفضل من أبي بكر، فليس استخلاف أبي بكر على الصلاة حاطاً لعلي.

وإنما العلماء في خلافة أبي بكر على قولين: أحدهما أن النبي نص عليه، وولاه خلافته على الأمة وأقامه بعد موته مقامه في النظر عليه ولها، وجعله أميراً على جميع المؤمنين بعد وفاته . وهذا هو قولنا الذي ندين الله تعالى به. ونلقاه إن شاء الله تعالى ــــ عليه مقروناً منا بشهادة التوحيد.

وحجتنا الواضحة في ذلك إجماع الأمة حينئذ جميعاً على أن سموه خليفة رسول الله ، ولو كانوا أرادوا ذلك أنه خليفة على الصلاة، لكان أبو بكر مستحقاً لهذا الاسم في حياة النبي ، والأمة كلها مجمعة على أنه لم يستحق أبو بكر هذا الاسم في حياة النبي وأنه إنما استحقه بعد موت النبي ، إذ ولي خلافته على الحقيقة. وأيضاً: فلو كان المراد بتسميتهم إياه خليفة رسول الله على الصلاة، لا على الأمة لما كان بهذا الاسم في ذلك الوقت أولى من أبي زُهْم وابن أم مكتوم وعلي، فكل هؤلاء فقد استخلفه النبي على المدينة، ولا من عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، وقد استخلفه على مكة، ولا من عثمان بن أبي العاص الثقفي، فقد استخلفه على الطائف، ولا من خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس فقد استخلفه على صنعاء. فلما اتفقت الأمة كلها على أنه لا يسمى أحد ممن ذكرنا «خليفة رسول الله» لا في حياة النبي ولا بعد موته يسمى بذلك علي إذ ولي الخلافة، علمنا ضرورة أنه سمي أبو بكر «خليفة رسول الله » لأنه استخلفه على الخلافة التامة بعد موته في ولاية جميع أمور الأمة وهذا بين. وبالله تعالى التوفيق.

ومعنى «خليفة» فعيلة من «مخلوف» وهذا الهاء للمبالغة، كقولك «عقير وعقيرة» منقول عن معقورة، فهذا قول. والقول الثاني: أنه إنما قدمه المسلمون لأنه كان أفضلهم، وحكم الإمامة أن يكون في الأفضل. واحتجوا بامتناع الأنصار في أول الأمر، وبقول عمر : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، وإن لا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني، يعني النبي . قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه، بل بعضه عائد عليهم، لأن الأنصار لم يكونوا ليتركوا رأيهم، وهم أهل الدار والمنعة السابقة، الذين لم يبالوا بمخالفة أهل المشرق والمغرب، وحاربوا جميع العرب حتى أدخلوهم في الإسلام طوعاً وكرهاً، إلا لنص من النبي لا لرأي أضافهم النزاع إليهم من المهاجرين. وأما قول عمر فظن منه، وقد قال رضي الله عنه، إذ بشره ابن عباس عند موته بالجنة: «والله إن علمك بذلك يا ابن عباس لقليل» فخفي عليه شهادة النبي بالجنة، مع ما في القرآن من ذلك لأهل الحديبية، وهم منهم فهكذا خفي عليه نص النبي على أبي بكر، وهذا من عمر مضاف إلى ما قلنا آنفاً، ومضاف إلى قول يوم مات النبي . والله ما مات رسول الله، وإلى قوله يوم أراد رسول الله أن يكتب في مرضه الذي مات فيه. كما حدثنا حمام بن أحمد، ثنا عبد الله بن إبراهيم، ثنا أبو زيد المروزي، ثنا محمد بن يوسف، ثنا البخاري، ثنا يحيى بن سليمان الجعفي، ثنا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس قال: «لما اشتد برسول الله وجعه قال: ائتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعدي، فقال عمر: إن النبي غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وكثر اللغط، فقال: قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع. فخرج ابن عباس يقول: إن الرزية ما حال بين رسول الله وبين كتابه» .

وحدثناه عبد الله بن ربيع، ثنا محمد بن معاوية، ثنا أحمد بن شعيب، أنا محمد بن منصور، عن سفيان الثوري، سمعت سليمان ــــ هو الأحول ــــ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس/ فذكر الحديث وفيه: «إن قوماً قالوا عن النبي في ذلك اليوم، ما شأنه؟ هجر» . قال أبو محمد: هذه زلة العالم التي حذر منها الناس قديماً، وقد كان في سابق علم الله تعالى أن يكون بيننا الاختلاف، وتضل طائفة وتهتدي بهدى الله أخرى. فلذلك نطق عمر ومن وافقه بما نطقوا به، مما كان سبباً إلى حرمان الخير بالكتاب الذي لو كتبه لم يضل بعده، ولم يزل أمر هذا الحديث مهماً لنا وشجى في نفوسنا، وغصة نألم لها، وكنا على يقين من أن الله تعالى لا يدع الكتاب الذي أراد نبيه أن يكتبه، فلن يضل بعده دون بيان، ليحيا من حي عن بينة، إلى أن من الله تعالى بأن أوجدناه فانجلت الكربة، والله المحمود. وهو ما حدثناه عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم بن الحجاج، ثنا عبيد الله بن سعيد، ثنا يزيد بن هارون، ثنا إبراهيم بن سعد، ثنا صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله في مرضه: «ادْعِي لِي أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كَتَاباً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنَ وَيَقُولُ قَائِلٌ وَيَأْبَى الله وَالنَّبُيُّونَ إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ» . قال أبو محمد: هكذا في كتابي عن عبد الله بن يوسف، وفي أم أخرى، «وَيَأْبَى الله وَالمُؤْمِنُونَ» . وهكذا حدثناه عبد الله بن ربيع، ثنا محمد بن معاوية، ثنا أحمد بن شعيب، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي، ثنا يزيد بن هارون، ثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة عن النبي بمثله، وفيه: «إن ذلك كان في اليوم الذي بدىء فيه عليه السلام بوجعه الذي مات فيه» بأبي هو وأمي.

قال أبو محمد: فعلمنا أن الكتاب المراد يوم الخميس قبل موته بأربعة أيام، كما روينا عن ابن عباس يوم قال عمر ما ذكرنا، إنما كان في معنى الكتاب الذي أراد أن يكتبه في أول مرضه قبل يوم الخميس المذكور بسبع ليال. لأنه ابتدأه وجعه يوم الخميس في بيت ميمونة أم المؤمنين، وأراد يوم الاثنين، وكانت مدة علته اثني عشر يوماً، فصح أن ذلك الكتاب كان في استخلاف أبي بكر لئلا يقع ضلال في الأمة بعده ، فإن ذكر ذاكر معنى ما روي عن عائشة إذ سئلت من كان رسول الله مستخلفاً لو استخلف؟ فإنما معناه: لو كتب الكتاب في ذلك. قال أبو محمد: فهذا قول ثان، وقالت الزيدية: إنما استخلف أبو بكر استيلاناً للناس كلـهم، لأنه كان هنالك قوم ينافرون علياً، فرأى عليّ أن قطع الشغب أن يسلم الأمر إلى أبي بكر، وإن كان دونه في الفضل. قال أبو محمد: وأما أن يقول أحد من الأمة: إن أبا بكر إنما قدم قياساً على تقديمه إلى الصلاة فيأبى اللـه ذلك، وما قالـه أحد قط يومئذ، وإنما تشبث بهذا القول الساقط المتأخرون من أصحاب القياس، الذين لا يبالون بما نصروا به أقوالـهم، مع أنه أيضاً في القياس فاسد، لو كان القياس حقّاً، لما بينا قبل، ولأن الخلافة ليست علتها علة الصلاة، لأن الصلاة جائز أن يليها العربي والمولى والعبد، والذي لا يحسن سياسة الجيوش والأموال والأحكام والسير الفاضلة، وأما الخلافة فلا يجوز أن يتولاها، إلا قرشي صليبة، عالم بالسياسة ووجوهها. وإن لم يكن محكماً للقراءة. وإنما الصلاة تبع للإمامة، وليست الإمامة تبعاً للصلاة، فكيف يجوز عند أحد من أصحاب القياس أن تقاس الإمامة التي هي أصل، على الصلاة التي هي فرع من فروع الإمامة؟ هذا ما لا يجوز عند أحد من القائلين بالقياس.

وقد كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم أكابر المهاجرين، وفيهم عمرو وغيره أيام النبي ولم يكن ممن تجوز لـه الخلافة، فكان أحقهم بالصلاة، لأنه كان أقرأهم، وقد كان أبو ذر، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وابن مسعود أولى الناس بالصلاة إذا حضرت، إذا لم يكونوا بحضرة أمير أو صاحب منزل، لفضل أبي ذر وزهده وورعه وسابقته، وفضل سائر من ذكرنا وقراءتهم ولم يكونوا من أهل الخلافة، ولا كان أبو ذر من أهل الخلافة، ولا كان أبو ذر من أهل الولايات ولا من أهل الاضطلاع بها. وقد قال لـه رسول اللـه : «يَا أَبَا ذَرَ إِنِّي أُحِبُّ لَكَ ما أُحِبُّ لِنَفْسِي وَإِنَّكَ ضَعِيفٌ، فَلاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ» وقد أمر رسول اللـه خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأسامة بن زيد على من هو أفضل منهم وأقرأ، وأقدم هجرة وأفقه وأسن، وهذه هي شروط الاستحقاق للإمامة في الصلاة، وليست هذه شروط الإمارة. وإنما شروط الإمارة حسن السياسة، ونجدة النفس، والرفق في غير مهانة، والشدة في غير عنف، والعدل والجود بغير إسراف، وتمييز صفات الناس في أخلاقهم وسعة الصدر، مع البراءة من المعاصي، والمعرفة بما يخصه في نفسه في دينه، وإن لم يكن صاحب عبارة، ولا واسع العلم، ولو حضر عمرو وخالد وأسامة مع أبي ذر ــــ وهم غير أمراء ــــ ما ساغ لـهم أن يؤموا تلك الجماعة، ولا أن يتقدموا أبا ذر ولا أبيّ بن كعب. ولو حضروا في مواضع يحتاج فيها إلى السياسة في السلم والحرب لكان عمرو وخالد وأسامة أحق بذلك من أبي ذر وأُبيّ ولما كان لأبي ذر وأُبيّ من ذلك حق مع عمرو وخالد وأسامة. وبرهان ذلك استعمال رسول اللـه خالداً وأسامة وعمراً دون أبي ذر وأُبي، وأبو ذر وأُبي أفضل من عمرو وأسامة وخالد بدرج عظيمة جدّاً.

وقد حضر الصحابة يوم غزوة مؤتة فقتل الأمراء وأشرف المسلمون على الـهلكة، فما قام منهم أحد مقام خالد بن الوليد، كلـهم، إلا الأقل، أقدم إسلاماً وهجرة ونصراً، وهو حديث الإسلام يومئذ، فما ثبت أحد ثباته، وأخذ الراية ودبر الأمر، حتى انحاز بالناس أجمل انحياز، فليست الإمامة والخلافة من باب الصلاة في ورد ولا صدر، فبطل تمويههم بأن خلافة أبي بكر كانت قياساً على الصلاة أصلاً. فإن قالوا: لو كانت خلافة أبي بكر منصوصاً عليه من النبي ما اختلفوا فيها؟. قال أبو محمد: فيقال لـهم وباللـه تعالى التوفيق: هذا تمويه ضعيف لا يجوز إلا على جاهل بما اختلف فيه الناس، وهل اختلف الناس إلا في المنصوصات. واللـه العظيم ــــ قسماً برّاً ــــ ما اختلف اثنان قط فصاعداً في شيء من الدين إلا في منصوص بيّن في القرآن والسنة، فمن قائل: ليس عليه العمل، ومن قائل: هذا تلقى بخلاف ظاهره، ومن قائل: هذا خصوص، ومن قائل: هذا منسوخ. ومن قائل: هذا تأويل، وكل هذا منهم بلا دليل في أكثر دعواهم كاختلافهم في وجوب الوصية لمن لا يرث من الأقارب والإشهاد في البيع، وإيجاب الكتابة، وقسمة الخمس، وقسمة الصدقات وممن تؤخذ الجزية، والقراءات في الصلوات والتكبير فيها، والاعتدال، والنيات في الأعمال والصوم، ومقدار الزكاة وما يؤخذ فيها المتعة في الحج، والقرآن والفسخ، وسائر ما اختلف الناس فيه، وكل ذلك منصوص في القرآن والصحيح عن رسول اللـه . فعلى هذا وعلى النسيان للنص كان اختلاف من اختلف في خلافة أبي بكر. وأما الأنصار فإنهم لما ذكروا، وكان قبل ذلك قد نسوا، حتى قال قائلـهم: منا أمير ومنكم أمير، ودعا بعضهم إلى المداولة، وبرهان ما قلنا أن عبادة بن الصامت الأنصاري روى عن رسول اللـه : أن الأنصار بايعوه على ألا ينازعوا الأمر أهلـه، وأنس بن مالك الأنصاري روى عن رسول اللـه ، أن الأئمة من قريش. فبهذا ونحوه رجعت الأنصار عن رأيهم، ولا ذلك ما رجعوا إلى رأي غيرهم، ومعاذ اللـه أن يكون رأي المهاجرين أولى من رأي الأنصار، بل النظر والتدبير بينهم سواء، وكلـهم فاضل سابق.

وقد قال عمر يوم مات النبي : واللـه ما مات رسول اللـه، وهو يحفظ قول اللـه عز وجل: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } فلما ذكر بها خر مغشياً عليه، وهكذا عرض للأنصار. وقد روينا ذلك نصّاً. كما حدثنا عبد اللـه بن ربيع، نا عبد اللـه بن محمد بن عثمان الأسدي، نا أحمد بن خالد، نا علي بن عبد العزيز، نا الحجاج بن المنهال، نا أبو عوانة، عن داود بن عبد اللـه الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ــــ فذكر حديث وفاة رسول اللـه ــــ قال: فقال رجال أدركناهم ــــ فذكر باقي الحديث ــــ وفيه، أن أبا بكر قال: وقد علمت يا سعد أن رسول الله قال وأنت قاعد: «إِنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالنَّاسُ بِرِّهُمْ تَبَعُ لِبِرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعُ لِفَاجِرِهِمْ» قال: صدقت أو قال: نعم. قال أبو محمد: ومن أعاجيب أهل القياس: أنهم في هذا المكان يحتجون بأن إمامة أبي بكر كانت قياساً لا نصّاً، ثم نسوا أنفسهم ــــ أو تناسوا عمداً؟ فإذا أرادوا إثبات التقليد للمصاحب قالوا: قال رسول الله : «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» .

قال أبو محمد: وهذا اعجب ما شئت منه فإن كان هذا الحديث صحيحاً فقد صح النص من رسول الله على خلافة أبي بكر بعده، ثم على خلافة عمر بعد أبي بكر، وبطل قولهم: إن بيعة أبي بكر كانت قياساً على صلاته بالناس، وإن كان هذا الحديث لا يصح فَلِمَ احتجوا به في تقليد الإمام من الصحابة؟ أفيكون أقبح من هذه المناقضات بما يبطل بعضه بعضاً؟ ولكن إنما شأن القوم نصر المسألة التي يتكلمون فيها بما أمكن، من حق أو باطل أو ضحكة، أو بما يهدم عليهم سائر مذاهبهم، ليوهموا من بحضرتهم من المغرورين بهم أنهم غالبون فقط، فإذا تركوها وأخذوا في غيرها، لم يبالوا أن ينصروها أيضاً بما يبطل قولهم في المسألة التي تركوا، وهكذا أبداً ونعوذ بالله من الخذلان. واحتجوا بأن أبا بكر قاتل أهل الردة مع جميع الصحابة قياساً على منع الصلاة، واحتجوا في ذلك بما روي من قوله: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، حتى إن بعض أصحاب القياس قال: على هذا عوَّل أبو بكر، لا على الآية التي في براءة. قال أبو محمد: وهذا من الجرأة واستحلال الكذب، ونسب الضلال إلى أبي بكر بحيث لا مرمى وراءه، ومن نسب هذا إلى أبي بكر فقد نسب إليه الضلالة، وقد أعاذه الله من ذلك، وبيان كذبهم في هذا الاعتراض أوضح من كل واضح لأن أبا بكر لم يقل لأقاتلنهم لأنهم فرقوا بين الصلاة والزكاة وإنما قال: لأقاتلن المفرقين بين الصلاة والزكاة، وإنما فعل ذلك ــــ بلا شك ــــ وقوفاً عند إلزام الله تعالى لنا وللمسلمين قديماً وحديثاً إذ يقول تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فلم يبح الله تعالى لنا ترك سبيلهم إلا بإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، فهذا الذي حمل أبا بكر على قتالهم لا ما يدعونه من الكذب المفضوح من القياس الذي لا طريق له ههنا.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث

في دليل الخطاب (1) | في دليل الخطاب (2) | في دليل الخطاب (3) | في دليل الخطاب (4) | في دليل الخطاب (5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(1) | في إبطال القياس في أحكام الدين(2) | في إبطال القياس في أحكام الدين(3) | في إبطال القياس في أحكام الدين(4) | في إبطال القياس في أحكام الدين(5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(6) | في إبطال القياس في أحكام الدين(7) | في إبطال القياس في أحكام الدين(8) | في إبطال القياس في أحكام الدين(9) | في إبطال القياس في أحكام الدين(10) | في إبطال القياس في أحكام الدين(11) | في إبطال القياس في أحكام الدين(12) | في إبطال القياس في أحكام الدين(13) | في إبطال القياس في أحكام الدين(14) | في إبطال القياس في أحكام الدين(15) | في إبطال القياس في أحكام الدين(16) | في إبطال القياس في أحكام الدين(17)