انتقل إلى المحتوى

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث/الباب الثامن والثلاثون (4)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


قال أبو محمد: وهذا دليل على فساد عقل المحتج به في إثبات القياس وقلة حيائه ولا مزيد، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان، ونسأله التوفيق، ولا عرف إلا ما بيَّن الله تعالى نصّاً أنه عرف، وأما عرف الناس فيما بينهم فلا حكم له ولا معنى، وما عرف الناس مذ نشؤوا إلا الظلم والمكوس. واحتجوا أيضاً بأن قالوا: قال الله عز وجل: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } قالوا: فإذا جاء النص بجلد قاذف المحصنات، وأنتم تجلدون قاذف الرجال المحصنين كما تجلدون قاذف المحصنات من النساء، وهذا قياس. قال أبو محمد: وهذا ظن فاسد منهم، وحاشا لله أن يكون قياساً، ونحن نبدأ فنبين، بحول الله وقوته، من أين أوجبنا جلد قاذف الرجال من نص القرآن والسنة، فإذا ظهر البرهان على ذلك لائحاً، بحول الله وقوته، وأنه من النص عدنا إلى بيان أنه لا يجوز أن يكون قياساً، وأنه لو استعمل ههنا القياس لكان حكمه غير ما قالوا، وبالله تعالى التوفيق، فنقول وبالله تعالى نتأيد:

إن قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } عموم لا يجوز تخصيصاً إلا بنص أو إجماع، فممكن أن يريد الله تعالى النساء المحصنات كما قلتم، وممكن أن يريد الفروج المحصنات، وهذا غير منكر في اللغة التي بها نزل القرآن، وخاطبنا بها الله تعالى، قال الله عز وجل: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } يريد من السحاب المعصرات، فقلنا نحن: إنه أراد الفروج المحصنات، وقلتم أنتم: إنه أراد النساء المحصنات، فوجب علينا ترجيع دعوانا بالبرهان الواضح، فقلنا: إن الفروج أعم من النساء، لأن الاقتصار بمراد الله تعالى على النساء خاصة تخصيص لعموم اللفظ، وتخصيص العموم لا يجوز إلا بنص أو إجماع.

وأيضاً فإن الفروج هي المرمية لا غير ذلك من الرجال والنساء، برهان ذلك ما قاله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } وقال تعالى: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِـظَاتِ وَالذَّاكِـرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } وقال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } فصح أن الفرج هو المحصن وصاحبه هو المحصن له بنص القرآن.

حدثنا عبد الله بن يوسف، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب بن عيسى، نا أحمد بن محمد بن نا أحمد بن علي، نا مسلم بن الحجاج، نا إسحاق بن إبراهيم ــــ هو ابن راهويه ــــ أنا عبد الرزاق، ثنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما رأيت أن شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة: أن النبي قال: «إِنَّ الله كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَى أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَى العَيْنَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَى اللِّسَانِ النُّطْقُ، وَالنَّفْسُ تمنى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» .

وبه إلى مسلم: ثنا إسحاق بن منصور، أنا هشام المخزومي، هو ابن سلمة، ثنا وهيب بن خالد، ثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة/ عن النبي قال: «كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَى، مُدْرَكٌ لاَ مَحَالَةَ، فَالعَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُما الاسْتِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الكَلاَمُ، وَاليَدُ زِنَاهَا البَطْشُ، وَالرِّجُلُ زِنَاهَا الخُطَا، وَالقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ» . قال أبو محمد: فصح يقيناً أن المرمية هي الفروج خاصة، وأن المحصنة على الحقيقة هي الفروج إلا ما عداها، وصح أن الزنى الواجب فيه الحد هو زنى الفروج خاصة لا زنى سائر الأعضاء، ولا زنى النفس دون الفرج، فلا حد في النص كما أوردنا، في زنى العينين، ولا في الرّجلين، ولا في زنى اللسان، ولا في زنى الأذنين، ولا في زنى القلب الذي هو مبعث الأعمال، وصح أن من رمى العينين بالزنى أو رمى الرِّجلين بالزنى أو رمى القلب بالزنى، أو رمى الأذنين بالزنى، أو رمى اليدين بالزنى، أو رمى أي عضو كان بالزنى ما عدا الفرج ــــ فليس رامياً، ولا حد عليه بالنص، لأن الفرج إن كذب فهو كله لغو.

فصح يقيناً أن الرمي الذي يحد فيه الحدود ورد الشهادة والتفسيق، إنما رمي الفروج بلا شك، بيقين لا مرية فيه، فإذ ذلك كذلك فقد صح أن مراد الله تعالى بالحدود ورد الشهادة في الآية المتلوة، إنما هي رمي الفروج فقط، فصح قولنا بيقين لا مجال للشك فيه، وهذا إذ هو كذلك ففروج الرجال والنساء داخلات في الآية دخولاً مستوياً. ثم نسألهم فنقول لهم أخبرونا عن قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } إذ قلتم أنه تعالى أراد بهذه اللفظة ههنا النساء فقط، هل أراد الله أن يحد قاذف الرجل أم لا؟ ولا بد من إحداهما، فإن قالوا: لم يرد بقوله تعالى فقد حكموا على أنفسهم أنهم يحكمون بخلاف ما أراد الله تعالى، وكفونا أنفسهم.

وإن قالوا: إن الله تعالى أراد أن يحد قاذف الرجل، قلنا لهم: إن هذا عجب أن يكون تعالى يريد في دينه وعلمه من عباده أن يحد قاذف الرجل، ثم لا يأمرنا إلا بحد قاذف النساء فقط، حاشا لله من ذلك، فإنه تلبيس لا بيان، فإن قالوا: اقتصر على النساء ونبهنا بذلك على حكم قاذف الرجال قلنا له: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولم تأتوا بأكثر من الدعوى الكاذبة التي فيها خالفناكم، فإن كانت عندكم حجة من نص جلي على صحة هذه الدعوى، وإلا فهي كذب بحت، ولستم بصادقين فيها بنص القرآن، قالوا: الإجماع قد صح على وجوب حد قاذف الرجل. قلنا لهم: وأي دليل لكم في الإجماع؟ والإجماع لنا لا لكم لأن الإجماع إنما كان من هذا النص المذكور، فهاتوا دليلاً على أنه كان عن قياس، ولا سبيل لهم إلى دليل ذلك أصلاً، لا برهاني ولا إقناعي ولا شغبي، وظهر بطلان قولهم، والحمد لله رب العالمين. ثم نعود إلى إبطال أن يكون حد قاذف الرجل قياساً جملة ولا بد، فنقول وبالله تعالى نتأيد: إننا وجدنا أحكام الرجال والنساء تختلف في مواضع، فالرجال عليهم الجمعات والجماعات فرضاً، والنساء لا تلزمهن جمعة ولا جماعة فرضاً، وقد استووا في حكم سائر الصلاة والزكاة، والمرأة لا تسافر في غير واجب إلا مع زوج أو ذي محرم، والرجل يسافر حيث شاء دون زوجة، ودون ذي محرم، والخوف عليه من أن يزني كالخوف عليها من أن تزني ولا فرق، لأن زناها لا يكون إلا مع رجل، وحكمهن في اللباس مخالف لحكم الرجل.

فلا يجوز للرجل لباس القمص والعمائم والسراويل في الإحرام، وهذا مباح للنساء، واستووا في تحريم الطيب عليهم وعليهن في الإحرام، والرجال عليهم الصلاة مع الإمام بمزدلفة صلاة الصبح، ومباح للنساء السفر قبل ذلك فاستووا فيما عدا ذلك، والجهاد على الرجال، ولا جهاد على النساء، وشهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل، وخصومنا ههنا لا يقبلون النساء أصلاً إلا في الأموال مع رجل ولا بد، وفي عيوب النساء والولادات فقط.

ويقبلون الرجال فيما عدا ذلك، ولا يقيسون الرجال عليهن ولا يقيسوهن على الرجال، وليس هذا إجماعاً، ودية المرأة نصف دية الرجل، وكثير من الحاضرين من خصومنا ههنا يسوون بينهن وبين الرجال في مقدور محدود من الديات، ويفرقون بين أحكامهم وأحكامهن في سائر ذلك، ولا يقيسون النساء على الرجال، ولا الرجال على النساء، وحد المرأة كحد الرجل في القذف والخمر والزنى والقتل والقطع في السرقة، وفرق بين الحاضرين من خصومنا في التغريب في الزنى بين الرجال والنساء، وفرَّق آخرون منهم في حد الردّة، بين الرجال والنساء فرأوا قتل الرجل في الردة، ولم يروا قتل المرأة في الردة، وتركوا القياس ههنا، وللرجل أن ينكح أربعاً ويتسرى، ولا يحل للمرأة أن تنكح إلا واحداً ولا تتسرى، ولم يقيسوا عليهن، إلى كثير مثل هذا اكتفينا منه بهذا المقدار.

فلما وجدنا أحكام الرجال، وأحكام النساء تختلف كثيراً، وتتفق كثيراً، على حسب ورود النص في ذلك فقط، بطل أن يقاس حكم الرجال على النساء، إذا اقتصر النص عن ذكرهن، أو أن تقاس النساء على الرجال،: إذا اقتصر النص على ذكرهم. إذ ليس الجمع بين أحكامهن وأحكام الرجال حيث لم يأت النص بالتفريق قياساً على ما جاء النص فيه متساوياً بين أحكامهن وأحكامهم، أولى من التفريق بين أحكامهن وأحكام الرجال، حيث لم يأت النص بالجمع قياساً على ما جاء النص فيه مفرقاً بين أحكامهن وأحكامهم، وهذا في غاية الوضوح. والحقيقة بلا شك فيها، فلو كان القياس حقّاً لكان قياس قاذف الرجل في إيجاب الحد عليه على قاذف المرأة، باطلاً متيقناً لا يجوز الحكم به أصلاً فارتفع توهمهم جملة، والحمد لله رب العالمين. ومن أوضح برهان على أن حد قاذف الرجل ليس عن قياس على قاذف المرأة بالزنى أن بعد أمر الله بجلد قاذف المحصنات بسطر واحد فقط قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } الآيات... فلا خلاف بين أحد من الأمة أنه لا يقاس قاذفة زوجها أن تلاعن على قاذف زوجته أن يلاعن، فلو كان القياس حقّاً، لما كان قياس قاذف الرجل على قاذف المرأة أن يجلد الحد: أولى ولا أصح من قياس قاذف زوجته أن تلاعنه أيضاً، ولا يجد أحد فرق بين الأمرين أصلاً، فصح أن القياس باطل إذ لو كان حقاً لاستعمله الناس في الملاعنة، وصح أن جلد قاذف الرجل ليس عن قياس وأنه عن نص كما ذكرنا، وبالله التوفيق. واحتج بعضهم بقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } . قال أبو محمد: وجمجم هذا المحتج ولم يصرح على ههنا أشياء من القرآن مفتقرة إلى القياس. قال أبو محمد: وهذا كلام يسيء الظن بمعتقد، قائله، ولا قول أسوأ من قول من قال: إن الله تعالى شبه على عباده فيما أراد منهم، وفيما كلفهم، وإن رسول الله لم يبين تلك الأشياء وتركها مهملة، واحتاجوا فيها إلى قياسهم الفاسد.

وقد بينا الكلام في باب مفرد في ديواننا هذا، وأخبرنا أنه لا يحل لأحد أن يتبع متشابه القرآن، ولا أن يطلب معنى ذلك المتشابه، وليس إلا الإقرار به، وأنه من عند الله تعالى، كما قال عز وجل في آخر الآية المذكورة: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } وأخبر تعالى فيها فقال: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } فنص تعالى على أن من طلب تأويل المتشابه فهو زائغ القلب، مبتغي فتنة.

ونحن نبرأ إلى الله من هذه الصفة، فثبت بالنصوص، ضرورة، أن تأويل المتشابه، لا يعلمه أحد إلا الله عز وجل وحده فقط، لأن ابتغاء معرفته حرام، وما حرم ابتغاء معرفته فقد سد الباب دون معرفته ضرورة، إذ لا يوصل إلى شيء من العمل إلا بعد ابتغائه، فما حرم ابتغاؤه فلا سبيل إلى الوصول إليه، وهذا بيِّن لا خفاء فيه، وطرق المعارف معروفة محصورة، وهي: الحواس والعقل اللذان ركبهما الله في المتعبدين من الحيوان، وهم الملائكة والجن، ومن وضع من ذلك فيه شيء من الإنس، ثم ما أمر الله بتعرفه وتعرف حكمه فيه، مما جاء من عنده عز وجل، وهو القرآن والسنة فقط، وهذه كلها طرق أمرنا بسلوكها والاستدلال بها، وقد نهينا عن طلب معنى المتشابه، فصح أنه لا يوصل إلى معرفة معناه من جهة شيء من الحواس، ولا من المعقول ولا من القرآن ولا من السنة، فإذا كان الأمر كذلك فلا سبيل لمخلوق إلى معرفته إلا أن الذي صح في الآي المحكمات التي أمرنا الله بتدبرها وبتعلمها، وبطلب تأويلها والتفقه فيها.

فطاعة القرآن فيما أمر الله تعالى فيه ونهى، وطاعة الرسول في الذي أمر فيه ونهى وترك التعدي لهذه الحدود، وبطلان ما عداها، فبطل القياس ضرورة لأنه غير هذه الحقائق، والحمد لله رب العالمين. واحتجوا فقالوا: حرم الله تعالى لحم الخنزير فحرمتم شحمه والأنثى منه، وهذا قياس. قال أبو محمد: وهذا ظن فاسد منهم، ومعاذ الله أن نحرم شحم الخنزير وأنثاه بقياس، بل بالإجماع الصحيح وبالنص في القرآن، ولو كان الشحم كحكم اللحم لوجب، إذ حرم على بني إسرائيل الشحم، أن يحرم عليهم اللحم، فإذا لم يكن ذلك فقد صح أن الشحم لم يحرم من الخنزير قياساً على اللحم. ومن الطرائف أن المحتجين بهذا يقولون، أو أكثرهم، إن الشحم جنس غير اللحم ويجيزون رطل لحم برطلي شحم، حتى إن جمهورهم، وهم صحاب أبي حنيفة، يرون شحم الظهر غير شحم البطن، فيجيزون رطل شحم بطن برطلي شحم الأوز فأين هذيانهم، إنَّه إنما حرم شحم الخنزير قياساً على لحمه؟. والشافعيون والحنفيون والمالكيون يقولون: من حلف ألا يأكل شحماً فأكل لحماً فإنه لا يحنث، ولا خلاف بينهم أن من قال لآخر: ابتع لي بهذا الدرهم لحماً فابتاع له به شحماً فإنه ضامن. فبطل قياسهم البارد إن الشحم من الخنزير مقيس على لحمه، ولا خلاف بينهم أن العظم لا نسبة بينه وبين اللحم، ولا يجوز أن يقاس عليه، ونحن وهم مجمعون على أن من سحق عظم الخنزير فاستفه فقد عصى الله تعالى، فصح ضرورة أنه لم يحرم شحمه قياساً على لحمه، ولا أنثاه قياساً على ذكره، وبطل تمويههم والحمد لله. وإنما حرم شحم الخنزير وغضروفه ودماغه ومخه وعصبه، وعروقه وجلده وشعره وعظمه وعضله وسنه وظلفه، وملكه والأنثى منه ولبنها، بقول الله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } والضمير في لغة العرب راجع إلى أقرب مذكور.

وقد أفردنا لذلك باباً في كتابنا هذا وأقرب مذكور إلى الضمير الذي في {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } هو الخنزير لا اللحم، فالخنزير كله بالنص رجس والرجس كله خبيث محرم بقول الله تعالى: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } فرجع الضمير في قوله تعالى: إلى الرجس، لأنه تعالى لو أراد الأربعة المذكورة في أول الآية لقال: فاجتنبوها، فلما لم يقل تعالى ذلك، ولم يجز أن يكون الضمير راجعاً في قوله تعالى: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } إلى الشيطان. لأننا غير قادرين على اجتنابه، صح ضرورة أنه راجع إلى الرجس وعمل الشيطان، فكان الرجس كله محرماً، وهو من عمل الشيطان محرم مأمور باجتنابه، فكل ما كان رجساً فهو باجتنابه، والخنزير رجس فكله محرم مأمور باجتنابه، وكذلك الخمر والميسر والأنصاب، والأزلام، وكل رجس بالنص المذكور، وبالله تعالى التوفيق. وإنما قلنا هذا حسماً للأقوال، وإنما فالضمير راجع إلى عمل الشيطان، والرجس، بنص الآية، من عمل الشيطان، فهو مأمور باجتنابه بيقين، والخنزير رجس بنص القرآن، والخنزير كله حرام، والخنزير في لغة العرب، التي بها خوطبنا، اسم للجنس يقع تحته الذكر والأنثى والصغير والكبير، فبطل ما ظنوا أن تحريم الشحم إنما هو جهة القياس، وبالله تعالى التوفيق. ثم نقول لهم: أخبرونا عن قول الله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ماذا أراد به عندكم؟ اللحم وحده دون الشحم؟ فإن قلتم ذلك فقد أباح الشحم على قولكم، وهذا خلاف الإسلام، وخلاف قولكم، أم أراد به الشحم واللحم والعظم واللبن؟ فهذا باطل، لأن كل ذلك يقع عليه عند أحد اسم لحم، فقد حصل قولكم بين كذب وكفر، لا بد من إحداهما، فإن قالوا: حرم اللحم ودل بذلك على الشحم قلنا: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وفي هذا خالفناكم وكذبنا دعواكم، فحصلوا في ضلال محض.

واحتج بعضهم بأن قال: يلزمكم ألا تبيحوا قتل الكفار إلا بضرب الرقاب فقط، لقول الله تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } . قال أبو محمد: والجواب بأن الله تعالى إنما قال هذا في المتمكن منهم من الكفار، وهذا فرض بلا شك، ولا يحل خلافه، فمن أراد الإمام قتله من الأسارى لم يحل قتله إلا بضرب الرقبة خاصة، لا بالتوسيط ولا بالرماح ولا بالنبل ولا بالحجارة ولا بالخنق ولا بالسم ولا بقطع الأعضاء.

وأما من لا يتمكن منه فقد قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } وقال تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } فقتل هؤلاء واجب كيف ما أمكن بالنص المذكور، وهذا لا نعلم فيه خلافاً، وهو ظاهر الآيات المذكورات ويبين أن المراد بالآية التي فيها ضرب رقاب الأسرى فقط قوله تعالى في تلك الآية بعينها: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } فاستثنى الأسرى من جملة قوله تعالى: { وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} و: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .

وقال بعضهم أيضاً: يلزمكم ألا تجيزوا أن يبدأ في غسل الذراعين في الوضوء إلا من الأنامل، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . قال أبو محمد: وهذا خطأ وقول فاسد، لأن الله تعالى لم ينص على أن يبدأ في ذلك من مكان من اليدين بعينه، وإنما جعل عز وجل المرافق نهاية موضع الغسل لا نهاية عمل الغسل، فكيف ما غسل الغاسل ما بين أطراف الأنامل إلى نهاية المرافق فقد فعل ما أمر به في النص ولا مزيد. واحتج بعضهم بقول الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } قالوا: وإنما قال ذلك تعالى في الطلاق والرجعة، يعني اشتراط العدالة، واشترط تعالى الرضا في الرجل والمرأتين في الديون فقط، فكان ذلك في سائر الأحكام قياساً على الطلاق والرجعة.

قال أبو محمد: وهذا الاحتجاج من غريب نوادرهم فأول ذلك أن المحتج بهذا إن كان مالكيّاً فقد نسي نفسه في إباحتهم شهادة الطبيب الفاسق، وفي شهادة الصبيان في الدماء والجراحات خاصة، وهم غير موصوفين بعدالة، ولم يقس على ذلك الصبايا ولا تحريق الثياب. وإن كان حنفيّاً فقد نسي نفسه في قبول شهادة الكفار بعضهم على بعض، ونقضهم كلهم هذا الأصل في رد شهادة العبيد العدول والأقارب العدول، وأما نحن فلم نأخذ قبول شهادة العدول فيما عدا الطلاق والرجعة والديون قياساً على ذلك، ونعوذ بالله من هذا، وإنما لزم قبول العدول في كل موضع حاشا ما استثناه النص من قبول شهادة الكفار في الوصية في السفر فقط، في قول الله تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } فنهانا الله تعالى عن قبول الفاسق، ليس في البالغين العقلاء، وإلا فاسق أو عدل، فوجب علينا التبين في كل شاهد، وكل مخبر حتى نعلم أفاسق هو فلا نعمل بخبره ولا بشهادته إذا أنبأنا بها، أو نعلم أهو عدل؟ فنعمل بخبره وشهادته فبطل ظن هذا الجاهل.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث

في دليل الخطاب (1) | في دليل الخطاب (2) | في دليل الخطاب (3) | في دليل الخطاب (4) | في دليل الخطاب (5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(1) | في إبطال القياس في أحكام الدين(2) | في إبطال القياس في أحكام الدين(3) | في إبطال القياس في أحكام الدين(4) | في إبطال القياس في أحكام الدين(5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(6) | في إبطال القياس في أحكام الدين(7) | في إبطال القياس في أحكام الدين(8) | في إبطال القياس في أحكام الدين(9) | في إبطال القياس في أحكام الدين(10) | في إبطال القياس في أحكام الدين(11) | في إبطال القياس في أحكام الدين(12) | في إبطال القياس في أحكام الدين(13) | في إبطال القياس في أحكام الدين(14) | في إبطال القياس في أحكام الدين(15) | في إبطال القياس في أحكام الدين(16) | في إبطال القياس في أحكام الدين(17)