ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث/الباب الثامن والثلاثون (14)
حدثنا عبد الله بن ربيع بن محمد بن عثمان، نا أحمد بن خالد، نا علي بن عبد العزيز، نا الحجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة، أنا أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن زيد بن عميرة، عن معاذ بن جبل قال: تكون فتن يكثر فيها الملل، ويفتح فيها القرآن حتى يقرؤه الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والمؤمن والمنافق، فيقرؤه الرجل فلا يتبع، فيقول: والله لأقرأنه علانية، فيقرؤه علانية فلا يتبع فيتخذ مسجداً، ويبتدع كلاماً ليس من كتاب الله ولا من سنة رسوله فإياكم وإياه، فإنها بدعة ضلالة، قالها ثلاث مرات.
فهؤلاء عمر وابن عمر، وابن مسعود وأبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وسمرة بن جندب، وابن عباس والبراء بن عازب، وعبد الله بن أبي أوفى ومعاوية، كلهم يبطل القياس، وما ليس موجوداً في القرآن، ولا في السنة عن رسول الله ، وهذه صفة الرأي والقياس والتعليل، وقد قدمنا أنه لا يصح خلاف هذا عن أحد من الصحابة بوجه من الوجوه، وبالله تعالى التوفيق.
وأما التابعون ومن بعدهم، فحدثنا يونس بن عبد الله القاضي، نا يحيى بن مالك بن عائذ، نا هشام بن محمد بن قرة المعروف بابن أبي حنيفة، نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، نا ابن غليب، حدثني عمران بن أبي عمران، ثنا يحيى بن سليمان الطائفي، حدثني داود بن أبي هند قال: سمعت محمد ين سيرين يقول: القياس شؤم، وأول من قاس إبليس فهلك، وإنما عبدت الشمس والقمر بالقياس.
حدثنا المهلب، نا ابن مناس، نا محمد بن مسرور القيرواني، نا يونس بن عبد الأعلى، نا ابن وهب قال: أخبرني مسلمة بن عليّ أن شريحاً الكندي، هو القاضي، قال: إن السنة سبقت قياسكم.
كتب إليّ النمري قال: قال أبو ذر الهروي: نا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني بالري، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم، نا محمد بن إسماعيل الأحمسي، نا وهب بن إسماعيل، عن داود الأودي قال: قال لي الشعبي: احفظ عني ثلاثاً لهما شأن: إذا سُئِلت عن مسألة فأجبت فيها فلا تتبع مسألتك: «أرأيت» فإن الله تعالى قال في كتابه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } حتى فرغ من الآية. والثانية: إذا سُئِلت عن مسألة فلا تقس شيئاً بشيء، فربما حرمت حلالاً أو حللت حراماً. والثالثة: إذا سُئِلت عما لا تعلم فقل لا أعلم، وأنا شريكك. كتب إليّ يوسف بن عبد الله: نا خلف بن قاسم، نا ابن شعبان، نا محمد بن محمد، نا أبو همام، نا الأشجعي، عن جابر، عن الشعبي، عن مسروق قال: لا أقيس شيئاً بشيء. قلت: لم؟ قال: أخاف أن تزل رجلي.
كتب إليّ النمري: نا عبد الرحمن بن يحيى بن محمد العطار، نا علي بن محمد بن مسرور، حدثنا أحمد، نا سحنون، نا ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب، عن عيسى بن أبي عيسى، عن الشعبي أنه سمعه يقول: إياكم والمقايسة، فوالذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة لتحلّن الحرام، ولتحرمنَّ الحلال، ولكن ما بلغكم عن أصحاب رسول الله فاحفظوه. حدثنا يونس بن عبد الله القاضي، نا يحيى بن مالك بن عائذ، نا أبو عبد الله ابن أبي حنيفة، نا أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، نا يوسف بن يزيد القراطيسي، نا سعيد بن منصور، نا جرير بن عبد الحميد، عن المغيرة بن مقسم، عن الشعبي قال: السنَّة لم توضع بالمقاييس. وحدثنا أيضاً أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي، نا محمد بن أحمد بن يحيى، نا ابن مفرج، نا إبراهيم بن أحمد بن فراس العبقسي، نا محمد بن علي بن زيد الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، نا جرير ــــ هو عبد الحميد ــــ عن المغيرة، عن الشعبي قال: السنَّة لم توضع بالمقاييس. حدثنا يونس بن عبد الله القاضي، نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن العنان ــــ ثقة ــــ نا أحمد بن خالد، نا أحمد بن عبد السلام الخشني محمد بن بشار، نا يحيى بن سعيد القطان نا صالح بن مسلم قال: قال لي عامر الشعبي يوماً وهو آخذ بيدي: إنما هلكتم حين تركتم الآثار، وأخذتم بالمقاييس، لقد بغض إليّ هذا المسجد ــــ فلهو أبغض إليّ من كناسة داري، هؤلاء الصفافقة.
كتب إلي النمري: نا محمد بن خليفة ــــ شيخ فاضل جدّاً واسع الرواية ــــ ثنا محمد بن الحسين الآجري، ثنا أحمد بن سهل الأشناني، نا الحسين بن علي بن الأسود، نا يحيى بن آدم، نا المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } قال: كتاب الله تعالى وإلى سنة رسول الله . كتب إليَّ النمري: أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، ثنا ابن وضاح، ثنا موسى بن معاوية، ثنا وكيع، ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } قال: إلى الله، إلى كتاب الله تعالى، وإلى الرسول ما دام حيّاً، فإذا قبض قال: سنَّته.
حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث، نا محمد بن الحسن الزبيدي، نا أحمد ــــ هو ابن سعيد بن حزم الصدفي ــــ نا أحمد ــــ هو ابن خالد ــــ نا مروان ــــ هو ابن عبد الملك النجار ــــ نا العباس بن الفرج الرياشي، عن الأصمعي: أنه قيل له: إن الخليل بن أحمد يبطل القياس، فقال الأصمعي: أخذ هذا عن إياس بن معاوية. حدثني أبو العباس العذري، نا الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس، أنا عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، نا عليّ بن عبد العزيز، نا أبو الوليد القرضي، نا محمد بن عبد الله بن بكار القرشي، نا سليمان بن جعفر، نا محمد بن يحيى الربعي، عن ابن شبرمة، أن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن قال لأبي حنيفة: اتق الله ولا تقس، فإنا نقف غداً نحن ومن خالفنا بين يدي الله تعالى، فنقول، قال رسول الله ، قال الله تبارك وتعالى، وتقول أنت وأصحابك: سمعنا ورأينا، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء. حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، نا أحمد بن عبد البصير، نا قاسم بن أصبغ، ثنا ابن عبد السلام الخشني، نا محمد بن المثنى، نا عبد الرحمن بن مهدي، نا سفيان الثوري، عن هارون بن إبراهيم البربري قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبي: الله لا يدع شيئاً أن يبينه أن يكون نسبه، فما قال الله عز وجل فهو كما قال الله، وما قال رسول الله فهو كما قال رسول الله ، وما لم يقل الله ورسوله فبعفو الله ورحمته فلا تبحثوا عنه.
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس، نا علي بن الحسن بن فهر، ثنا محمد بن علي، نا محمد بن عبد الله الحفاظ إجازة، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنا وهب، سمعت مالك بن أنس يقول: ألزم ما قاله رسول الله في حجة الوداع: «أَمْرَانِ تَركْتُهُمَا فِيكُمْ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابُ الله تَعَالَى وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ » . حدثنا أحمد بن عمر، نا علي بن الحسن بن فهر، أنا الحسن بن علي بن شعبان، وأبو حفص عمر بن محمد بن عراك نا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي، نا عليّ بن عبد العزيز: نا الزبير بن بكار قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سألت مالك بن أنس عن رجل أحرم من المدينة، أو من وراء الميقات؟ فقال مالك: هذا رجل مخالف لله تعالى ولرسوله أخشى عليه الفتنة في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة، أما سمعت قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ثم ذكر حديث المواقيت.
حدثنا عبد الرحمن بن سلمة، نا أحمد بن خليل، نا خالد بن سعد، نا أحمد بن خالد، نا يحيى بن عمر، نا الحارث بن مسكين، أنا ابن وهب قال: قال لي مالك: كان رسول اللـه ــــ إمام المرسلين وسيد المرسلين ــــ يسأل عن الشيء فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء. قال أبو محمد: فإذا كان رسول اللـه لا يجيب إلا بالوحي وإلا لم يجب، فمن الجرأة العظيمة إجابة من أجاب في الدين برأي أو قياس، أو استحسان أو احتياط أو تقليد، إلا بالوحي وحده، وباللـه تعالى التوفيق. حدثنا أحمد بن عمر بن أنس، نا أحمد بن عيسى غندر، نا خلف القاسم، نا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد اللـه بن عمر بن راشد البجلي، حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر، نا يزيد بن عبد ربه قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول ليحيى بن صالح الوحاظي: يا أبا زكريا احذر الرأي فإني سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم. حدثنا القاضي حمام بن أحمد، نا عبد اللـه بن علي الباجي اللخمي، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري، ثنا محمد بن يوسف الحذافي، ثنا عبد الرزاق قال: قال لي حماد بن أبي حنيفة قال: أخبرني أبي: من لم يدع القياس في مجلس القضاء لم يفقه. قال أبو محمد: فهذا أبو حنيفة يقول: إنه لا يفقه من لم يترك القياس في مواضع الحاجة إلى تصريف الفقه، وهو مجلس القضاء، فتبّاً لكل شيء لا يفقه المرء إلا بتركه، وقد ذكرنا أيضاً قول مالك آنفاً في إبطال القياس؛ فإن وجد لـهذين الرجلين بعد هذا القول منهما قياس، فهو اختلاف من قولـهما، وواجب عرض القولين على القرآن والسنة، فلأيهما شهد النص أخذ به، والنص شاهد لقول من أبطل القياس على ما قدمنا، لا سيما وهذان الرجلان لم يعرفا قط القياس الذي ينصره أصحاب القياس، ومن استخراج العلل، ولكن قياسهما كان بمعنى الرأي الذي لم يقطعا على صحته، وكذا صدر الطحاوي في اختلاف العلماء بأن أبا حنيفة قال: علمنا هذا رأي، فمن أتانا بخير منه أخذناه، أو نحو هذا القول. والمتحققون بالقياس لا يقرون بهذا ولا يرضوه، ولا يقولون به، وهكذا جميع أهل عصرها، وباللـه تعالى التوفيق. ولا معنى لفشو القول بالقياس وغلبته على أكثر الناس، فهذا برهان بطلانه وفساده، وقد أنذر رسول اللـه بغلبة الباطل وظهوره، وخفاء الحق ودثوره. كما حدثنا عبد اللـه بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا أحمد بن محمد الفقيه الأشقر، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم بن الحجاج، ثنا محمد بن عياد، وابن أبي عمر جميعاً، عن مروان الفزاري، عن يزيد ــــ يعني بن كيسان ــــ عن أبي حازم/ عن أبي هريرة قال: قال رسول اللـه : «بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» .
وقال مسلم: ثنا محمد بن رافع، والفضل بن سهيل الأعرج قال: ثنا شبابة بن سوار، ثنا عاصم ــــ هو ابن محمد العمري ــــ عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي قال: «إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يأزِرُ بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ تَأَرُّزَ الحَيَّةِ إِلَى حِجْرِهَا» .
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، ثنا ابن أبي دليم، ووهب بن مسرة، حدثنا ابن وضاح، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا حفص عن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود/ قال رسول الله : «إِنَّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» ، قيل: ومن الغرباء؟ قال: «نزاعُ القَبَائِلِ» . قال أبو محمد: وأما الإجماع فقد بيناه على ترك القياس من وجوه كثيرة، وهي إجماع الأمة كلها على وجوب الأخذ بالقرآن، وبما صح عن رسول الله وبما أجمعت الأمة كلها على وجوبه أو تحريمه من الشرائع، وأجمعت على أنه ليس لأحد أن يحدث شريعة من غير نص أو إجماع، وأجمعت على تصديق قول الله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } وعلى قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } وهذا إجماع على ترك القياس، وأن لا حجة لأحد إليه حتى نقص من نقص بالغفلة المركبة في البشرية في التفصيل، والخطأ لم يعصم منه أحد بعد النبيين صلى الله عليهم وسلم، فإنما يوجد القياس ممن وجد منه على سبيل الخطأ والغفلة عن الواجب عليه؛ هي زلات علماء، كمن قال بالتقليد وما أشبه ذلك.
وأيضاً فقد قلنا وبيَّنا أنه لم يصح قط عن أحد من الصحابة القول بالقياس، يعني باسمه وباليقين، فإنه يتكلم قط أحد منهم بلا شك ولا من التابعين بلا شك باستخراج علة يكون القياس عليها، ولا بأن القياس لا يصح إلا على جامعة بين الحكمين، فهذا أمر مجمع عليه، ولا شك فيه البتة، إلا عند من أراد أن يطمس عين الشمس، وهذا أمر إنما ظهر في القرن الرابع فقط مع ظهور التقليد، وإنما ظهر القياس في التابعين على سبيل الرأي والاحتياط والظن، لا على إيجاب حكم به، ولا أنه حق مقطوع به، ولا كانوا يبيحون كتابه عنهم. وأيضاً فقد وجدنا مسائل كثيرة جدّاً اتفقوا هم فيها، ونحن وجميع المسلمين على خلاف جميع وجوه القياس، وعلى ترك القياس كله فيها، ومسائل كثيرة جاء النص بخلاف القياس كله فيها، ولم نجد قط مسألة جاء النص بالأمر بالقياس فيها، ولا مسألة اتفق الناس على الحكم فيها قياساً، فلو كان القياس حقّاً لما جاز الإجماع على تركه في شيء من المسائل، ولا جاء النص بخلافه البتة، فالإجماع لا يجوز على ترك الحق، ولا يأتي النص بخلاف الحق، وهذا إجماع صحيح على ترك القياس، وسنبين طرفاً من المسائل التي ذكرنا. ولعل قياس الورع يعارض هذا القول بأن يقول: قد جاء الإجماع على ترك بعض النصوص. فليعلم الناس أن من قال ذلك كاذب آفك، وما جاء قط نص صحيح بخلاف نص صحيح السند متصل، وهو الحق عندنا لا ما عداه، وما جاء قط نص صحيح بخلاف الإجماع، فإن قال سوفسطائي: فقد جاء نص بخلاف نص قلنا، نعم؛ ينسخ له وهو نص على كل حال، ولم نذكر لكم قياساً خلاف قياساً، وإنما قلنا بأنه قد وجد إجماع على ترك جميع وجوه القياس، وورود نص مخالف لجميع وجوه القياس، وهكذا هي جميع الشرائع، ككون الظهر أربعاً والصبح ركعتين، والمغرب ثلاثاً، وكصوم رمضان دون شعبان، وكالحدث من أسفل، فيغسل له الأنواع، وكأنواع الزكاة وسائر الشرائع كلها، وليس أحد من القائلين بالقياس إلا وقد تركه في أكثر مسائله وسنبين من هذا إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب طرفاً يدل على المراد. وأما من براهين العقول فإنه يقال لهم: أخبرونا، أو شيء هو القياس الذي تحكمون به في دين الله تعالى؟.
فإن قالوا: لا ندري، أو تلجلجوا، فلم يأتوا فيه بحد حاصر: أقروا بأنهم قائلون بما لا يدرون، ومن قال بما لا يدري فهو قائل بالباطل وعاص لله عز وجل إذ يقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } مع الرضا لنفسه بهذه الصفة الخسيسة التي لا تكون إلا في النوكي، وإن قالوا: حكم جامع بين شيئين بعلة يستخرجه، أو قالوا بكثرة التشابه، كانوا قائلين بما لا دليل على صحته، وبما لم يقل به قط صاحب ولا تابع، وإن قالوا: بما يقع في النفس كانوا شارعين بالظن، وفي هذا ما فيه. وقد أقروا كلهم، بلا خلاف منهم، أنه جائز أن توجد الشريعة كلها أولها عن آخرها نصّاً، وأقروا كلهم، بلا خلاف من أحد منهم، أنه لا يجوز أن توجد الشريعة كلها قياساً البتة، ومن البراهين الضرورية عند كل ذي حس وعقل أن ما لزم الكل لزم البعض، فالشرائع كلها لا يمكن البتة، ولا يجوز أن توجد قياساً من أحد، فبعضها لا يجوز أن يوجد قياساً، وليس هذا قياساً، ولكنه برهان ضروري كقول القائل: إن كان الناس كلهم أحياء ناطقين فكل واحد منهم حي ناطق، ولا يموِّه مموِّه فيقول: بعض الناس أعور وليس كلهم أعور، فليس هذا مما ألزمناهم في صفة لكن كل الناس ممكن أن يوجدوا عوراً وليس ذلك بممتنع في البقية. وأما أخذ الشرائع كلها قياساً فممتنع في البتة إذ لا بد عندهم من نص يقاس عليه، ولا هذا أيضاً من قول القائل: لا يجوز أن يكذب الناس كلهم، وجائز أن يكذب بعضهم، بل كل أحد على حدته، فالكذب عليه ممكن، وليس كل شريعة على حدتها جائز أن توجد قياساً، وهذا بيان يوضح كل ما أرادوا أن يموِّهوا به في هذا المكان، وبرهان آخر وهو أنه يقال لأصحاب القياس: إذا قلتم لما حرم الله تعالى القطع في أقل من ثلاثة دراهم أو عشرة دراهم حرم أن يكون الصداق أقل من ثلاثة دراهم.
ولما وجبت الكفارة على الوطء عمداً في نهار رمضان، وجبت على الأكل عمداً في نهار رمضان، ولما حرم حلق الشعر في الرأس بغير ضرورة في الإحرام، حرم حلق العانة في الإحرام كما حرم مُدّ بُرِّ بِمُدَّيْ بُرٍّ نقداً، حرم مُدّ شعير بمدّ سلت نقداً، وقال آخرون منكم: لا، ولكن حرم رطل حديد برطل حديد نقداً. وقال آخرون: لا، ولكن حرم أصل كرنب بأصل كرنب نقداً، ولما أبيح اتخاذ كلب الصيد والغنم بعد تحريمه أبيح ثمنه بعد تحريمه.
ولما أبيح الثلث في الوصية للموصي أبيح بيع الثمر قبل صلاحه إذا كان أقل من ثلث كرام الدار وسائر ما أوجبتموه قياساً، وحرمتموه قياساً، وأبحتموه من هذا الموجب لهذا كله؟ ومن هو المحرم لهذا كله؟ إذ لا بد لكل فعل من فاعل، ولكل تحريم من محرم، ولكل إيجاب من موجب، ولكل إباحة من مبيح. فإن قالوا: الله تعالى ورسوله أباحا ذلك وحرماه وأوجباه كذبوا على الله تعالى وعلى رسوله ، وجاهروا بالفرية عليهما، وهم لا يقدمون على أن ينسبوا ما حكموا فيه بقياسهم إلى الله تعالى ورسوله مع أنه إن أقدم منهم قليل الدين على أكذبه سائرهم، لأنه إنما سألناهم عن مسائل يخالف فيها بعضهم بعضاً، ووقع حينئذ بأسهم بينهم، وكفونا مؤنتهم، فلم يبق بالضرورة إلا أن يحيلوا في التحريم والإيجاب والإباحة على أنفسهم، أو على أحد دون الله تعالى، ودون رسوله ، وهذا كما تراه بلا مؤنة ولا تكلف تأويل، إقرار بإحداث دين وشريعة لم يأت بها الرسول ولا أذن بها الله تعالى.
فإن سألونا عن مثل هذا فيما أوجبناه أو حرمناه أو أبحناه بخبر الواحد العدل المسند؟ فلسنا نقنع بأن نقول لهم: إن هذا السؤال لازم لكم كلزومه لنا لأننا لا نتكثر بهم، ولا نبالي وافقونا في ذلك، أو خالفونا لكن نقول وبالله تعالى التوفيق: إن الله تعالى حرم وأوجب وأباح كل ما صح به الخبر عن رسول الله لا شك في ذلك كما نقول فيما أمر الله تعالى به من قبول شهادة العدول في الأحكام وبالله تعالى التوفيق. ويقال لهم أيضاً: أخبرونا أكل قياس قاسه قائس من أصحاب القياس حق وصواب؟ أم من القياس خطأ وصواب؟ ولا بد من أحد الوجهين، فإن قالوا: كل قياس في الأرض فهو صواب، تركوا مذهبهم وأوجبوا المحال، وكون الشيء حراماً حلالاً فرضاً مباحاً على إنسان واحد في وقت واحد، وإن قالوا: من القياس خطأ ومنه صواب، قلنا لهم: بأي شيء تعرفون الحق من الباطل في القياس؟ فإن تلجلجوا وقالوا: لا نأتي بذلك إلا في كل مسألة. قلنا: هذا لو إذ عما لزمكم مما لا سبيل لكم إلى وجوده، كمن قاس أن يقبل امرأتان حيث تجوز عنده شهادة النساء مفردات على قبول رجلين، حيث يقبل الرجال، وكمن قاس وجود أربع في ذلك على تعويش امرأتين بدل رجل، حيث يقبل النساء مع الرجل، وقلما تخلو لهم مسألة من مثل هذا. فإذا بطل وجود برهان يصحح الصحيح من القياس ويبطل الباطل منه فقد صح أن ما لا سبيل إلى الفرق بين باطله وبين ما يدعي قوم أنه منه حق، فهو باطل كله. فإن قالوا لنا: فكل الأخبار عندكم حق أو فيها باطل وحق. قلنا: بل كل ما اتصل برواية الثقات إلى النبي حق لا يحل تركه إلا بيقين نسخ أو بيقين تخصيص. ولا نسخ في القياس أصلاً.
فصل في وضوح الطريقة على فساد القياس
قال أبو محمد: ونحن نرتب إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا به، طريقة لا يتعدى بها على أحد من أهل الحق إفساد كل قياس يعارض به أحد من أصحاب القياس، أو يحتج منهم، وذلك أنه إذا احتج محتج ممن يقول بالقياس بأن هذه المسألة تشبه مسألة كذا، فواجب أن نحكم لها بمثل حكمها، فليطلب من يعارضه من أصحابنا صفة في المسألة التي شبهها خصمه بالمسألة الأخرى، مما يشبه فيه مسألة ثالثة، ثم يلزمه أن يحكم لها أيضاً بمثل ذلك الحكم، وهذا أمر موجود في جميع مسائلهم أولها عن آخرها، وهذا وجه يفسد مسائلهم في القياس، وسنذكر من هذا طرفاً كافياً في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى، ونذكر ههنا مسألة واحدة تدل على المراد إن شاء الله تعالى، وبالله تعالى التوفيق: قالوا: لا يكون صداق إلا ما تقطع فيه اليد، لأنه عضو يستباح كعضو يستباح فيقال لهم: وهلا قسمتموه على استباحة الظهر في جرعة خمر لا تساوي فلساً؟ فهو أيضاً عضو يستباح، فما الذي جعل قياس الفرج على اليد أولى من قياسه على الظهر؟ وهو إلى الظهر أقرب منه إلى اليد، وليس يقطع الفرج كما لا يقطع الظهر؟. وأما تعليلهم في الربا، فكل طائفة منهم قد كفتنا الأخرى، إذ كل واحد منهم يبطل علة صاحبه التي قاس عليها، وهكذا في كل ما قاسوا فيه وبالله تعالى التوفيق. وقال بعضهم: إنما نقيس في النصين المتعارضين فننظر أشبههما بما اتفق عليه في النصوص فنأخذ به. قال أبو محمد: وهذا أمر قد تقدم إفسادنا له في باب الكلام في الأخبار وأحكمناه وبالله تعالى التوفيق. ولكننا نذكر ههنا من بعض قولهم ما لا غنى بهذا المكان عنه: وهو أنا نقول، هذا عمل فاسد، ولا مدخل للقياس ههنا، لأن كل حديثين تعارضا، أو آيتين تعارضتا، أو كل حديث عارض آية، فليس أحد هذين النصين أولى بالطاعة من الآخر، ولا الذي يردون إليه حكم هذين النصين أولى بالطاعة له من كل واحد من هذين، وكل من عند الله تعالى، ولا يقوي النص إجماع الناس عليه، ولا يضعفه، اختلاف الناس فيه فقد أجمع على بعض الأخبار واختلف في آيات كثيرة. والنص إذا صح فالأخذ به واجب ولا يضره من خالفه، فسقط ما أرادوا في ذلك من رد النصين المتعارضين إلى نص ثالث، ووجب استعمال كل ذلك ما دام يمكن، فإن لم يمكن أخذ بالزائد لأنه شرح متيقن رافع لما قبله، ولم نتيقن أنه رفعه غيره. مع أنهم لم يفعلوا ما ذكروا بل جاء: «لاَ قَطْعَ إِلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِداً» وجاء: «لُعِنَ السَّارِقُ يَسْرقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرقُ الجَمَلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» فلم يردوهما إلى الآية المتفق على ورودها من الله تعالى وهي: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } بل غلبوا: «لاَ قَطْعَ إَلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ» وهو نص مختلف في الأخذ به، على الآية وعلى الحديث الآخر، ثم تناقضوا في حديث: «لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلاَ الرَّضْعَتَانِ» ، فتركوه وأخذوا بظاهر الآية، وهذا خلاف ما فعلوا في آية القطع وكلا الحديثين صحيح وكلاهما مختلف فيه مع صحته، فإن عللوا أحدهما بأنه اختلف فيه الرواة فالآخر كذلك ولا فرق وأما حديث الحنفيين فيما تقطع فيه اليد فساقط جدّاً.
وقد قال بعضهم: إذا سألناهم عن معارضة قياسهم بقياس آخر، وتعليلهم بتعليل آخر؛ فما الذي جعل أحد القياسين أولى من الآخر؟ أو أحد التعليلين أولى من الآخر؟ ولا سبيل إلى وجود قياس لهم أو تعليل لهم تتعذر معارضتهما بقياس آخر أو تعليل آخر كما وصفنا فقال هذا القائل: العمل حينئذ في هذا كالعمل في الحديثين المتعارضين. قال أبو محمد: فقلنا هذا باطل لأن النصين أو الحديثين المتعارضين لا بد من جمعهما واستعمالهما معاً، لأن كليهما حق وواجب الطاعة إذا صحا من طريق السند، ولا يمكن هذا في القياسين المتعارضين، ولا في التعليلين المتعارضين بوجه من الوجوه، فإن تعذر هذا في الحديثين أو الآيتين أو الآية والحديث فالواجب الأخذ بالناسخ أو بالزائد إن لم يأت تاريخ يبين الناسخ منهما، لأن الوارد بالزيادة شريعة من الله تعالى، لا يحل تركها، وليس يمكن هذا في القياسين المتعارضين، ولا في التعليلين المتعارضين بوجه من الوجوه، لأنه ليس فيهما نسخ أصلاً. ولا يوجد في القياسين زيادة من أحدهما على الآخر في أكثر الأمر، لأن التعارض فيهما إنما هو يتعلق أحد القياسين بصفة، ويتعلق آخر إلا بأخرى، فبطل تمويه هذا القائل، وبقي الإلزام يحسبه لا مخلص منه البتة. وبالله تعالى التوفيق. وقد زاد بعض مقدميهم، ممن لم يتق الله عز وجل، ولا أبالي الفضيحة في كلامه، فقال: إن القياس أقوى من خبر الواحد ورأيت هذا لأبي الفرج المالكي، والمعروف بالأبهري واحتجا في ذلك بأن الخبر الواحد يدخله السهو وتعمد الكذب، وأما القياس فلا يدخله إلا خوف الخطأ في التشبيه فقط قالا: فما يدخله عيب واحد أولى مما يدخله عيبان.
قال أبو محمد: وما يعلم في البدع أشنع من هذا القول ثم هو مع شناعته بارد سخيف متناقض. ويقال لهذا الجاهل المقدم: أخبرنا عنك أتقيس على خبر الواحد أم لا؟ فإن قال: لا، كذب وأفصح، وأريناهم خزيهم في قياسهم صداق النكاح على القطع في عشرة دراهم وهو خبر واهي ساقط، والآخرون منهم قاسوا على خبر في ذلك، وإن كان صحيح السند فهو خبر واحد، وأريناهم قولهم في تقويم الملتفات بالقيمة لا بالمثل على الخبر في عتق الشقص، ومدة الخيار في البيع على حديث المصراة، والاستطهار في المستحاضة على حديث المصراة، وهذا أكثر قياساتهم. وإن قال: أقيس على خبر الواحد فضح نفسه وأبان عن جهله، وقلة ورعه في إقراره بأنه يقيس على ما هو أضعف من القياس وفي هذا غاية الجنون والتناقض، وهم يقولون إن الأصل أقوى من الفرع، والمقيس عندهم فرع، والمقيس عليه أصل، هذا ما لا يختلفون فيه، فإذا كان خبر الواحد هو المقيس عليه عندهم فهو الأصل، والقياس هو الفرع؛ فعلى قول هذين المذكورين إذا كان القياس أقوى من خبر الواحد فالفرع أقوى من الأصل وقد قالوا: إن الأصل أقوى من الفرع، وهذا تناقض فاحش وبناء وهدم ونعوذ بالله من الخذلان.