انتقل إلى المحتوى

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث/الباب الثامن والثلاثون (8)

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


قال أبو محمد: ومعاذ الله أن نقول قياساً، وما قلنا ذلك اتباعاً للإجماع، فإن الأمة كلها، بلا خلاف من أحد منها، مساوية بين النصف وبين سائر الأجزاء يقيناً، فمن مانع من كل ذلك، قاطع على أن حكم كل ذلك سواء، مبيح لكل ذلك، قاطع على أن كل ذلك سواء؛ فقد صح الإجماع يقيناً على أن حكم النصف وسائر الأجزاء سواء، ثم وجدنا النص قد جاء بالمساقاة والمزارع على النصف، فوجب القول به، وصح بالإجماع أن حكم سائر الأجزاء كحكم النصف، والنصف حلال، فسائر الأجزاء حلال، وهذا برهان متيقن، لا يجوز خلافه. وبالله تعالى التوفيق. وأيضاً: فإن المتعاقدين على النصف والنصف، فقد تعاقدا على ما دون النصف بدخول ذلك في النصف؛ فإذا اقتصر أحدهما على بعض ماله أن يعاقد عليه مع سائره فذلك جائز له بالنص المجيز له أن يعاقد على ما دون النصف مع قوله تعالى: {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فتجافيه عن بعض ماله أن يشترطه فضل منه.

واحتجوا بقيم المتلفات ومهر المثل، ومقدار المتعة والنفقات، وإن كل ذلك لا نص فيه، قالوا: فوجب الرجوع إلى القياس. قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه البتة، ولا للقياس هنا مدخل أصلاً لأنه ليس ههنا شيء آخر منصوص عليه يقيسون عليه هذه الأشياء، وهذا هو القياس عندهم، فبطل تمويههم، إن هذا القياس، وما هو إلا نص جلي، لا داخلة فيه، وهو قول الله تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } فهل في البيان أكثر من هذا؟ وهل هذا إلا نص على كل قصة وجب فيها ضمان المثل؟. فأي معنى للقياس فيمن أتلف الآخر ثوبا قيمته دينار فقضى عليه بثوب مثله، فإن لم يوجد فمثله من القيمة في سوق البلد الذي وقع فيه الغصب، أو الذي وقع فيه الحكم ؟. وكذلك امرأة وجب لها مهر مثلها بالنص، فعلم مقدار ما تطيب به نفس مثلها في المعهود الذي أحالنا الله تعالى عليه على لسان نبيه .

وكذلك نص الرسول على أن للأزواج والأقارب والمماليك النفقة والكسوة بالمعروف، وساوى في ذلك بين الأقارب وبين من ذكرنا وأحالنا على المعروف، والمعروف هو غير المنكر، فهو ما تعارفه الناس في نفقات من ذكرنا، وما فيه مصالحهم من كسوة معروفة لأمثالهم، وإسكان وغير ذلك، مما لا قوم للمعاش إلا به، مما لا جوع فيه ولا عري ولا عطش ولا برد، ولا شهرة ولا اتضاع، ولا إسراف ولا تبذير، ولا تقصير ولا تقتير، فهذا هو المنكر، وضده هو المعروف، فأين القياس ههنا؟ وعلى أي شيء قاسوا ما ذكرنا فإذ ليس ههنا شيء يقاس عليه ما ذكرنا البتة فقد بطل أن يكون قياساً، وبطل تمويههم في ذلك. واحتجوا أيضاً بأروش الجراحات والجنايات والديات. قال أبو محمد: وهذا في التمويه كالذي قبله، وقولنا في ذلك: إن كل ما أوجبه من ذلك نص وقف عنده، وما لم يوجبه نص فهو ساقط لا يقضى به للنص الوارد: إن دماءنا وأموالنا علينا حرام، وما تيقن أنه أجمع عليه واختلف في مقداره: وجب من ذلك أقل ما قيل فقط، وما عدا ذلك فتحكم في الدين لا يحل. وأي شيء في معرفة مقدار شبع الناس في الجمهور في أقواتهم في ذلك البلد، مما يكون فيه للقياس معنى، وكذلك ما اتفقوا على وجوبه في المتعة، وهل شيء من هذا يوجب تحريم البلوط بالبلوط متفاضلاً، إن انطلاق اللسان بمثل هذا لعظيم، ونعوذ بالله من نصر الباطل والتمادي عليه. فهذا كل ما احتجوا به من دلائل الإجماع، فقد بينا بحول الله وقوته أنه عائد عليهم، ومبطل للقياس، والحمد لله كثيراً كما هو أهله.

واحتجوا أيضاً بأحاديث وردت عن الصحابة رضي الله عنهم، كرسالة منسوبة إلى عمر رضي الله عنه، ذكروا أنه كتب بها إلى أبي موسى، وكقول ابن عباس: ولا أرى كل شيء إلا مثله، ولو لم يعتبروا ذلك إلا بالأصابع، أرأيت من ادهن، وعن سعد: أينقض الرطب إذا يبس، وعن معمر بن عبد الله أخشى أن يضارع، وعن أبي سعيد، فأيما أولى، التمر أو الورق، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا سكر هذى، وعن علي وزيد في الجد، وعن علي: لو كان هذا كان رسول الله قاتل حمزة. وعن ابن عباس: قد أمر الله بالتحكيم بين الزوجين، وفي أرنب قيمتها ربع درهم، وعن علي في احتجاجه بمحو اسمه من الصحيفة، بمحو النبي اسمه يوم الحديبية من الصحابة، وعن علي وعمر في قتل الجماعة بالواحد، وبالقطع في السرقة. قال أبو محمد: هذا كل ما يحضرنا ذكره مما يمكنهم أن يتعلقوا به، ونحن إن شاء الله تعالى، نذكر كل ما يحضرنا ذكر كل ذلك بأسانيده، ونبين، بعون الله عز وجل، أنه لا حجة لهم في شيء منه لو صح، فكيف وأكثر ذلك لا يصح.

فأما رسالة عمر، فحدثنا بها أحمد بن عمر العذري، نا أبو ذر عبد بن أحمد الـهروي، نا أبو سعيد الخليل بن أحمد القاضي السجستاني، نا يحيى بن محمد بن صاعد، نا يوسف بن موسى القطان، نا عبيد اللـه بن موسى، نا عبيد اللـه بن موسى، نا عبد الملك بن الوليد بن معدان/ عن أبيه قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري ــــ فذكر الرسالة وفيها: الفهم الفهم، يعني فيما يتلجلج في صدرك، مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأمثال والأشكال، فقس الأمور عند ذلك، ثم اعمد إلى أشبهها بالحق، وأقربها إلى اللـه عز وجل، وذكر باقي الرسالة. وحدثناها أحمد بن عمر، نا عبد الرحمن بن الحسن الشافعي، نا القاضي أحمد بن محمد الكرخي، نا محمد بن عبد اللـه العلاف، نا أحمد بن علي بن محمد الوراق، نا عبد اللـه بن سعد، نا أبو عبد اللـه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، نا سفيان، عن إدريس بن يزيد الأودي، عن سعيد بن أبي موسى الأشعري بن أبي بردى عن أبيه قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى، فذكر الرسالة وفيها، الفهم فيما يتلجلج في نفسك مما ليس في الكتاب ولا السنة، ثم قس الأمور بعضها ببعض، ثم انظر أشبهها بالحق وأحبها إلى اللـه تعالى فاعمل به. وفيها أيضاً: المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلوداً في حد، أو مجرياً عليه شهادة زور، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة وذكر باقيها. قال أبو محمد: وهذا لا يصح، لأن السند الأول فيه عبد الملك بن الوليد بن معدان/ وهو كوفي متروك الحديث، ساقط بلا خلاف، وأبوه مجهول، وأما السند الثاني فمن بين الكرجي إلى سفيان مجهولون، وهو أيضاً منقطع، فبطل القول به جملة. ويكفي من هذا أنه لا حجة في قول أحد دون النبي ، وكم قصة خالفوا فيها عمر. وأيضاً: فلا يخلو من أن تكون صحيحة أو غير صحيحة، فإن كانت غير صحيحة، فهو قولنا ولا حجة علينا فيها، وإن كانت صحيحة تقوم بها الحجة، فقد خالف أبو حنيفة ومالك والشافعي والحاضرون من خصومنا المحتجين بها، ما فيها، فأجازوا شهادة المجلود في الخمر والزنى إذا تاب. وأجاز مالك والشافعي شهادة المجلود في حد القذف إذا تاب، وهذا خلاف ما في رسالة عمر، وإن ادعوا إجماعاً كذبهم الأوزاعي، فإنه لا يجيز شهادة مجلود في شيء من الحدود أصلاً، كما في رسالة عمر التي صححوا. وأجازوا شهادة الأخ لأخيه، والمولى لذي ولائه، ولم يجعلوهما ظنينين في ولاء وقرابة، وردوا شهادة الأب العدل لابنه، وجعلوه ظنين في قرابة، وليس إجماعاً، لأن عثمان البتي وغيره يجيز شهادته لـه، وردوا شهادة العبد وهو مسلم.

وكل هذا خلاف ما في رسالة عمر، ومن الباطل المحال أن تكون حجة علينا في القياس، ولا تكون حجة عليهم فيما خالفوها فيه، ويكفي في هذا إقرارهم بأنها حق وحجة، ثم خلافهم ما فيها، فقد أقروا بأنهم خالفوا الجن والحجة، ونحن لا نقر بها. ولله الحمد.

والصحيح عن عمر غير هذا من إنكار القياس، مما سنذكره في هذا الباب إن شاء الله تعالى. وأما الرسالة التي تصح عن عمر فهي غير هذه، وهي التي حدثنا بها عبد الله بن ربيع التميمي، نا محمد بن معاوية المرواني، نا أحمد بن شعيب النسائي، نا محمد بن بشار، نا أبو عامر العقدي، نا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق الشيباني، عن الشعبي/ عن شريح أنه كتب إلى عمر يسأله، فكتب إليه عمر: أن اقض بما في كتاب الله تعالى، فإن لم يكن في كتاب الله فسنة رسول الله فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله فاقض بما قضى الصالحون، فإن لم يكن في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله، ولم يقض به الصالحون، فإن شئت فتقدم، وإن شئت فتأخر، ولا أرى التأخر إلا خيراً لك، والسلام. قال أبو محمد: وهذا ترك الحكم بالقياس جملة، واختيار عمر لترك الحكم إذا لم يجد المرء تلك النازلة في كتاب ولا سنة ولا إجماع، فسقطت الرواية عن عمر في الأمر بالقياس، لسقوط راويها. ولوجه ثان ضروري مبين لكذب تلك الرسالة، وأنها موضوعة بلا شك، وهو اللفظ الذي فيها، ثم اعمد لأشبهها بالحق وأقربها إلى الله عز وجل، وأحبها إليه تعالى فاقض به.

قال أبو محمد: وهذا باطل موضوع: وما يدري القايس إذا شبهت الوجوه أيها أحب إلى الله عز وجل، أو أيها أقرب إليه؟ وهذا ما يقطعون به، ولا يقطع به أحد له حظ من علم. ثم قوله: اعمد إلى أشبهها بالحق، ولا نعلم إلا حقّاً أو باطلاً، فما أشبه الحق فلا يخلو من أن يكون حقّاً أو باطلاً، فالباطل لا يحل الحكم به، وإن كان حقّاً فلا يجوز أن يقال في الحق إنه أشبه طبقته ونظرائه بالحق، ولكن يقال في الحق إنه حق بلا شك، ولا يجوز أن يقال فيه يشبه الحق، فصح أن القياس باطل بلا شك، وبطلت تلك الرسالة بلا شك. وبالله تعالى التوفيق. فإن قال قائل: افتقطعون في خبر الواحد العدل أنه حق إذا قضيتم به أم تقولون: إنه باطل، أم تقولون: إنه يشبه الحق، وهذا نفس ما دخلتم علينا؟. قال أبو محمد: والجواب، وبالله التوفيق: إن خبر الواحد العدل المتصل، وشهادة العدلين حق عند الله عز وجل، مقطوع به، إلا أننا نحن نقول: إن كل خبر صح مسنداً بنقل من اتفق على عدالته، فهو حق عند الله، بخلاف الشهادات، وقال غيرنا: إن كل شخص من أشخاص الأخبار وأشخاص الشهادات، إما حق عند الله فهو حق مطلق، وإما باطل عند الله فهو باطل مطلق.

ولا يجوز أن يقال: إنه يشبه الحق، ولا إنه أشبه بالحق من غيره، ولسنا نوقفهم في هذه المراجعة على مذهبهم في أشخاص القياس، وإنما نتكلم على ما رووا عن عمر من لفظ، أشبهها بالحق، فعلى هذه اللفظة تكلمنا، وفسادها بيناً لنرى بعون الله كذب الرواية في ذلك عن عمر. وأما: «ولا أحسب كل شيء إلا مثله» فحدثنا عبد الله بن يوسف بن نامي، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا أحمد بن محمد الأشقر، ثنا أحمد بن علي القلانسي، ثنا مسلم، ثنا قتيبة، ثنا حماد ــــ وهو ابن زيد ــــ عن عمر بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس أن رسول الله قال: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَاماً فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» قال ابن عباس: واحسب كل شيء مثله. قال أبو محمد: ولا حجة لهم في هذا؛ لأن كثيراً من أصحاب القياس لا يقولون بهذا، ولا يرون غير الطعام داخلاً في حكم الطعام في ذلك، بل يرون ما عدا الطعام جائز بيعه قبل أن يستوفى، وهذا قول المالكيين، فمن المحال أن يحتج امرؤ بشيء يقر أنه خطأ لا يجوز أن يؤخذ به. وأيضاً فإن ابن عباس لم يقطع بصحة ظنه في ذلك، وإنما أخبر أنه يحسب كل شيء مثل الطعام في ذلك، وهذا هو الذي قلنا عنهم رضي الله عنهم: إنهم لا يقطعون برأيهم فيما رأوه، وإنما هو ظن لا يثبتونه ديناً، وليس حكم القياس عند القائلين به من باب الحسبان الذي ذكره ابن عباس في هذا الحديث، فصح يقيناً أنه لا مدخل للقياس في هذا الحديث، فاحتجاجهم به باطل، وبالله تعالى التوفيق.

وأما: «لو لم تعتبروا ذلك إلا بالأصابع» فحدثناه حمام بن أحمد، ثنا محمد بن أبي مفرج، ثنا ابن الأعرابي، ثنا أبو يعقوب الدبري، ثنا عبد الرزاق، ثنا مالك، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان، أن مروان أرسله إلى ابن عباس يسأله: ماذا جعل في الضرس، قال: فيه خمس من الإبل، قال: فردني إلى ابن عباس: فقال: أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس، فقال ابن عباس: لو أنك لا تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء. قال أبو محمد: وهذا لا مدخل للقياس فيه البتة، بل هو إبطال للتعليل جملة، لأن مروان علل الدية بأنها عرض من العضو المصاب، فينبغي أن تكون دية العضو الأفضل أكثر، وهذه هي علل أصحاب القياس على الحقيقة، فأراه ابن عباس بطلان هذا، وتناقضه في قوله: بأن الأصابع منافعها متفاضلة، وديتها سواء. وهذا إبطال العلل على الحقيقة وفي إبطال العلل إبطال للقياس، إذ لا قياس إلا على علة جامعة عند حذاق القائلين به، فهذا الحديث مبطل للقياس كما ذكرنا، وراد إلى النص، وألا يتعقب بتعليل، وبالله تعالى التوفيق، وبرهان واضح فيما ذكرنا هو أن القياس بلا خلاف، إنما هو أن يحكم لما نص فيه بالحكم فيما نص، أو فيما اختلف فيه بالحكم فيما اجتمع عليه، وليس في الأصابع إجماع، فيقاس عليه الأضراس، بل الخلاف موجود فيها كما هو في الأضراس، وليس في الأصابع نص دون الأضراس، بل الخلاف موجود فيها كما هو في الأضراس، وليس في الأصابع نص دون الأضراس، بل النص فيهما جميعاً، فبطل أن تكون الأصابع أصلاً يقاس عليه الأضراس.

فأما الخلاف في كل ذلك فكما حدثنا حمام بن أحمد، ثنا ابن مفرج، ثنا ابن الأعرابي، ثنا الديري، ثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج، أخبرني يحيى بن سعيد ــــ هو الأنصاري ــــ قال: قال ابن المسيب قضى عمر بن الخطاب فيما أقبل من الفم أعلى الفم وأسفله خمس قلانص، وفي الأضراس بعير بعير. وقال عبد الرزاق أيضاً: عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب جعل في الإبهام خمس عشرة، وفي السبابة والوسطى عشراً عشراً، وفي البنصر تسعاً، وفي الخنصر سبعاً. فبطل أن يكون ههنا إجماع في الأصابع يقاس عليه أمر الأسنان والأضراس. وأما النص فإن عبد الله بن ربيع ثنا قال: حدثنا عمر بن عبد الملك، ثنا محمد بن بكر، ثنا أبو داود السجستاني، ثنا عباس بن عبد العظيم العنبري، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري، ثنا شعبة، حدثنا قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس/ أن رسول الله قال: «الأَصَابِعُ سَوَاءٌ وَالأَسْنَانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ وَالضِّرْسُ سَوَاءٌ، هذِهِ وَهذِهِ سَوَاءٌ» . فصح أن النص عند ابن عباس في الأضراس، كما هو في الأصابع، بأصح إسناد وأجوده، وشعبة لم يسمع قتادة حديثاً إلا فقه على سماعه، إلا حديثاً واحداً في الصلاة، فبطل أن يكون ابن عباس أراد بقوله: ولو لم تعتبروا ذلك، بالأصابع، قياساً البتة، وبالله تعالى التوفيق. نعم: قد روى التسوية أيضاً بين الأضراس والأسنان، وبين الأصابع، عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مسنداً: وفي كتاب عمرو بن حزم أيضاً فبطل ما ظنوه بيقين، والحمد لله رب العالمين. وأما: «أرأيت لو ادهن» فحدثناه حمام بن أحمد، حدثنا ابن مفرج، حدثنا ابن الأعرابي، حدثنا الديري، حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن جعفر بن يرقان قال: كان أبو هريرة يتوضأ مما مست النار، فبلغ ذلك ابن عباس/ فأرسل إليه: أرأيت لو أخذت دهنة طيبة فدهنت بها لحيتي أكنت متوضئاً؟ قال أبو هريرة: يا ابن أخي، إذا حدثت بالحديث عن النبي فلا تضرب له الأمثال جدلاً.

قال أبو محمد: وليس ههنا للقياس مدخل البتة بوجه من الوجوه، وابن عباس قد روى عن النبي أنه شاهده أكل شيئاً مما مست النار فلم يتوضأ، وهذا الحديث عنه مشهور، فلم يترك ابن عباس الوضوء مما مست النار قياساً، لكن اتباعاً للنص، وإنما عارض أبا هريرة بأمر الدهن في هذا الحديث ليعلم: أيطرد أبو هريرة قوله، أم لا يرى الوضوء من الدهن فقط، فإنما هو استفهام عن مذهب أبي هريرة في الدهن: أيوجب الوضوء أم لا؟ ليس في هذا الحديث شيء غير هذا البتة، ولكن في قول أبي هريرة: إذا حدثت بالحديث عن النبي فلا تضرب له الأمثال جدلاً، إبطال صحيح للقياس، لأن القياس ضرب أمثال في الدين لم يأذن بها الله تعالى. وقد نهى أبو هريرة عن ذلك، وأمره باتباع الحديث والتسليم له، فهذا الحديث عليهم لا لهم، والصحيح عن ابن عباس إبطال القياس، على ما ذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى.

وأما: «أينقص الرطب إذا يبس» فحدثناه أحمد بن محمد الجسور، نا أحمد بن سعيد بن حزم، نا عبيد الله بن يحيى، نا أبي عن مالك بن أنس، عن عبد الله بن زيد، أن زيداً أبا عياش أخبره: أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن البيضاء بالسلت. قال له سعد: أيتهما أفضل؟ فقال: البيضاء، فنهاه عن ذلك، وقال: سمعت رسول الله يُسأل عن اشتراء التمر بالرطب، فقال : «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟» فقالوا: نعم فنهاه عن ذلك. قال أبو محمد: فأول هذا إن هذا خبر لا يصح، لأن زيداً أبا عياش مجهول، فارتفع الكلام فيه، وأيضاً فلو صح لما كانت لهم فيه حجة، لأن جميع أصحاب القياس، أولهم عن آخرهم، لا يرون هذا قياساً ولا يمنعون من البيضاء بالسلت فمحال أن يحتج قوم بما لا يقولون به. وأيضاً فإن هذا ليس قياساً عند القائلين به، لأنه تنظير للأفضل بما ينقص إذا يبس، وهذا ليس شبهاً البتة، عند من يقول بالقياس، فسقط تعلقهم بهذا الأثر، والحمد لله رب العالمين. وأما: «أخاف أن يضارع» فحدثناه عبد الله بن يوسف بن نامي، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب بن عيسى، نا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم، حدثني أبو الطاهر، أخبرني ابن وهب، عن عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه أن بسر بن سعيد حدثه عن معمر بن عبد الله: أنه أرسل غلامه بصاع قمح، فقال: بعه ثم اشتر به شعيراً، فذهب الغلام فأخذ صاعاً وزيادة بعض صاع، فلما جاء معمراً أخبره بذلك. فقال له معمر: لم فعلت ذلك؟ انطلق فرده، ولا تأخذ إلا مثلاً بمثل، فإني كنت أسمع رسول الله يقول: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ» وكان طعامنا يومئذ الشعير، فقيل: إنه ليس بمثله؟ قال: إني أخاف أن يضارع. قال أبو محمد: وهذا لا حجة لهم فيه أصلاً، وإنما هو تورع من معمر بن عبد الله، لا إيجاب، ولا أنه قطع بذلك. وبيان ذلك: إخبار معمر بأنه يخاف أن يضارع، ولم يقطع بأنه يضارع، وأيضاً فإن الحنفيين والشافعيين لا يقولون بهذا، وهم يجيزون القمح بالشعير متفاضلاً، فلا وجه لاحتجاج المرء بما لا يراه صحيحاً، ولا ممن يخطىء ويصيب ممن لا يلزم اتباعه. ولعل من جهل يظن أن احتجاجنا بمن دون النبي هو أننا نرى من دونه حجة لازمة، فليعلم من ظن ذلك أن ظنه كذب، وأننا لا نورد قولاً عمن دون النبي إلا على أحد وجهين لا ثالث لهما: إما خوف جاهل يدعي علينا خلاف الإجماع، فنريه كذبه، وفساد ظنونه، وأنه لا إجماع فيما ظن فيه إجماعاً، وإما لنرى من يحتج بمن دون النبي أن الذي يحتج به مخالف له، فنوقفه عليّ تناقضاً في أنه يخالف من يراه حجة.

حاشا موضعاً واحداً، وهو حكم الحكمين بجزاء الصيد، فإننا نورده احتجاجاً به، لقول الله تعالى: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } فألزمنا الله عز وجل قبول العدلين ههنا، فنحن نورد قول العدلين من السلف رضي الله عنهم، احتجاجاً بقولهما، لأن الله تعالى أوجب ذلك.

وأما حديث: «أيما أولى؟» فحدثناهابن نامي، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب بن عيسى، نا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم بن الحجاج، نا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الأعلى، أنا داود، عن أبي نضر قال: سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم ير بأساً، فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري/ إذ جاءه رجل فسأله عن الصرف فقال: ما زاد فهو رباً. فأنكرت ذلك لقولهما. فقال: لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله : جاءه صاحب نخلة بصاع من تمر جنيب، وكان تمر النبي غير هذا اللون، فقال النبي : «أَنَّى لَكَ هذَا؟» قال: انطلقت بصاعين واشتريت به هذا الصاع، فإن سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا، فقال رسول الله : «وَيْلُكَ أَرَأَيْتَ إِذَا أَرَدْتَ ذلِكَ فَبِعْ تَمْراً بِسِلْعَةٍ ثُمَّ اشْتَرِ بِسِلْعَتِكَ أَيَّ تَمْرٍ شِئْتَ» قال أبو سعيد: فالتمر بالتمر أحق أن يكون ربّاً أما الفضة بالفضة؟. قال أبو محمد: وهذا ليس قياساً، لأن النهي عن التفاضل في الفضة بالفضة عند أبي سعيد الخدري، عن النبي ، كما روينا وبالسند المذكور إلى مسلم: حدثنا محمد بن رمح: ثنا الليث بن سعد، عن نافع مولى ابن عمر قال: ذهب ابن عمر وأنا معه حتى دخل على أبي سعيد الخدري، فذكر سؤال ابن عمر لأبي سعيد عن الصرف، فقال ــــ أبو سعيد ــــ وأشار بأصبعه إلى عينيه وأذنيه ــــ فقال: أبصرت عيناني، وسمعت أذناي، رسول الله يقول: «لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلاَ تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ وَلاَ تفْشُوا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ» وذكر الحديث. وبه إلى مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، نا وكيع، نا إسماعيل بن مسلم العبدي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالمِلْحُ بِالمِلْحِ ــــ مِثْلاً بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ واسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآخِذُ وَالمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» .

قال أبو محمد: فمن المحال البين أن يكون نهى النبي عن الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل عند أبي سعيد سماعاً من لفظ النبي ، ويعول في تحريمه على القياس. فصح أن هذا الأثر لا مدخل للقياس فيه أصلاً، لأن القياس عند القائلين به، إنما هو: حكم في شيء ولا نص فيه، على نحو الحكم في نظيره، مما جاء فيه النص، والنص عند أبي سعيد مسموع في الفضة بالفضة، كما هو في التمر بالتمر، فبطل ضرورة إقرار أصحاب القياس أن يكون أحد الأمرين عنده قياساً على الآخر. فإن قيل: فما وجه قول أبي سعيد إذن هو القول، فنقول وباللـه تعالى التوفيق: إننا لا نشك أن أبا نضرة مسخ لفظ أبي سعيد، وحذف منه ما لا يقوم المعنى إلا به. كما فعل في صدر هذا الحديث نفسه، من قولـه: سألت ابن عباس وابن عمر عن الصرف فلم يريا به بأساً، وهذا كلام مطموس، لأن الصرف لا بأس به عند كل أحد من الأمة، إذا كان على ما جاء به النص، من التماثل والتعاقد في الفضة بالفضة وفي الذهب بالذهب، ومن التفاضل والتناقد في الذهب بالفضة، فطمس أبو نضرة كل هذا. وكذلك فعل بلا شك في كلام أبي سعيد، ولا يجوز غير هذا أصلاً، إذ من الباطل أن يروي من هو أوثق من أبي نضرة، عن أبي سعيد أنه سمع النبي يوجب أن التفاضل في الفضة بالفضة رباً، ثم لا يعول أبو سعيد في تحريم ذلك إلا على تحريم التمر بالتمر متفاضلاً، هذا ما لا يدخل في عقل أحد.

وجميع أصحاب القياس لا يجوزون هذا القياس، ولا يدخلون الصفر بالصفر، قياساً على الربا في التمر بالتمر، فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة والحمد للـه رب العالمين، وباللـه تعالى نعتصم. وأما: «سكر هذى» فحدثناه حمام بن أحمد، ثنا ابن مفرج، ثنا ابن الأعرابي، ثنا الدبري، نا عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، أن عمر بن الخطاب شاور الناس في حد الخمر، وقال: إن الناس قد شربوها واجترؤوا عليها، فقال لـه علي: إن السكران إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فاجعلـه حد الفرية فجعلـه عمر حد الفرية ثمانين. وحدثناه أيضاً أحمد بن محمد بن الجسور، ثنا أحمد بن سعيد بن حزم، ثنا عبيد اللـه بن يحيى بن يحيى، ثنا أبي، ثنا مالك، عن ثور بن زيد الديلي: أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل؛ فقال لـه علي بن أبي طالب: نرى أن نجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، أو كما قال، فجلد عمر في الخمر ثمانين.

حدثناه محمد بن سعيد بن نبات، ثنا عبد الله بن نصر، نا قاسم بن أصبغ، ثنا ابن وضاح، نا موسى بن معاوية، نا وكيع، نا ابن أبي خالد، عن عامر الشعبي قال: استشارهم عمر في الخمر، فقال عبد الرحمن بن عوف: هذا رجل افترى على القرآن رأى أن تجلده ثمانين. حدثنا عبد الله بن ربيع التميمي، نا عبد الله بن محمد بن عثمان الأسدي، ثنا أحمد بن خالد، نا عبد الله بن عبد العزيز، نا الحجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار: إن ناساً من أصحاب رسول الله شربوا الخمر بالشام، وإن يزيد بن أبي سفيان كتب فيهم إلى عمر/ فذكر الحديث، وفيه: إنهم احتجوا على عمر بقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } . فشاور فيهم الناس، فقال لعلي: ماذا ترى؟ فقال: أرى قد شرعوا في دين الله تعالى ما لم يأذن به الله تعالى؛ فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، فإنهم قد أحَلُّوا ما حرم الله، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين ثمانين، فقد افتروا على الله الكذب، وقد أخبر الله تعالى بحد ما يفتري به بعضنا على بعض.

حدثنا عبد الله بن ربيع، نا محمد بن معاوية، نا أحمد بن شعيب، نا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، ثنا سعيد بن عفير، ثنا يحيى بن فليح بن سليمان المدني، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس/ أن الشرَّاب كانوا يضربون في عهد رسول الله بالأيدي والنعال والعصي، حتى توفي رسول الله فكانوا في خلافة أبي بكر أكثر منهم في عهد رسول الله فقال أبو بكر: لو فرضنا لهم حدّاً، فتوخى نحو ما كانوا يضربون في عهد رسول الله ، فكان أبو بكر يجلدهم أربعين حتى توفي، ثم كان عمر فجلدهم كذلك أربعين، حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين قد شرب، فأمر به أن يجلد، فقال: لم تجلدني، بيني وبينك كتاب الله؟ فقال عمر: وفي أي كتاب الله تجد ألا أجلدك؟ قال له: إن الله تعالى يقول في كتابه: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ، فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، شهدت مع رسول الله بدراً وأُحُداً والخندق والمشاهد. فقال عمر: ألا تردون عليه ما يقول؟ فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات أنزلن عذراً للماضين، وحجة على الباقين، فعذر الماضين بأنهم لقوا الله قبل أن يحرم عليهم الخمر، وحجة على الباقين، لأن الله تعالى يقول: {يَـأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ، ثم قرأ الأخرى، فإن كان من الذين: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } فإن الله نهاه أن يشرب الخمر. فقال عمر: صدقت فما ترون؟ فقالعلي: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة، فأمر به عمر فجلد ثمانين.

قال محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي، وحدثنا سعيد بن أبي مريم، أنا يحيى بن فليح بن سليمان، حدثني ثور بن زيد الديلمي، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر هذا الحديث، وفي آخر: ثم سأل من عنده عن الحد فيها؟ فقال علي بن أبي طالب: إنه إذا شرب هذى، وإذا هذى افترى، فاجلده ثمانين فجلده عمر ثمانين.

ابن حزم - الإحكام في أصول الأحكام/المجلد الثاني/الجزء الثالث

في دليل الخطاب (1) | في دليل الخطاب (2) | في دليل الخطاب (3) | في دليل الخطاب (4) | في دليل الخطاب (5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(1) | في إبطال القياس في أحكام الدين(2) | في إبطال القياس في أحكام الدين(3) | في إبطال القياس في أحكام الدين(4) | في إبطال القياس في أحكام الدين(5) | في إبطال القياس في أحكام الدين(6) | في إبطال القياس في أحكام الدين(7) | في إبطال القياس في أحكام الدين(8) | في إبطال القياس في أحكام الدين(9) | في إبطال القياس في أحكام الدين(10) | في إبطال القياس في أحكام الدين(11) | في إبطال القياس في أحكام الدين(12) | في إبطال القياس في أحكام الدين(13) | في إبطال القياس في أحكام الدين(14) | في إبطال القياس في أحكام الدين(15) | في إبطال القياس في أحكام الدين(16) | في إبطال القياس في أحكام الدين(17)