إعراب القرآن للسيوطي/السادس والثلاثون
السادس والثلاثون ما جاء في التنزيل من الحروف الزائدة في تقدير وهي غير زائدة في تقدير آخر
فمن ذلك قوله تعالى: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا إن شئت كان التقدير: فإن آمنوا مثل ما آمنتم به فتكون الباء زائدة.
وإن شئت كان التقدير: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم.
والوجه الأول أحسن.
ومثله: أو كالذي مر على قرية إن شئت كان التقدير: ألم تر إلى الذي حاج وإلى الذي مر وتكون الكاف زائدة.
وقد تقدم فيه وجه آخر.
ومن ذلك قوله تعالى: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.
إن شئت كانت الباء زائدة أي: لا تلقوا أيديكم وعبر بالأيدي عن الذوات.
وإن شئت كان التقدير: ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم وألقى فعل متعد بدليل قوله: وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم.
قال أبو علي: الباء الجارة للأسماء تجيء على ضربين: أحدهما: أن تكون زائدة.
والآخر: أن تكون غير زائدة.
والزائدة: تلحق شيئين: أحدهما: جزء من الجملة.
والآخر: فضلة عن الجملة أو ما هو مشبه بها فأما الجزء من الجملة فثلاثة أشياء: مبتدأ وخبر مبتدأ وفاعل مبني على فعله الأول أو على مفعول بني على فعله الأول.
من ذلك وهو دخولها على المبتدأ زائدة: ففي موضع واحد في الإيجاب وهو قولهم: بحسبك أن تفعل الخير ومعناه: حسبك فعل الخير فالجار مع المجرور في موضع رفع بالابتداء ولا نعلم مبتدأ دخل عليه حرف الجر في الإيجاب غير هذا الحرف.
فأما غير الإيجاب فقد دخل الجار غير الباء عليه وذلك نحو قوله: هل من رجل في الدار وقال: هل لك من حاجة وقال: هل من خالق غير الله.
فأما قوله: فهل لنا من شفعاء فيشفعوا فمن رفع ما بعد الظرف بالابتداء كان قوله: هل من خالق غير الله كذلك ومن رفعه بالظرف كان في موضع الرفع بالفعل كما يرتفع بالظرف كقوله: أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير وقوله: أن ينزل عليكم من خير من ربكم.
أما الثاني: دخولها على خبر المبتدأ في موضع في قول أبي الحسن الأخفش وهو قوله: جزاء سيئة بمثلها زعم أن المعنى: جزاء سيئة مثلها وكأنه استدل على ذلك بالآية الأخرى.
وهو قوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها.
ومما يدلك على جواز ذلك أن ما يدخل على المبتدأ قد تدخل على خبره لام الابتداء التي دخلت على خبر المبتدأ في قول بعضهم: إن زيداً وجهه لحسن.
وقد جاء في الشعر: أم الحليس لعجوز شهربه والذي أجازه أبو الحسن أقوى من هذا في القياس وذلك أن خبر المبتدأ يشبه الفاعل من حيث لم يكن مستقلاً بالمبتدأ كما كان الفعل مستقلاً بالفاعل وقد دخلت على الفاعل فيما تدخله بعد فكذلك يجوز دخولها على الخبر.
وقد تحتمل الآية وجهين غير ما ذكر أبو الحسن: أحدهما: أن تكون الباء مع ما قبلها في موضع الخبر وتكون متعلقة بمحذوف كما يقال: ثوب بدرهم ولا يمتنع هذا من حيث قبح الابتداء بالنكرة لمعنى العموم فيه وحصول الفائدة به.
والآخر: أن تكون الباء من صلة المصدر وتضمر الخبر لأنك تقول: جزيتك بكذا فيكون التقدير: جزاء سيئة بمثلها واقع أو كائن.
الثالث: دخولها على الفاعل المبني على فعله وذلك في موضعين: أحدهما: قوله: وكفى بالله.
والأخر قولهم في التعجب: أكرم به.
فالدلالة على زيادتها أن قولهم: كفى بالله وكفى الله واحد وأن الفعل لم يسند إلى فاعل غير المجرور.
وفي التنزيل: وكفى بالله شهيداً وكفى بالله حسيباً وكفى بجهنم سعيراً والتقدير في كل هذا: كفاك الله شهيداً وكفاك الله حسيباً وكفت جهنم سعيراً وكذلك: وكفى بنا حاسبين أي: كفيناك كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا وتقول: مررت برجل كفاك به وبرجلين كفاك بهما وبرجال كفاك بهم فتفرد الفعل لأن الفاعلين بعد الباء وإن لم تلحق الباء قلت: مررت برجال كفاك من رجل وبرجلين كفياك من رجلين ورجال كفوك من رجال.
وأما الدلالة على زيادتها في قولهم: أكرم به وقوله: أسمع بهم وأبصر فهي أن الفعل لا يخلو من أن يكون للمخاطب أو الغائب فلو كان للمخاطب لثني فيه الفاعل تثنيته للمخاطب وجمع بجمعه وأنث لتأنيثه فلما أفرد في جميع الأحوال ولم يعتبر به الخطاب علم أنه ليس لمخاطب وإذا لم يكن له ثبت أنه للغائب.
ويدل على ذلك أيضاً أن المعنى إنما هو على الإخبار عن المخاطب ألا ترى أن قولهم: أكرم به يراد به أنه قد كرم وإنما دخلت الهمزة على حد ما دخلت في قولهم: أجرب الرجل وأقطف وأعرب وألأم وأعسر وأيسر إذا صار صاحب هذه الأشياء وكذلك أكرم معناه: صار ذا كرم وأسمع بهم وأبصر صاروا ذوي بصر وسمع خلاف من قال تعالى فيه: ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.
فإن قلت: كيف جاء على لفظ الأمر قيل: كما جاء قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً والمعنى: فمد له الرحمن مدا.
والموضوع الآخر من الموضعين الذي لحقت الباء بهما زائدة وهو أن يكون فضلة عن الجملة أو مشبهاً بها فالمشبه كقوله: ألست بربكم وما هو بمزحزحه وما أنتم بمؤمنين وقوله: ليسوا بها كافرين فالباء الأولى متعلقة باسم الفاعل.
والثانية التي تصحب ليس قال: وما هم منها بمخرجين.
والآخر زيادتها في المفعول كقوله: ولا تلقوا بأيديكم.
فأما قوله تعالى: وهزي إليك بجذع النخلة فقد قيل الباء زيادة.
وقد قيل: التقدير: بهز جذع النخلة.
ومن ذلك قوله: تنبت بالدهن أي: تنبت الثمرة بالدهن فحذف المفعول فيكون الباء حالاً.
وقيل: التقدير: تنبت الدهن والباء زائدة.
وأما قوله تعالى: بأيكم المفتون فقد قيل: الباء زائدة والتقدير: أيكم المفتون.
وقد قيل: المفتون بمعنى: الفتنة أي: بأيكم الفتنة كما يقال: ليس له معقول أي: عقل.
فأما قوله تعالى: وجزاء سيئة بمثلها أي: جزاء سيئة مثلها لقوله في الأخرى: جزاء سيئة سيئة مثلها.
وأما قوله تعالى: عيناً يشرب بها فالباء زائدة.
وقيل: بل هي بمعنى من.
وقيل: بل هي محمول على المعنى أي: يروى بها وينتفع.
وقيل: شربت بالعين حقيقة و: من العين والعين مجازاً لأن العين اسم للموضع الذي ينبع منه الماء فهو كقولك: شربت بمكان كذا ولهذا يقال: ماء العين وماء السبيل ثم توسع واجتزئ باسم العين عن الماء لما كان لا يسمى المكان عيناً إلا ينبوع الماء منه.
فأما قوله عيناً فالتقدير: ماء عين أي: يشربون من كأس موصوفة بهذا ماء عين.
وقيل: بل عين بدل من كافور لأن كافور اسم عين في الجنة.
وقيل: هو نصب على المدح.
ومن زيادة الباء قوله: ألم يعلم بأن الله يرى ةالتقدير ألم يعلم أن الله يرى لقوله: ويعلمون أن الله.
ومن ذلك قوله: ومن يرد فيه بإلحاد بظلم وقال: تلقون إليهم بالمودة ومثله: اقرأ باسم ربك.
أي: اقرأ اسم ربك لقوله: فإذا قرأناه.
ومن ذلك قوله تعالى: أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر فالباء في بقادر زائدة لأنه خبر أن وجاءت زيادتها للحاق النفي أول الكلام.
وأما قوله: ليس كمثله شيء فالكاف زائدة والتقدير: ليس مثله شيء لأن حمله على الظاهر يوجب إثبات المثل.
وقيل: الباء بمعنى الصفة أي: ليس كصاحب صفته شيء وصاحب صفته هو هو.
وقيل بل المثل زيادة.
وقد تزاد من في النفي بلا خلاف نحو قوله: ما لكم من إله غيره أي: مالكم إله وكقوله: هل من خالق غير الله وقوله: وما من إله إلا الله وما من إله إلا إله واحد.
فأما زيادتها في الواجب فلا يجوز عند سيبويه وهو جائز عند الأخفش وقد تقدم ذلك فيما مضى كقوله تعالى: فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً.
و: فكلوا مما أمسكن عليكم.
وقد تقدم ذلك.
وقد تزاد الفاء كقوله: لا تحسبن الذين يفرحون إلى قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب فالفاء وقد تزاد اللام أيضاً كقوله: للذين هم لربهم يرهبون وقوله: إن كنتم للرؤيا تعبرون وقوله: ردف لكم بعض الذي تستعجلون.
وقوله: وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت وقد تقدم.
وقد تزاد الواو قال الفراء: في قوله تعالى: حتى إذا فتحت يأجوج جوابه قوله: واقترب الوعد الحق الواو مقحمة.
وقال: فلما أسلما وتله للجبين الواو زائدة.
أي: تله.
وقال: إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت الواو مقحمة.
وعندنا أن أجوبة هذه الأشياء مضمرة وقد تقدم.