إعراب القرآن للسيوطي/السابع والسبعون
السابع والسبعون باب ما جاء في التنزيل من أحوال النون عند الحروف
ولها أربع أحوال حالة تظهر فيها وهي عند حروف الحلق كقوله: " ومن عنده علم الكتاب " وقوله: " هل من خالقٍ غير الله " وقوله: " ما لكم من إله غيره " وقوله: " على شفا جرف هار " فلا بد من إظهارها هنا. إلا ما رواه المسيبي من إخفائها عند العين والخاء لما قاربتا من حروف الفم وخالفتا حروف أقصى الحلق أخفاها هناك وأظهروهما عند الحلقية لما بين الحلق والذلق من المسافة والبعد.
والحالة الثانية: إخفاؤها عند غير حروف يرملون نحو " من دابةٍ والملائكة " وقوله: " ثمناً قليلا " وقوله: " فأنجيناكم وأغرقنا " " وإذ أنجيناكم من آل فرعون " وغير ذلك.
الحالة الثالثة: أن تقلب ميما عند الباء نحو: " فانبجست " " كافرٍ به " وقالوا: عنبر وشنباء.
فإذا تحركت عادت إلى حالتها.
والحالة الرابعة: أن تدغم في حروف يرملون نحو: " هدى للمتقين " " على هذًى من ربهم " " ومن الناس من يقول " " ظلمات ورعد وبرق " " وعلى أمم ممن معك " " وما منا إلا له مقامٌ معلوم " وإذا أدغمت أدغمت بغنة والطاء والضاد والظاء إذا أدغمن أدغمن بإطباق وقد قلبن إلى لفظ ما أدغمن فيه البتة وما بقى رائحة الإطباق ولا يخرج الحرف من أن يكون قد قلب إلى لفظ ما بعده لأن شرط الإدغام أن يتماثل فيه الحرفان فجرى الإطباق بعد الإدغام في قلة الاعتداد به مجرى الإشمام الذي لا حكم له حتى صار الحرف الذي هو فيه في حكم الساكن البتة فالنون أدغم في الميم لاشتراكهما في الغنة والهوى في الفم ثم إنهم حملوا الواو على الميم فأدغموا فيها النون لأن الواو ضارعت الميم بأنها من الشفة وإن لم تكن النون من الشفة ثم إنهم أيضا حملوا الياء على الواو في هذا لأنها ضارعتها في المد وإن لم تكن معها من الشفة فأجازوا إدغام النون في الياء فالميم نحو قوله: " ممن معك " والياء نحو قوله: " ظلمات ورعد وبرق " والياء نحو قوله: " ومن الناس من يقول " فلما جاز حمل الواو على الميم ثم حمل الياء على الواو فيما ذكرنا كذلك أيضا جاز أن تحمل الكسرة على الضمة في امتناع إشمامها شيئا من الضمة فإما إظهارهم النون في نحو قوله: " قنوان دانية " وقوله: " صنوان وغير صنوان " وقوله: " منكم من يريد الدنيا " وقوله: شاة زنماء وأنملة وإنما أظهروها مخافة أن يشتبه بالمضاعف.
فإن قال قائل: ولم جاز الإدغام في انمحى وهلا بينت النون فقيل: انمحى كما قالوا: زنماء وزنم وكما قالوا: أنملة وأنمار ونحو ذلك قيل: قد كان القياس في زنماء وزنم وأنملة وأنمار ونحوها أن تدغم النون في الميم لأنها ساكنة قبل الميم ولكن لم يجز ذلك لئلا تلتبس الأصول بعضها ببعض فلو قالوا زماء لا لتبس بباب: زممت الناقة ولو قالوا أملة لالتبس بباب أملت ولو قالوا أمار لالتبس بباب أمرت كما بينوا في نحو: منيه وأنول وقنوان وقنو لئلا يلتبس منه بباب مى و أنول يفعول وفوعل من باب ما فاؤه همزة وعينه واو و قنوان و قنو بباب قو وقوة فرفض الإدغام في هذا ونحوه مخافة الالتباس ولم يخافوا في امحى الكتاب أن يلتبس بشيء ولأنه ليس في كلام العرب شيء على افعل ولم يأت في كلامهم نول ساكنة بتشديد الفاء ولهذا قال الخليل في انفعل من وجلت: أوجل وقالوا من رأيت: ارأى ومن لحن: الحن لأنه ليس في الكلام افعل ولم يأت في كلامهم نون ساكنة قبل راء ولا لام نحو: قنر وعنل لأنه إن أظهره ثقل جدا وإن أدغمه التبس بغيره ومن أجل ذلك امتنعوا أن يبينوا مثل عنسل و عنبس من شرب وعلم وما كان مثلها بما عينه راء ولام لأنه إن بين فقال: شنرب وعنلم ثقل جدا وإن أدغم فقال: شرب وعلم التبس بفعل.