إعراب القرآن للسيوطي/الثامن والثلاثون
الثامن والثلاثون ما جاء في التنزيل من اسم الفاعل
الذي يتوهم فيه جريه على غير من هو له ولم يبرز فيه الضمير وربما احتج به الكوفي ونحن لا نجيز ذلك لأنا نقول: أن اسم الفاعل إذا جرى على غير من هوله خبراً أو صفة أو حالاً أو صلة وجب إبراز الضمير فيه.
فمن ذلك قوله تعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها.
فقوله خالدين حال من المجرور ب على أي: أولئك عليهم لعنة الله خالدين فيها فقد جرى على غير من هوله فلم يبرز فيه الضمير.
ومن قال: إنه حال من اللعنة لمكان الكناية المتصلة به وهو فيها لم يصح لأنه حينئذ جرى على اللعنة والفعل لغيرها فوجب أن يبرز فيه الضمير وكان يجيء: خالدين فيها هم.
ومثله: أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها وهو على هذا الخلاف.
ومثله: يدخل النار خالداً فيها لا يكون خالداً فيها صفة للنار لأنه لم يقل: خالداً فيها هو وإنما حال من الهاء في يدخله أي: يدخله ناراً مقدراً الخلود فيها كما قال: فتبسم ضاحكاً من قولها أي: مقدراً الضحك من قولها.
وأما قوله: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها لا يكون خالداً حالاً من الهاء في جزاؤه لأنه أخبر عن المصدر بقوله جهنم فيكون الفصل بين الصلة والموصول ولا يكون حالاً من جهنم لمكان فيها لأنه لم يبرز الضمير ألا ترى أن الخلود ليس فعل جهنم فإذا هو محمول على مضمر أي: يجزاه خالداً فيها.
ونظيره في الحديد: بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
وقال: جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
قال أبو علي: بشراكم اليوم جنات أي: حلول جنات أو: دخول جنات لأن البشرى حدث والجنة عين ولا تكون هي هي وإذا كان كذلك لم تخل خالدين من أن تكون حالاً من بشراكم أو من المصدر المحذوف في اللفظ المراد في المعنى فلا يجوز أن يكون من بشراكم على معنى: تبشرون خالدين لئلا يفصل بين الصلة والموصول فإذا كان كذلك قدرت الحال من الدخول المحذوف من اللفظ المثبت في التقدير ليكون المعنى عليه كأنه: دخول جنات خالدين أي: مقدر بين الخلود مستقبلاً كقوله: فادخلوها خالدين.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون الحال مما دل عليه البشرى كما كان الظرف متعلقاً بما دل عليه المصدر في قوله تعالى: إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون كأنهم يبشرون خالدين فالقول: إن ذلك لا يمتنع فيما ذكرت من الظرف إذ كان الظرف أسهل من الحال ألا ترى أن الحال هو المفعول به في المعنى فلا يحسن أن يعمل فيه مالا يعمل في المفعول به ومن ثم اختلفا في امتناع تقديم الحال إذا كان العامل فيها بمعنى ولم يمتنع ذلك في الظرف وقد جعلنا الظرف متعلقاً بالبشرى وإن لم تقدره كذلك ولكن إن جعلت الظرف خبراً جاز ذلك ويكون جنات بدلاً من البشرى على أن حذف المصدر المضاف مقدر ويكون خالدين على الوجهين اللذين تقدم ذكرهما.
ومثله في التغابن: ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
خالدين حال من الهاء العائدة إلى من وحمل على المعنى فجمع.
ومثله في الطلاق: خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً.
وفي التوبة موضعان: أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وبعده: ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
وفي آل عمران: للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً.
وفي النساء: والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
وفي المائدة: فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
خالدين حال من المفعول دون جنات.
وفي التوبة: وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة.
فهذا ونحوه على الخلاف الذي قدمناه.
قال: أن لهم أجراً حسناً ماكثين فيه أبداً.
ف ماكثين حال من الهاء والميم وعندهم صفة ل الأجر.
فأما قوله: إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هم ببالغه أي: ما الماء ببالغ فيه.
وإن شئت: ما فوه ببالغ الماء ولا يكون: و ما فوه ببالغه الماء ويكون الضميران ل فيه وفاعل بالغ الماء لأنه يكون جارياً على فيه وهو للماء والمعنى: إلا كاستجابة كفيه إلى الماء وكما أن بسؤال نعجتك ومن دعاء الخير لم يذكر معهما الفاعل واللام متعلق ب البسط.
فأما قوله: وما هو ببالغه أي: ما الماء بالغ فاه من كفيه مبسوطتين.
ويمكن أن يكون هو في قوله: وما هو ببالغه ضميراً ل باسط أي: ما الباسط كفيه إلى الماء بالبالغ الماء أي: ليس ينال الماء بيده فإذا لم ينل الماء لبعده عنه مع بسطه الكفين فأن لا يبلغ فاه مع هذه الصورة على الامتناع أولى.
وقيل: إن الذي يدعو الماء ليبلغ إلى فيه وما الماء ببالغ إليه.
وقيل: إنه كالظمآن يرى خياله في الماء وقد بسط كفيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه لكذب ظنه وفساد توهمه. عن ابن عباس.
وقيل: إنه كباسط كفيه إلى الماء ليفيض عليه فلا يحصل في كفيه شيء منه.
وعن الفراء: إن المراد بالماء هاهنا البئر لأنها معدن للماء وإن المثل: كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء.
وأما قوله تعالى: فظلت أعناقهم لها خاضعين.
فقد قال الفراء: إن خاضعين جرى حالاً عن المضاف إليهم دون الأعناق فجمع جمع السلامة ولو جرى على الأعناق لقيل: خاضعة.
وليس الأمر كما قال لأنه لم يقل: خاضعين هم ولكن الأعناق بمعنى الرؤساء.
وإن شئت كان محمولاً على حذف المضاف أي: فظلت أصحاب أعناقهم فحذف المضاف.
وأما قوله: إلى طعام غير ناظرين إناه.
فهو نصب على الحال من الضمير في قوله: لا تدخلوا بيوت النبي ولم يجر وصفاً ل طعام لأنه لم يقل: غير ناظرين أنتم إناه إذ ليس فعلاً ل طعام.