إعراب القرآن للسيوطي/الحادي والأربعون
الحادي والأربعون ما جاء في التنزيل من إن المكسورة المخففة من إن
وذلك إذا جاءت لزمتها اللام في الخبر كما أن النافية يلزمها إلا في الخبر.
فمن ذلك قوله تعالى: وإن كنتم من قبله لمن الضالين.
قال: وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين.
قال: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين.
قال: إن كنا عن عبادتكم لغافلين.
قال: وإن كاد ليضلنا عن آلهتنا.
قال: وإن كانوا ليقولون لو أن عندنا ذكراً من الأولين فاللام هنا ك إلا.
كقوله: إن الكافرين إلا في غرور.
وقوله: إن هم إلا كالأنعام.
وقوله: إن نظن إلا ظنا.
قال سيبويه: ويكون إن يبتدأ بما بعدها في معنى اليمين وفي اليمين كما قال: إن كل نفس لما عليها حافظ.
وإن كل لما جميع لدينا محضرون.
قال: وحدثني من لا أتهم به أنه سمع عربياً يتكلم بمثل قوله: إن زيداً لذاهب وهي التي في قوله: قال أبو علي: أما إن في الآي فالقول فيها أنها مخففة من الثقيلة وقد دخلت على الفعل مخففة وامتنعت من الدخول عليه مشددة فالجواب أنها امتنعت من ذلك مثقلة لشبهها بالفعل في إحداثها النصب والرفع كما يحدثهما الفعل من حيث لم يدخل الفعل على الفعل لم تدخل هي أيضاً عليه وأصلها أنها حرف تأكيد وإن كان لها هذا الشبه الذي ذكرنا بالفعل فإذا خففت زال شبه الفعل عنها فلم تمتنع من الدخول على الفعل إذ كانت الجمل المخبر بها على وجهين: مبتدأ وخبر وفعل وفاعل وقد تحتاج المركبة من الفعل والفاعل من التأكيد إلى مثل ما تحتاج إليه المركبة من المبتدأ والخبر فدخلت المخففة على الفعل مؤكدة إذ كان أصلها التأكيد وزال المعنى الذي كان امتنع من الدخول على الفعل وهو شبهها به ولزوال شبهها بالفعل اختير في الاسم الواقع بعدها الرفع وجاء أكثر القراءة على ذلك كقوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون و: إن كل نفس لما عليها حافظ فمن حيث اختير الرفع في الاسم الواقع بعدها جاز دخولها على الفعل في الآي التي تلوناها أو غيرها.
وأما اللام التي تجيء بعدها مخففة فهي لأن تفرق بينها وبين إن التي تجيء نافية بمعنى ما كالتي في قول الله تعالى: ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وليست هذه اللام التي تدخل على خبر المشددة التي هي الابتداء لأنه كان حكمها أن تدخل.
على إن فأخرت إلى الخبر لئلا يجتمع تأكيدان إذا كان الخبر هو المبتدأ في المعنى أو ما هو واقع موقعه وراجع إليه فهذه اللام لا تدخل إلا على المبتدأ أو على خبر إن إذا كان إياه في المعنى أو متعلقاً به ولا تدخل من الفعل إلا ما كان مضارعاً واقعاً في خبر إن وكان فعلاً للحال فإذا لم تدخل إلا على ما ذكرنا لم يجز أن تكون هذه اللام التي تصحب إن الخفيفة إياها إذ لا يجوز دخول لام الابتداء على الفعل الماضي وقد وقع بعد إن هذا الفعل نحو إن كاد ليضلنا و: إن وجدنا أكثرهم لفاسقين.
وقد جاءت الأفعال الواقعة بعد إن فعملت فيما بعد اللام ومعلوم أن لام الابتداء التي تدخل في خبر إن الشديدة لا يعمل الفعل الذي قبلها فيما بعدها وذلك قوله: وإن كنا عن عبادتهم لغافلين وقول القائل: هبلتك أمك إن قتلت لفارساً حلت عليك عقوبة المتعمد فلما أعمل الفعل فيما بعده هذه اللام علم من ذلك أنها ليست التي تدخل في خبر إن الشديدة وليست هي التي تدخل على الفعل المستقبل والماضي للقسم نحو: ليفعلن أو لتفعلن.
ولو كانت تلك للزم الفعل الذي تدخل عليه النون يعني: ليفعلن الذي تدخل عليه إحدى النونين فلما لم يلزم النون علم أنها ليست إياها قال الله تعالى: إن كاد ليضلنا وإن كانوا ليقولون فلم يلزم النون.
حكى سيبويه إن هذه النون قد لا تلزم المستقبل في القسم فيقال: والله لتفعل وهم يريدون: لتفعلن.
قال: إلا أن الأكثر على ألسنتهم ما أعلمتك يعني من دخول النون ولا ينبغي أن نقول: إن هذه اللام هي التي في لتفعلن فتحمل الآي التي تلوناها على الأقل في الكلام على أن هذه اللام لو كانت هذه التي ذكرنا أنها للقسم وتدخل على الفعل المستقبل والماضي لم تدخل على الأسماء مثل: وإن كنا عن عبادتكم لغافلين وإن قتلت لفارساً لأن تختص بالدخول على الفعل الماضي أو المستقبل المقسم عليه أو ما يتصل بهما نحو إلى من قوله: لإلى الله تحشرون.
والدليل على ذلك أنها لا تعلق الأفعال الملغاة قبل إن إذا وقعت في خبرها كما تعلقها التي تدخل على الأسماء.
فقد ثبت بما ذكرنا أن هذه اللام الداخلة على خبر إن المخففة التي تدخل في خبر إن المشددة ولا هي التي تدخل على الفعل المستقبل والماضي في القسم لكنها تلزم إن هذه لتفصل بينها وبين التي بمعنى ما النافية ولو أدخلت شيئاً من الأفعال المعلقة على إن المكسورة المخففة من الثقيلة وقد نصبت واللام في خبرها.
لم تعلق الفعل قبلها من أجل اللام كما تعلقه مع لام الابتداء لأن هذه اللام قد ثبت أنها ليست تلك فإذا لم تكن تلك لم تعلق الفعل الملغى كما تعلقه لام الابتداء.
فهذه حقيقة إن هذه المخففة واللام التي تلحق معها عندي ويدل على أن هذه اللام ليست التي للابتداء أن تلك تدخل على الخبر نفسه التي لا تستغنى أو يكون قبل الخبر ويكون الأول في المعنى أو ما يقوم مقام ما هو الأولى في المعنى أو تدخل على الاسم نفسه إذا فصل بين إن واسمها ولا تدخل على الفضلات وما ليس بالكلام افتقار إليه كما دخلت هذه في قوله لفارساً ونحوه فلو أدخلت علمت على مثل: إن وجدك زيداً لكاذباً.
لوجب انفتاح إن إذ ليس في الكلام شيء يعلق الفعل عنها ولم يجب أن يكون في إن ضمير القصة من هذه المسألة كما تقول أن في مثل قوله: علم أن سيكون ضمير لأن هذا الضمير إنما يكون في أن المخففة من أن الشديدة وليست هذه تلك إنما هي أن التي كانت قبل دخول الفعل عليه أن التي لا تمتنع من الدخول عليه وهي ثقيلة وكما تقول في حال انكسارها نحو: إن كاد ليضلنا إنه لا ضمير فيه كذلك تقول في حال انفتاحها بعد الفعل: إنه لا ضمير فيها.
والوجه أن تقول: إنه لا ضمير فيه في نحو: إن كاد ليضلنا وإنه دخل على الفعل كما دخل على الاسم لأنه حرف وضعه التأكيد فالصنفان جميعاً يؤكدان وإنما امتنع من الدخول على الفعل في حال التثقيل لشبهه بالفعل وكما لم يدخل فعل على فعل كذلك لم تدخل هذه مثقلة عليه وهذه العلة زائلة عنها في حال التخفيف فيجب أن تدخل عليها فإذا قلنا: علمت أن قد وجدك زيد لكاذباً لم تدخل اللام كما كانت تدخل قبل دخول علمت ولم يمنع الفعل من فتح أن شيء وارتفعت الحاجة إليها مع دخول علمت لأن علمت يفتحها إذ لا مانع لها من فتحها فإذا فتحتها لم تلتبس بإن التي ينفي بها ولولا فتحها إياها لاحتيج إلى اللام لأن علمت من المواضع التي يقع فيها النفي كما وقع بعد ظننت في نحو قوله: وظنوا ما لهم من محيص.
فلو بقيت إن على كسرتها بعد علمت للزمتها اللام وكان ذلك واجباً لتخليصها من النفي فإذا لم تبق على الكسرة فلا ضرورة إلى اللام فإن شئت قلت: إذا أدخلت علمت عليها حذفت اللام لزوال المعنى الذي كانت اللام اجتلبت له وإن شئت قلت.
أتركها ولا أحذفها فتكون كالأشياء التي تذكر تأكيداً من غير ضرروة إليه وذلك كثير في الكلام.
فأما قول أبي الحسن: ويدخل على من زعم أن هاهنا ضميراً أن تقول له: كيف تصنع.
إلى آخر الباب فذلك من قوله يدل على انه جعل اللام التي في نحو: إن وجدت زيداً لكاذباً لام ابتداء وقد بينا فساد ذلك وكيف يجوز أن تكون هذه لام الابتداء وقد دخلت في نحو قوله: وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين وليس في هذا الكلام شيء يصلح أن تدخل عليه لام الابتداء البته ولا يوجد فيها شرطه ووصفه وقد بينا ذلك ولا يصلح أن يكون في إن هذه ضمير من حيث ذكرت قبل.
وأما قوله تعالى: وإن كلا لما ليوفينهم من خفف إن ونصب بها كلا فهو الذي حكاه سيبويه ومن قال: وإن كلا لما فشدد كان لما مصدراً لقوله: كلا لما لكنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
وأما قوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون وإن كل نفس لما عليها حافظ فشدد وكذلك: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا فشدد قوم وأما من خفف فسهل سائغ وإن على قراءته هي المخففة من الثقيلة المكسورة الهمزة المعملة عمل الفعل وهي إذا خففت لزمتها اللام لتفصلها من النافية وتخلصها منها ولهذا المعنى جاءت هذه اللام وقد تكون ما صلة.
فأما من ثقل فقال لما قيل: إن لما بمنزلة: إلا.
قال سيبويه: وسألت الخليل عن قولهم: أقسمت عليك إلا فعلت ولم فعلت لم جاز هذا في هذا الموضع وإنما أقسمت هاهنا كقولك: والله فقال: وجه الكلام ب لمتفعلن هاهنا ولكنهم أجازوا هذا لأنهم شبهوه ب نشدتك الله إذ كان فيه معنى الطلب.
قال أبو علي: ففي هذا إشارة من سيبويه إلى أنهم استعملوا لما حيث يستعملون فيه إلا.
وقال قطرب: حكاه لنا الثقة يعني كون لما بمعنى إلا.
وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: لا أعرف جهة التثقيل.
وقال الفراء في قوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون الوجه التخفيف ومن ثقل: إن شئت طفت علماء علة حاتم والوجه الآخر من التثقيل أن تجعلوا لما بمنزلة إلا مع إن خاصة فتكون في مذهبها.
وقال أبو عثمان المازني فيما حكاه عنه أبو إسحاق: الأصل لما فثقل.
فهذا ما قيل في تثقيل لما من هذه الآي الثلاث أعني قوله: وإن كل لما جميع وقوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا وقوله: إن كل نفس لما عليها حافظ.
ويجوز أن يتأول على هذا الذي قيل من أن معنى لما ك إلا على أن يكون إن فيها هي النافية لا يمتنع ذلك في شيء منها.
فأما قوله: وإن كلا لما ليوفينهم فلا يجوز فيه هذا التأويل ولا يسوغ ألا ترى أنك لو قلت: إن زيداً إلا لمنطلق لم يكن لدخول إلا مساغ ولا مجاز.
فإن قال: أو ليس قد دخلت إلا بين المبتدأ وخبره في المعنى فيما حكاه سيبويه من قولهم: ليس الطيب إلا المسك وإن مثل ليس في دخولها على المبتدأ وخبره قيل.
إنه ذكر: أن قوماً يجرون ليس مجرى ما كما أجروها مجراها فقولهم: ليس الطيب إلا المسك كقولهم: ما الطيب إلا المسك ألا تراهم رفعوا المسك كما يرتفع خبر ما في نحو ذا ولم يتأول سيبويه ليس على أن فيه ضمير القصة والحديث لما كان لا يرى في هذا التأويل من إدخال إلا بين المبتدأ والخبر فلا مساغ لتثقيل لما في هذه الآية على انه يكون بمنزلة إلا.
فأما ما قاله الفراء من قوله: إن هي لمن ما ثم حذفت إحدى الميمات لكثرتهن فلا تخلو ما هذه التي قدرها هاهنا من أن تكون زائدة أو موصولة فلا يسهل أن تكون موصولة لأن التقدير يكون: لمن الذين هم جميع لدينا محضرون.
وقلت: قولي هم جميع لدينا صلة الذين والذين مع صلته بمنزلة اسم واحد في صلة من ومحضرون خبر ما الذي بمعنى الذي والاسم وخبره صلة من فقولك غير جائز لأن من على هذا لم يرجع من صلته إليه شيء فهذا التقدير في هذه الآية غير متأت.
وأما قوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا فلا يجوز فيه ذلك أيضاً ألا ترى أنك إن قدرت ما زائدة كان المعنى: وزخرفاً وإن كل ذلك متاع الحياة الدنيا.
والزخرف وما قبله من المذكور لا يكون من في المعنى فلا يكون من المتاع.
فهذا قول ساقط مستكره لانكساره وتجويز مالا يجاز فيه حيث يوجد لتأويله مجاز وإن كان غير هذا الوجه من حذف الحرف من من وحذفه غير سائغ لأن أقصى أحوالها أن تكون كالمتمكنة والمتمكنة إذا كانت على حرفين لم تحذف إنما تحذف من الثلاثة لتصير على حرفين فإذا بلغ ذلك لم يكن بعده موضع حذف هذا على إن من غير متمكنة والحذف فيها وفي ضربها غير موجود.
فأما لدن فهو على ثلاثة أضرب وقد قلنا فيه فيما تقدم وكذلك ما قالوه من قولهم: و الله خالط من سلمى خياشم وفا موضع ضرورة فأما ما ذكره الفراء من الحذف من لمن ما كالحذف من قولهم علما.
فالذي نقول: إن الحذف أحد ما تخفف به الأمثال إذا اجتمعت وهو على ضربين: أحدهما: أن يحذف الحرف مع جواز الإدغام كقولهم: بخ بخ في: بخٍ بخٍ.
والآخر أن يحذف لامتناع الإدغام في الحرف المدغم فيه لسكونه وإن الحركة غير متأتية فيه مثل علما أو لأن الحرف المدغم يتصل بحرف إذا أدغم فأسكن لزم تحريك ما قبله وهو مما لا يتحرك مثل يسطيع فلا يشبه قولهم علما إذا أرادوا: على الماء ما شبهه به لو أريد به: لمن ما لأنك لو أدغمت اللام من على في التي للتعريف للزم تحريكها وهي ما يلزمه السكون ولذلك اجتلبت معها همزة الوصل فلما كان كذلك حذفت اللام الأولى وليس كذلك لمن ما ألا ترى إن الحرف المدغم فيه هنا متحرك وليس بساكن فلا يشبه هذا ما شبهه به.
فإن قلت: اجعله مما ذكرته مما يحذف الحرف فيه مع جواز الإدغام ك بخ قيل: هذا يمتنع من وجهين: أحدهما: إنه منفصل وبخ متصل والمنفصل في الإدغام ليس كالمتصل إذ لا يلزم لزومه وإن التقدير باتصاله الانفصال ألا ترى أنك تظهر مثل: جعل لك و: قعد داود ونحوه من المنفصل ولو كان متصلاً لم يجز إلا الإدغام وكما لم يستثقل اجتماع الأمثال لما كان التقدير بها الانفصال في هذه الأشياء كذلك لا يستثقل في لمن ما اجتماع وأيضاً فإذا لم يدغم مثل: قوم موسى من أدغم مثل: جعل لك لكراهية تحريك الساكن في المنفصل فأن يكره الحذف أولى لأن التغيير بنقل حركة ثابتة في الحرف أسهل من حذف حرف بكثير ألا ترى إلى كثرة ما ينقلون من الحركات للإدغام في المتصل وقلة حذف الحرف للإدغام في المتصل فإذا امتنعوا من الكثير الذي أنس به في المتصل كان أن يمتنعوا من القليل الذي لم يأنسوا به في المنفصل أولى.
والآخر: أن الحذف في هذا قياساً على بخ لا يجوز لما أعلمتك من قلته وأنا لا نعلم له مثلاً فلا مساغ للحمل على هذا الضيق القليل مع ما ذكرته لك من الفصل بين المنفصل والمتصل وعلى أن بخ ليس لنا أن نقول إنه حذف لاجتماع المثلين دون أن تجعله محذوفاً على حد بناء جاء على علته غيره من ذوات الثلاثة المحذوفة لأنها كحذف د دٍ ونحو ذلك فقول الفراء في هذا فاسد في المعنى من حيث أريتك وفي اللفظ لما ذكرته من امتناع حذف من قبل الإدغام وبعد الإدغام.
وقول المازني أيضاً ليس بالجديد لأن الحروف يخفف مضاعفها ك أن ورب ونحو ذلك ولا ينقل إلى أنه أقرب إلى الصواب لأن الدخل فيه من جهة اللفظ دون المعنى فأما ما حكوه من كون لما بمعنى إلا فمقبول ويحتمل أن تكون الآي الثلاثة عليه كما أعلمتك وتكون إن النافية.
قال: وقد رأينا نحن في ذلك قولاً لم أعلم أحداً تقدمنا فيه وهو أن تكون لما هذه في قول من شدد في هذه الآي لم النافية دخلت عليها ما فهيأتها للدخول على ما كان يمتنع دخولها عليه قبل لحاق ما لها ونظير ذلك: إنما أنذركم بالوحي ولعلما أنت حالم وما أشبهه وربما أوفيت.
ألا ترى أنها هيأت الحرف للدخول على الفعل فكأنه في التقدير: إن كل نفس لما عليها أي: ليس كل نفس إلا عليها حافظ نفياً لقول من قال: كل نفس ليس عليها حافظ أي: كل نفس عليها حافظ.
ف إن على هذا التقدير تكون النافية الكائنة بمعنى ما والقراءة بالتثقيل على هذا تطابق القراءة بالتخفيف لأن المعنى يؤول إلى: كل نفس عليها حافظ مثل قوله: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب إلا أنه أكد ب إن والقراءة بالتخفيف لما أسهل مأخذاً وأقرب متناولاً.
وأما تقدير قوله: وإن كل لما جميع لدينا محضرون كأنه قيل: كل ما جميع لدينا محضرون على ما كانوا ينكرونه من أمر البعث حتى حمل عظيم إلى النبي - صلى الله عليه وعلى آله - فقيل له: أترى الله يحيي هذا بعد ما رم وكما حكي في التنزيل من قولهم: أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون في كثير من الآي تحكي عنهم أنهم ينكرون فيها البعث فقيل لهم: كل ما جميع لدينا محضرون نفي لقولهم: كلهم ليس يجمعون عند الله ولا ينشرون.
وأما قوله: وإن كل ذلك لما متاع الحياة فكأنه قيل: كل ذلك ليس متاع الحياة الدنيا فنفى ذلك بأن قيل: ليس ذلك متاع وإذا نفي أنه كله ليس متاع الحياة الدنيا أي: ليس شيء من ذلك للكافر يقربه إلى الله وإلى الدار الآخرة إنما هو متاع الدنيا والعاجلة.
وأما قوله: لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين قيل: التقدير: ما كنا فاعلين وليست إلا معها.
فأما قوله: قل إن كان للرحمن ولد فقد قيل: قل إن كان للرحمن ولد وتم الكلام.
ثم قال: فأنا أول العابدين على أنه لا ولد له.
وقيل: إن كان للرحمن ولد على الشرط فأنا أول العابدين على انه لا ولد له صح وثبت ولا يكون ذلك أبداً كما قال عيسى: إن كنت قلته فقد علمته أي إن صح وثبت أني كنت قلته فيما مضى فقد علمته.