إعراب القرآن للسيوطي/الثاني والستون
(الثاني والستون) باب ما جاء في التنزيل من إجراء غير اللازم مجرى اللازم وإجراء اللازم مجرى غير اللازم
فمن ذلك قوله: " وهو بكل شيءٍ عليم " وقوله: " فهي كالحجارة ".
جعلوا الواو من قوله " وهو " والفاء من قوله " فهي " بمنزلة حرف من الكلمة فاستجازوا إسكان الهاء تشبيها ب فخذ و كبد لأن الفاء والواو لا ينفصلان منهما.
ومثله لام الأمر من قوله: " وليوفوا نذورهم وليطوفوا ".
استجازوا إسكانها لاتصالها بالواو فأما: " ثم ليقطع " وقوله " ثم هو " فمن أسكن اللام والهاء معها أجراها مجرى أختيها ومن حركها فلأنها منفصلة عن اللام والهاء.
قال أبو علي: قد قالت العرب: لعمري و: رعملى فقلبوا لما عدوا اللام كأنها من الكلمة كما قلبوا قسيا ونحو ذلك وكذلك قول من قال: كاء في قوله: " وكأين من نبى " و " كأين من قرية " أبدل الألف من الياء كما أبدلها في طيئ " طاء.
ونحو ذلك.
ومثل ذلك " ويخش الله ويتقه " لما كان يتقه مثل علم.
ومن ذلك قوله: " الذي جعل لكم الأرض فراشاً " وقوله: " ويجعل لك قصورا " ولما كان مثلين من كلمتين استجازوا الإدغام كما استجازوه في نحو: رد ومد.
وقد قالوا: لم يضربها ملق فامتنعوا من الإمالة لمكان المستعلى وإن كان منفصلا كما امتنعوا من إمالة نافق ونحوه من المتصلة.
ومن ذلك قوله: " ولو شاء الله ما اقتتل الذين " و " ولو شاء الله ما اقتتلوا ".
فهذا بيانه نحوٌ من بيان سبب تلك و " جعل لك " إلا أنه أحسن من قوله: الحمد لله العلي الأجلل وبابه لأن هذا إنما يظهر مثله في صورةٍ وإظهار نحو " اقتتل " مستحسن وعن غير ضرورةٍ وكذلك قوله: " أتحاجوننا في الله " و " أتمدونني بمال " و " فبم تبشرون " وما أشبه ذلك وكذلك: يضربونني وهم يضربانني أجرى مجرى: يضربان نعمان ويشتمون نافعا ووجه الشبه بينهما أن نون الإعراب هذه لا يلزم أن يكون بعدها نون الأتراك تقول: يضربان زيداً ويكرمونك ومن أدغم نحو هذا واحتج بأن المثلين في كلمة واحدة فقال: يضرباني وقل أتحاجونا فإنه يدغم أيضا نحو اقتتل.
فيقول: قتل ومنهم من يقول: اقتتل فيثبت همزة الوصل مع حركة الفاء لما كانت الحركة عارضة للنقل أو للالتقاء الساكنين وهذا مبين في فصل الإدغام.
ومن ضد ذلك قولهم: ها الله أجرى مجرى: دابة و شابة.
وكذلك قراءة من قرأ: " ولا تيمموا " " ولا تفرقوا " " واذكروا " " ولا تعاونوا على الإثم " وقوله: " فتفرق بكم عن سبيله " في نيف وثلاثين موضعا أدغم التاء الأولى في الثانية وجعل ما ليس من الكلمة كأنهما واحد.
ومثله: " وإن أدري أقريبٌ ما توعدون " هذا كما أنشدوه من قوله: من أي يومي من الموت أفر أيوم لم يقدر ام يوم قدر والقول فيه أنه أراد: أيوم لم يقدر أم يوم قدر ثم خفف همزة أم فحذفها.
وألقى فتحتها على لم يقدر فصار تقديره: أيوم لم يقدر ثم أشبع فتحة الراء فصار تقديره: لم يقدر ام فحرك الألف لالتقاء الساكنين فانقلبت همزة فصار: يقدر أم واختار الفتحة إتباعا لفتحة الراء.
ونحو من هذا التخفيف قولهم في المرأة و الكمأة إذا خففت الهمزة: المراة و الكماة وهذا إنما يجوز في المتصل.
ومن ذلك قوله: " لكنا هو الله ربي ".
" لكنا أصله: لكن أنا فخففت الهمزة فحذفها وألقيت حركتها على نون لكن فصارت " لكنا " فأجرى غير اللازم مجرى اللازم فاستثقل التقاء المثلين متحركين.
فأسكن الأول وأدغم الثاني فصار " لكنا " كما ترى.
وقياس قراءة من قرأ " قالوا الآن " فحذف الواو ولم يحفل بحركة اللام أن يظهر النونين هناك لأن حركة الثانية غير لازمة فقوله " لكننا " بالإظهار كما يقول في تخفيف حوأبة و جيأل: حوية وجيل فيصبح حرفا اللين هنا لا يقلبان لما كانت حركتهما غير لازمة.
ومثله قوله: " قالوا لان ".
لأن قوله: " عاداً لولى " من أثبت التنوين في عاد ولم يدغمها في اللام.
فلأن حركة اللام غير معتد بها لأنها نقلت إليها من همزة أولى فاللام في تقدير السكون وإن تحركت فكما لا يجوز الإدغام في الحرف الساكن فكذا لا يدغم في هذه اللام.
و " عادا " على لغة من قال: ألحمر فأثبت همزة الوصل مع تحرك اللام لأنها غير معتد بها.
ومن قال: " عاد لولى " فأدغم فإنه قد اعتد بحركة اللام فأدغم كما أن من قال: " قالوا لان " أثبت الواو اعتداداً بحركة اللام.
ومثله قوله تعالى: " إنا إذاً لمن الآثمين " من اعتد بحركة اللام أسكن النون ومن لم يعتد حرك النون.
ومن ذلك قوله تعالى: " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب " حرك النون من " يكن " لالتقاء الساكنين ولم يعتد بها لأنها في تقدير السكون ولو كان الاعتداد بها لأعاد ما حذف من أجله وهو الواو.
وقال أبو علي: فإن قلت: فقد اعتدوا بتحريك التقاء الساكنين في موضع آخر وذلك قوله: " لم يكن الذين كفروا " ألا ترى أن من يقول: لم يك زيد منطلقا إذا تحرك لالتقاء الساكنين لم يحذف كما أنه إذا تحرك بحركة الإعراب لم يحذف فالقول إن ذلك أوجه من الأول من حيث كثر في الاستعمال وجاء به التنزيل فالاحتجاج به أقوى.
فأما حذف الشاعر له مع تحريكها بهذه الحركة كما يحذفها إذا كانت ساكنة فإن هذه الضرورة من رد الشيء إلى أصله نحو يعنى بحذف الشاعر له قوله: لم يك الحق على أن هاجه رسم دارٍ قد تعفى بالسرر وقد ذكرنا في المستدرك أن هذا ليس بلغة من قال: لم يكن وإنما من لغة من قال: " أو لم تك تأتيكم " و " ولا تك في ضيق " وما أشبه ذلك.
ومن ذلك قوله: " وقل الحق من ربكم " و " قل اللهم مالك الملك " و " قم الليل " " قل الله " " وإنا أو إياكم ".
يعتد بكسرة اللام والميم فلم يرد المحذوف كما اعتد بها في قوله: " فقولا له قولا لينا " " فقولا إنا رسول رب العالمين " فرد المحذوف لما اعتد بفتح اللام.
ومن قرأ: " فقلا له قولاً لينا " حمله على قوله: " وقل الحق من ربكم " فإن قلت: إنهم قد اعتدوا بحركة التقاء الساكنين في قوله: " عليهم الذلة " و " من دونهم امرأتين " و " إليهم اثنين ".
فيمن قرأ بضم الهاء إنما ضموا تبعا لضم الميم.
وهي لالتقاء الساكنين وعلى ما قدمت تلك حركة لا اعتداد بها فكيف أتبعها الهاء قيل: إن من ضم الهاء أراد الوفاق بين الحركتين.
وهم مما يطلبون المطابقة فكأنهم اعتدوا لأجل هذا المعنى بحركة التقاء الساكنين.
فمن ذلك قوله تعالى: " وقد خلت القرون من قبلي ".
و " قد خلت النذر ".
وقوله: زنت الأمة وبغت الأمة فحذفوا الألف المنقلبة عن اللام لسكونها وسكون تاء التأنيث ولما حركت التاء لالتقاء الساكنين لم ترد الألف ولم تثبت كما لم تثبت في حال سكون التاء وكذلك: لم يخف الرجل ولم يقل القوم ولم يبع.
ومن ذلك قولهم: اضرب الاثنين واكتب الاسم فحركت اللام من افعل بالكسرة لالتقاء الساكنين ثم لما حركت لام المعرفة من الاسم والاثنين لم تسكن اللام من افعل كما لم تسكنها في نحو: اضرب القوم لأن تحريك اللام لالتقاء الساكنين فهي في تقدير السكون.
ومن ذلك قوله تعالى: " ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم " وقوله: " حتى يقولا إنما نحن فتنة " وقوله: " هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله " وقوله: " ألم تعلموا أن أباكم " فحذفوا النون في هذه المواضع كما حذفوا الألف والواو والياء السواكن إذا كن لامات من حيث عودلن بالحركة ولو كانت حركة النون معتدّاً بها لحذفت هي من دون الحرف كما فعل ذلك بسائر الحروف المتحركة إذا لحقها الجزم ويدل على ذلك أيضا اتفاقهم على أن المثلين إذا تحركا ولم يكونا للإلحاق أو شاذا عن الجمهور أدغموا الأول في الآخر وقالوا اردد ابنك واشمم الريحان فلم يدغموا في الثاني إذا تحرك لالتقاء الساكنين كما لم يدغموه قبل هذا التحريك فدل ذلك على أن التحريك لا اعتداد به عندهم.
ومن ذلك قوله تعالى: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " و " لا تنسوا الفضل بينكم ".
لم يهمزوها كما همزوا: أقتت وأجوه لما لم يعتد بحركة التقاء الساكنين.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا تقصص رؤياك على إخوتك ".
وقوله: " قد صدقت الرؤيا ".
وقولهم: نوى.
قالوا في تخفيف ذلك كله: رويا ونوى فيصح الواو هنا وإن سكنت قبل الياء من قال: إن التقدير فيهما الهمزة كما صحت في: ضو ونو تخفيف ضوء ونوء لتقديرك الهمز وإرادتك إياه.
وكذلك أيضا صح نحو: شي وفى في: شيء وفيء كذلك