إعراب القرآن للسيوطي/التاسع والعشرون
التاسع والعشرون ما جاء في التنزيل صار الفصل فيه عوضاً عن نقصان لحق الكلمة
وذلك إنما يجئ في أكثر الأحوال في باب المؤنث فيقولون: قامت هند فإذا فصلوا بينهما قالوا: قام اليوم هند.
فمن ذلك قراءة أكثرهم: ولا يقبل منها شفاعة قالوا: إن التذكير أحسن لمكان الفصل وقد قرئ أيضاً بالتاء ولم يعتد بالفصل.
كما قال: وتغشى وجوههم النار.
وقال: وأخذت الذين ظلموا الصيحة.
وقال: فأخذتهم الرجفة.
وقال: ولم تكن له فئة ينصرونه فيمن قرأ بالتاء.
وقال: وتكون لكما الكبرياء فيمن قرا بالتاء وهم الأئمة السبعة إلا حماداً رواه عن عاصم بالياء.
وقال: فأخذتهم الرجفة.
وقال: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها.
وقال: أو لك تأتهم بينة ما في الصحف الأولى.
وقال: لا تحل لك النساء فيمن قرأ بالتاء.
هذه الآي ونحوها لم يعتد فيها بالفصل كما اعتد به في قوله: وأخذ الذين ظلموا الصيحة في هود.
وقوله: يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك في آي كثيرة اعتد فيها بالفصل.
ومما اعتد فيه بالفصل قوله تعالى: ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون لم تدخل النون هنا لأنها إنما تدخل فتفصل هذه من لام الابتداء.
قال أبو علي في قوله: ص والقرآن ذي الذكر وهو يبطل قول الفراء: إن قوله كم أهلكنا جواب القسم وإن التقدير: لكم أهلكنا قال: هذا لا يجوز لأن اللام على هذا الحد داخلة على الفضلة.
ثم قال: فإن قال قائل: ما ننكر أن تكون اللام التي دخلت على الأفعال مرادة في كم محذوفة لطول الكلام وإن دخولها في كم العامل فيه أهلكنا بمنزلة دخولها على إلى المتعلقة بالفعل المنتصبة الموضع به في قوله: لإلى الله تحشرون.
وكما جاز دخولها على الجار المنتصب الموضع كذلك يجوز دخولها على كم المنتصبة الموضع.
ثم قال: الجواب عندي أن التقدير بهذه اللام في قوله: لإلى الله تحشرون.
ألا ترى أن القسم إنما وقع على أنهم يحشرون لا على الجار والمجرور وإنما دخلت اللام على الحرف الجار لتقدمه عليه ولم تدخل إحدى النونين على الفعل لوقوعه على الحرف وجاز دخولها على الحرف في كلا الموضعين إذ المراد به التأخير كما جاز دخول لام الابتداء في مثل: إن زيداً لطعامك آكل إذ المراد به التأخير إلى الخبر.
فإذا كان التقدير ما ذكرنا لم يجز أن يكون كم أهلكنا بمنزلة لإلى الله تحشرون في جواز دخول اللام عليها كدخولها في كم إذا كان دخولها في قوله لإلى الله تحشرون بمنزلة دخولها على الفعل وعلى حسب ما تكون عليه هذه اللام في سائر مواضعها ومتصرفاتها فليس يسوغ تقدير دخولها على الفعل في كم والفصل الذي وقع بين اللام وبين تحشرون صار عوضاً عن دخول النون.
ومما يجري مجرى الفصل: المفعول الواقع بين المعطوف و المعطوف عليه في نحو قوله: فاستقم كما أمرت وقوله: فأجمعوا أمركم وشركاءكم.
صار المفعول هنا عوضاً عن إبراز الضمير في نحو قوله: اذهب أنت وربك وهكذا قال: ما أشركنا ولا آباؤنا.