مجموع الفتاوى/المجلد السابع/فصل: الوجه الثاني ظنهم أن ما في القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط
فصل: الوجه الثاني ظنهم أن ما في القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط
[عدل]الوجه الثاني: من غلط المرجئة: ظنهم أن ما في القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط، دون أعمال القلوب؛ كما تقدم عن جهمية المرجئة.
الثالث: ظنهم أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال؛ ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه، بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له. والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة، ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر؛ ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها لعدم تحقق الارتباط الذي بين البدن والقلب مثل أن يقولوا: رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر، وهو لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم رمضان، ويزني بأمه وأخته، ويشرب الخمر نهار رمضان، يقولون: هذا مؤمن تام الإيمان، فيبقى سائر المؤمنين ينكرون ذلك غاية الإنكار.
قال أحمد بن حنبل: حدثنا خَلَف بن حَيَّان، حدثنا مَعْقِل بن عبيد الله العبسي قال: قدم علينا سالم الأفطس بالإرجاء، فنفر منه أصحابنا نفورا شديدا، منهم ميمون بن مِهْران، وعبد الكريم بن مالك، فإنه عاهد الله ألاّ يؤويه وإياه سقف بيت إلا المسجد، قال معقل: فحججت فدخلت على عطاء بن أبي رَبَاح في نفر من أصحابي وهو يقرأ {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ} 1 قلت: إن لنا حاجة فأخلنا، ففعل، فأخبرته أن قومًا قبلنا قد أحدثوا وتكلموا وقالوا: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، فقال: أو ليس الله تعالى يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 2، فالصلاة والزكاة من الدين، قال: فقلت: إنهم يقولون: ليس في الإيمان زيادة، فقال: أوليس قد قال الله فيما أنزل: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ} 3 هذا الإيمان. فقلت: إنهم انتحلوك، وبلغني أن ابن ذَرٍّ دخل عليك في أصحاب له، فعرضوا عليك قولهم فقبلته، فقلت هذا الأمر، فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو، مرتين أو ثلاثًا ثم قال: قدمت المدينة فجلست إلى نافع فقلت: يا أبا عبد الله، إن لي إليك حاجة، فقال: سر أم علانية؟ فقلت: لا، بل سر. قال: رب سر لا خير فيه، فقلت: ليس من ذلك، فلما صلينا العصر قام وأخذ بثوبي، ثم خرج من الخوخة ولم ينتظر القاص، فقال: حاجتك؟ قال: فقلت: أخلني هذا. فقال: تنح، قال: فذكرت له قولهم. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أمرت أن أضربهم بالسيف حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عَصَمُوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحَقِّها وحسابهم على الله» قال: قلت: إنهم يقولون: نحن نقر بأن الصلاة فرض ولا نصلي، وبأن الخمر حرام ونشربها، وأن نكاح الأمهات حرام ونحن ننكح. فنثر يده من يدي وقال: من فعل هذا فهو كافر.
قال مَعْقِل: فلقيت الزهري فأخبرته بقولهم. فقال: سبحان الله ! وقد أخذ الناس في هذه الخصومات، قال رسول الله ﷺ: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» قال معقل: فلقيت الحكم بن عتبة فقلت له: إن عبد الكريم وميمونا بلغهما أنه دخل عليك ناس من المرجئة، فعرضوا بقولهم عليك فقبلت قولهم، قال: فقبل ذلك على ميمون، وعبد الكريم؟ لقد دخل علي اثنا عشر رجلا وأنا مريض، فقالوا: يا أبا محمد، بلغك أن رسول الله ﷺ أتاه رجل بأمة سوداء، أو حبشية، فقال: يا رسول الله، على رقبة مؤمنة، أفترى هذه مؤمنة؟ فقال لها رسول الله ﷺ: «أتشهدين أن لا إله إلا الله؟». فقالت: نعم. قال: «وتشهدين أن محمدا رسول الله؟». قالت: نعم، قال: «وتشهدين أن الجنة حق والنار حق». قالت: نعم، قال: «وتشهدين أن الله يبعثك من بعد الموت؟». قالت: نعم، قال: «فأعتقها فإنها مؤمنة»، فخرجوا وهم ينتحلون ذلك. قال معقل: ثم جلست إلى ميمون بن مِهْران، فقلت: يا أبا أيوب، لو قرأت لنا سورة ففسرتها، قال: فقرأ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} حتى إذا بلغ: {مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} 4 قال: ذاكم جبريل، والخيبة لمن يقول: إن إيمانه كإيمان جبريل، ورواه حنبل عن أحمد، ورواه أيضا عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: لقد أتى علي بُرْهَة من الدهر وما أراني أدرك قومًا يقول أحدهم: إني مؤمن مستكمل الإيمان، ثم ما رضي حتى قال: إيماني على إيمان جبريل وميكائيل، وما زال بهم الشيطان حتى قال أحدهم: إني مؤمن وإن نكح أخته وأمه وبنته، والله لقد أدركت كذا وكذا من أصحاب النبي ﷺ، ما مات أحد منهم إلا وهو يخشى النفاق على نفسه، وقد ذكر هذا المعنى عنه البخاري في صحيحه، قال: أدركت ثلاثين من أصحاب محمد ﷺ كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إيمانه كإيمان جبريل.
وروى البغوي عن عبد الله بن محمد عن ابن مجاهد قال: كنت عند عطاء بن أبي رَبَاح، فجاء ابنه يعقوب فقال: يا أبتاه، إن أصحابا لي يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل، فقال: يا بني، ليس إيمان من أطاع الله كإيمان من عصى الله.
قلت: قوله عن المرجئة: إنهم يقولون: إن الصلاة والزكاة ليستا من الدين، قد يكون قول بعضهم، فإنهم كلهم يقولون: ليستا من الإيمان، وأما من الدين فقد حكى عن بعضهم أنه يقول: ليستا من الدين، ولا نفرق بين الإيمان والدين، ومنهم من يقول: بل هما من الدين ويفرق بين اسم الإيمان واسم الدين، وهذا هو المعروف من أقوالهم التي يقولونها عن أنفسهم. ولم أر أنا في كتاب أحد منهم أنه قال: الأعمال ليست من الدين، بل يقولون: ليست من الإيمان، وكذلك حكى أبو عبيد عمن ناظره منهم، فإن أبا عبيد وغيره يحتجون بأن الأعمال من الدين، فذكر قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} 5 أنها نزلت في حجة الوداع. قال أبو عبيد: فأخبر أنه إنما كمل الدين الآن في آخر الإسلام في حجة النبي ﷺ، وزعم هؤلاء أنه كان كاملا قبل ذلك بعشرين سنة من أول ما نزل عليه الوحي بمكة حين دعا الناس إلى الإقرار، حتى قال: لقد اضطر بعضهم حين أدخلت عليه هذه الحجة. . . إلى أن قال: إن الإيمان ليس بجميع الدين، ولكن الدين ثلاثة أجزاء: الإيمان جزء، والفرائض جزء، والنوافل جزء.
قلت: هذا الذي قاله هذا هو مذهب القوم، قال أبو عبيد: وهذا غير ما نطق به الكتاب، ألا تسمع إلى قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإِسْلاَمُ} 6، وقال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} 7، وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} 8 فأخبر أن الإسلام هو الدين برمته، وزعم هؤلاء أنه ثلث الدين. قلت: إنما قالوا: إن الإيمان ثلث، ولم يقولوا: إن الإيمان ثلث الدين، لكنهم فرقوا بين مسمى الإيمان ومسمى الدين، وسنذكر إن شاء الله تعالى الكلام في مسمى هذا ومسمى هذا. فقد يحكى عن بعضهم أنه يقول: ليستا من الدين ولا يفرق بين اسم الإيمان والدين، ومنهم من يقول: بل كلاهما من الدين، ويفرق بين اسم الإيمان واسم الدين، والشافعي رضي الله عنه كان معظمًا لعطاء بن أبي رباح، ويقول: ليس في التابعين أتبع للحديث منه، وكذلك أبو حنيفة قال: ما رأيت مثل عطاء، وقد أخذ الشافعي هذه الحجة عن عطاء. فروى ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي: حدثنا أبي، حدثنا ميمون، حدثنا أبو عثمان بن الشافعي، سمعت أبي يقول ليلة للحميدي: ما يحتج عليهم يعني أهل الإرجاء بآية أَحَجُّ من قوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 9.
وقال الشافعي رضي الله عنه في كتاب الأم في باب النية في الصلاة: يحتج بألا تجزئ صلاة إلا بنية بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات» ثم قال: وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاث إلا بالآخر.
وقال حنبل: حدثنا الحميدي قال: وأخبرت أن ناسا يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئًا حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحدا إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقرا بالفرائض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصُّرَاح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآية. وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله، ورد على أمره وعلى الرسول ما جاء به عن الله.
قلت: وأما احتجاجهم بقوله للأمة: «اعتقها فإنها مؤمنة» فهو من حججهم المشهورة، وبه احتج ابن كُلاَّب، وكان يقول: الإيمان هو التصديق والقول جميعا، فكان قوله أقرب من قول جهم وأتباعه، وهذا لا حجة فيه؛ لأن الإيمان الظاهر الذي تجري عليه الأحكام في الدنيا لا يستلزم الإيمان في الباطن الذي يكون صاحبه من أهل السعادة في الآخرة، فإن المنافقين الذين قالوا: {آمَنَّا بِالله وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ} 10 هم في الظاهر مؤمنون يصلون مع الناس، ويصومون ويحجون ويغزون، والمسلمون يناكحونهم ويوارثونهم كما كان المنافقون في عهد رسول الله ﷺ، ولم يحكم النبي ﷺ في المنافقين بحكم الكفار المظهرين للكفر، لا في مناكحتهم ولا موارثتهم ولا نحو ذلك، بل لما مات عبد الله بن أبيّ بن سَلُول وهو من أشهر الناس بالنفاق ورثه ابنه عبد الله وهو من خيار المؤمنين، وكذلك سائر من كان يموت منهم يرثه ورثته المؤمنون، وإذا مات لأحدهم وارث ورثوه مع المسلمين.
وقد تنازع الفقهاء في المنافق الزنديق الذي يكتم زندقته، هل يَرِث ويُورَث؟ على قولين، والصحيح: أنه يرث ويُورَث وإن علم في الباطن أنه منافق، كما كان الصحابة على عهد النبي ﷺ؛لأن الميراث مبناه على الموالاة الظاهرة، لا على المحبة التي في القلوب، فإنه لو علق بذلك لم تمكن معرفته، والحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها، وهو ما أظهره من موالاة المسلمين فقول النبي ﷺ: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» لم يدخل فيه المنافقون وإن كانوا في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، بل كانوا يُورَثون ويَرِثون، وكذلك كانوا في الحقوق والحدود كسائر المسلمين، وقد أخبر الله عنهم أنهم يصلون ويزكون ومع هذا لم يقبل ذلك منهم فقال: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِالله وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } 11، وقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ الله وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ الله إِلاَّ قَلِيلا} 12. وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال: «تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يَرْقُب الشمسَ حتى إذا كانت بين قَرْنَي شيطان قام فَنَقَرَ أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا»، وكانوا يخرجون مع النبي ﷺ في المغازي، كما خرج ابن أُبَي في غزوة بني المُصْطَلقَ، وقال فيها: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} 13.
وفي الصحيحين عن زيد بن أرقم قال: خرجنا مع النبي ﷺ في سفر أصاب الناس فيها شدة، فقال عبد الله بن أُبَيّ لأصحابه: لا تنفقوا على مَنْ عند رسول الله حتى ينفضُّوا من حوله، وقال: {لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}، فأتيت النبي ﷺ فأخبرته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي، فسأله فاجتهد يمينه ما فعل، وقالوا: كذب زيد يا رسول الله، فوقع في نفسي مما قالوا شدة، حتى أنزل الله تصديقي في {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ}، فدعاهم النبي ﷺ ليستغفر لهم، فَلَوَّوْا رؤوسهم. وفي غزوة تبوك استنفرهم النبي ﷺ كما استنفر غيرهم، فخرج بعضهم معه وبعضهم تخلفوا، وكان في الذين خرجوا معه من هَمَّ بقتله في الطريق، هموا بحل حزام ناقته ليقع في واد هناك، فجاءه الوحي، فأسَرَّ إلى حذيفة أسماءهم، ولذلك يقال: هو صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، كما ثبت ذلك في الصحيح. ومع هذا ففي الظاهر تجري عليهم أحكام أهل الإيمان.
وبهذا يظهر الجواب عن شبهات كثيرة تورد في هذا المقام، فإن كثيرا من المتأخرين ما بقى في المظهرين للإسلام عندهم إلا عدل أو فاسق، وأعرضوا عن حكم المنافقين، والمنافقون ما زالوا ولا يزالون إلى يوم القيامة، والنفاق شعب كثيرة، وقد كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم.
ففي الصحيحين عن النبي ﷺ قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّثَ كذب، وإذا وَعَدَ أخْلَف، وإذا ائْتُمِنَ خان»، وفي لفظ مسلم: «وإن صام وصلَّى وزَعَم أنه مسلم»
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ أنه قال: «أربع من كُنَّ فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه شُعْبَة منهن كانت فيه شعبة من النفاق حتى يَدَعَها: إذا حَدَّث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا عاهد غَدَرَ، وإذا خاصم فَجَرَ».
وكان النبي ﷺ أولا يصلي عليهم ويستغفر لهم، حتى نهاه الله عن ذلك فقال: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} 14، وقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} 15، فلم يكن يصلى عليهم ولا يستغفر لهم، ولكن دماؤهمْ وأموالهم معصومة لا يستحل منهم ما يستحله من الكفار الذين لا يظهرون أنهم مؤمنون، بل يظهرون الكفر دون الإيمان، فإنه ﷺ قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا قالوها عَصَمُوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»، ولما قال لأسامة ابن زيد: «أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟» قال: إنما قالها تَعَوُّذا. قال: «هَلاَّ شَقَقْتَ عن قلبه؟» وقال: «إني لم أومر أن أنقِّبَ عن قلوب الناس، ولا أشُقَّ بطونهم» وكان إذا استؤذن في قتل رجل يقول: «أليس يصلي، أليس يتشهد؟» فإذا قيل له: إنه منافق. قال: «ذاك».
فكان حكمه ﷺ في دمائهم وأموالهم كحكمه في دماء غيرهم، لا يستحل منها شيئًا إلا بأمر ظاهر، مع أنه كان يعلم نفاق كثير منهم، وفيهم من لم يكن يعلم نفاقه، قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} 16، وكان من مات منهم صلي عليه المسلمون الذين لا يعلمون أنه منافق، ومن علم أنه منافق لم يُصَلِّ عليه، وكان عمر إذا مات ميت لم يصل عليه حتى يصلى عليه حذيفة؛ لأن حذيفة كان قد علم أعيانهم، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} 17 فأمر بامتحانهن هنا وقال: {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}.
والله تعالى لما أمر في الكفارة بعتق رقبة مؤمنة، لم يكن على الناس ألا يعتقوا إلا من يعلموا أن الإيمان في قلبه، فإن هذا كما لو قيل لهم: اقتلوا إلا من علمتم أن الإيمان في قلبه. وهم لم يؤمروا أن ينقبوا عن قلوب الناس ولا يشقوا بطونهم، فإذا رأوا رجلا يظهر الإيمان جاز لهم عتقه، وصاحب الجارية لما سأل النبي ﷺ: هل هي مؤمنة؟ إنما أراد الإيمان الظاهر الذي يفرق به بين المسلم والكافر، وكذلك من عليه نذر، لم يلزمه أن يعتق إلا من علم أن الإيمان في قلبه، فإنه لا يعلم ذلك مطلقا، بل ولا أحد من الخلق يعلم ذلك مطلقا. وهذا رسول الله ﷺ أعلم الخلق، والله يقول له: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ}. فأولئك إنما كان النبي ﷺ يحكم فيهم كحكمه في سائر المؤمنين، ولو حضرت جنازة أحدهم صلى عليها، ولم يكن منهيا عن الصلاة إلا على من علم نفاقه، وإلا لزم أن ينقب عن قلوب الناس ويعلم سرائرهم، وهذا لا يقدر عليه بشر.
ولهذا لما كشفهم الله بسورة براءة بقوله: {منهم}، {منهم} صار يعرف نفاق ناس منهم لم يكن يعرف نفاقهم قبل ذلك، فإن الله وصفهم بصفات علمها الناس منهم، وما كان الناس يجزمون بأنها مستلزمة لنفاقهم، وإن كان بعضهم يظن ذلك وبعضهم يعلمه، فلم يكن نفاقهم معلوما عند الجماعة، بخلاف حالهم لما نزل القرآن؛ ولهذا لما نزلت سورة براءة كتموا النفاق وما بقى يمكنهم من إظهاره أحيانا ما كان يمكنهم قبل ذلك، وأنزل الله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ الله فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} 18، فلما توعدوا بالقتل إذا أظهروا النفاق، كتموه. ولهذا تنازع الفقهاء في استتابة الزنديق. فقيل: يستتاب. واستدل من قال ذلك بالمنافقين الذين كان النبي ﷺ يقبل علانيتهم ويكل أمرهم إلى الله. فيقال له: هذا كان في أول الأمر، وبعد هذا أنزل الله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} فعلموا أنهم إن أظهروه كما كانوا يظهرونه قتلوا، فكتموه.
والزنديق: هو المنافق، وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق، قالوا: ولا تعلم توبته؛ لأن غاية ما عنده أنه يظهر ما كان يظهر، وقد كان يظهر الإيمان وهو منافق، ولو قبلت توبة الزنادقة لم يكن سبيل إلى تقتيلهم، والقرآن قد توعدهم بالتقتيل.
والمقصود أن النبي ﷺ إنما أخبر عن تلك الأمة بالإيمان الظاهر الذي علقت به الأحكام الظاهرة، وإلا فقد ثبت عنه أن سعدا لما شهد لرجل أنه مؤمن قال: «أو مسلم» وكان يظهر من الإيمان ما تظهره الأَمَة وزيادة، فيجب أن يفرق بين أحكام المؤمنين الظاهرة التي يحكم فيها الناس في الدنيا، وبين حكمهم في الآخرة بالثواب والعقاب؛ فالمؤمن المستحق للجنة لابد أن يكون مؤمنا في الباطن باتفاق جميع أهل القبلة، حتى الكَرَّامية الذين يسمون المنافق مؤمنا ويقولون: الإيمان هو الكلمة، يقولون: إنه لا ينفع في الآخرة إلا الإيمان الباطن. وقد حكى بعضهم عنهم أنهم يجعلون المنافقين من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، إنما نازعوا في الاسم لا في الحكم بسبب شبهة المرجئة؛ في أن الإيمان لا يتبعض ولا يتفاضل؛ ولهذا أكثر ما اشترط الفقهاء في الرَّقَبَةِ التي تجزئ في الكفارة العمل الظاهر، فتنازعوا: هل يجزئ الصغير؟ على قولين معروفين للسلف، هما روايتان عن أحمد، فقيل: لا يجزئ عتقه؛ لأن الإيمان قول وعمل، والصغير لم يؤمن بنفسه إنما إيمانه تَبَعٌ لأبويه في أحكام الدنيا، ولم يشترط أحد أن يعلم أنه مؤمن في الباطن، وقيل: بل يجزئ عتقه؛ لأن العتق من الأحكام الظاهرة وهو تبع لأبويه، فكما أنه يرث منهما ويصلي عليه، ولا يصلي إلا على مؤمن، فإنه يعتق.
وكذلك المنافقون الذين لم يظهروا نفاقهم، يصلى عليهم إذا ماتوا، ويدفنون في مقابر المسلمين من عهد النبي ﷺ، والمقبرة التي كانت للمسلمين في حياته وحياة خلفائه وأصحابه يدفن فيها كل من أظهر الإيمان وإن كان منافقا في الباطن، ولم يكن للمنافقين مقبرة يتميزون بها عن المسلمين في شيء من ديار الإسلام، كما تكون لليهود والنصارى مقبرة يتميزون بها، ومن دفن في مقابر المسلمين صلى عليه المسلمون، والصلاة لا تجوز على من علم نفاقه بنص القرآن، فعلم أن ذلك بناء على الإيمان الظاهر، والله يتولى السرائر، وقد كان النبي ﷺ يصلي عليهم ويستغفر لهم حتى نهى عن ذلك، وعلل ذلك بالكفر، فكان ذلك دليلا ًعلى أن كل من لم يعلم أنه كافر بالباطن جازت الصلاة عليه والاستغفار له، وإن كانت فيه بدعة، وإن كان له ذنوب.
وإذا ترك الإمام، أو أهل العلم والدين الصلاة على بعض المتظاهرين ببدعة أو فجور زجرا عنها، لم يكن ذلك محرما للصلاة عليه والاستغفار له، بل قال النبي ﷺ فيمن كان يمتنع عن الصلاة عليه وهو الغَالُّ وقاتل نفسه والمَدِين الذي لا وفاء له: «صلوا على صاحبكم». وروى أنه كان يستغفر للرجل في الباطن وإن كان في الظاهر يدع ذلك زجرًا عن مثل مذهبه، كما روى في حديث مُحَلِّم بن جَثَّامة.
وليس في الكتاب والسنة المظهرون للإسلام إلا قسمان: مؤمن أو منافق، فالمنافق في الدرك الأسفل من النار، والآخر مؤمن، ثم قد يكون ناقص الإيمان فلا يتناوله الاسم المطلق، وقد يكون تام الإيمان، وهذا يأتي الكلام عليه إن شاء الله في مسألة الإسلام والإيمان، وأسماء الفساق من أهل الملة، لكن المقصود هنا أنه لا يجعل أحد بمجرد ذنب يذنبه ولا ببدعة ابتدعها ولو دعا الناس إليها كافرا في الباطن، إلا إذا كان منافقا. فأما من كان في قلبه الإيمان بالرسول وما جاء به وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع، فهذا ليس بكافر أصلا، والخوارج كانوا من أظهر الناس بدعة وقتالا للأمة وتكفيرا لها، ولم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع.
وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة، من كان منهم منافقا فهو كافر في الباطن، ومن لم يكن منافقا، بل كان مؤمنا بالله ورسوله في الباطن، لم يكن كافرا في الباطن، وإن أخطأ في التأويل كائنا ما كان خطؤه؛ وقد يكون في بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذي يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار. ومن قال: إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفرا ينقل عن الملة، فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة، فليس فيهم من كفر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة، وإنما يكفر بعضهم بعضا ببعض المقالات، كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع.
وإنما قال الأئمة بكفر هذا؛ لأن هذا فرض ما لا يقع، فيمتنع أن يكون الرجل لا يفعل شيئًا مما أمر به من الصلاة والزكاة والصيام والحج، ويفعل ما يقدر عليه من المحرمات، مثل الصلاة بلا وضوء وإلى غير القبلة، ونكاح الأمهات، وهو مع ذلك مؤمن في الباطن، بل لا يفعل ذلك إلا لعدم الإيمان الذي في قلبه؛ ولهذا كان أصحاب أبي حنيفة يكفرون أنواعا ممن يقول كذا وكذا؛ لما فيه من الاستخفاف، ويجعلونه مرتدا ببعض هذه الأنواع مع النزاع اللفظي الذي بين أصحابه وبين الجمهور في العمل: هل هو داخل في اسم الإيمان أم لا؟ ولهذا فرض متأخرو الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها وهي: أن الرجل إذا كان مقرا بوجوب الصلاة فدعى إليها وامتنع، واستتيب ثلاثا مع تهديده بالقتل فلم يصل حتى قتل، هل يموت كافرا أو فاسقًا؟ على قولين.
وهذا الفرض باطل، فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على تركها ويصبر على القتل، ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط، بل ولا يضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، لا ينتهي الأمر به إلى القتل، وسبب ذلك: أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه الإنسان إلا لأمر عظيم، مثل لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين حقا أو باطلا، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطنا وظاهرا، فلا يكون فعل الصلاة أصعب عليه من احتمال القتل قط.
ونظير هذا لو قيل: إن رجلا من أهل السنة قيل له: تَرَضَّ عن أبي بكر وعمر فامتنع عن ذلك حتى قتل مع محبته لهما واعتقاده فضلهما، ومع عدم الأعذار المانعة من الترضي عنهما، فهذا لا يقع قط. وكذلك لو قيل: إن رجلا يشهد أن محمدا رسول الله باطنا وظاهرا وقد طلب منه ذلك، وليس هناك رهبة ولا رغبة يمتنع لأجلها، فامتنع منها حتى قتل، فهذا يمتنع أن يكون في الباطن يشهد أن محمدا رسول الله؛ ولهذا كان القول الظاهر من الإيمان الذي لا نجاة للعبد إلا به عند عامة السلف والخلف من الأولين والآخرين إلا الجهمية جَهْما ومن وافقه فإنه إذا قدر أنه معذور لكونه أخرس، أو لكونه خائفا من قوم إن أظهر الإسلام آذوه ونحو ذلك، فهذا يمكن ألا يتكلم مع إيمان في قلبه، كالمكره على كلمة الكفر، قال الله تعالى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} 19 وَهذه الآية مما يدل على فساد قول جهم ومن اتبعه، فإنه جعل كل من تكلم بالكفر من أهل وعيد الكفار، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} قيل: وهذا موافق لأولها فإنه من كفر من غير إكراه فقد شرح بالكفر صدرا، وإلا ناقض أول الآية آخرها، ولو كان المراد بمن كفر هو الشارح صدره، وذلك يكون بلا إكراه، لم يستثن المكره فقط، بل كان يجب أن يستثنى المكره وغير المكره إذا لم يشرح صدره، وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعا فقد شرح بها صدرا وهي كفر، وقد دل على ذلك قوله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ الله مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} 20. فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب، وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام. والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه، كقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِالله وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا دُعُوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} إلي قوله: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} 21 فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول، وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا، فبين أن هذا من لوازم الإيمان.
هامش
- ↑ [يوسف: 110]
- ↑ [البينة: 5]
- ↑ [الفتح: 4]
- ↑ [التكوير: 1: 21]
- ↑ [المائدة: 3]
- ↑ [آل عمران: 19]
- ↑ [آل عمران: 85]
- ↑ [المائدة: 3]
- ↑ [البينة: 5]
- ↑ [البقرة: 8]
- ↑ [التوبة: 54]
- ↑ [النساء: 142]
- ↑ [المنافقون: 8]
- ↑ [التوبة: 84]
- ↑ [التوبة: 80]
- ↑ [التوبة: 101]
- ↑ [الممتحنة: 10]
- ↑ [الأحزاب: 60: 62]
- ↑ [النحل: 106]
- ↑ [التوبة: 64: 66]
- ↑ [النور: 47: 51]