مجموع الفتاوى/المجلد السابع/كلام محمد بن نصر المروزي على آية حبب إليكم الإيمان
كلام محمد بن نصر المروزي على آية حبب إليكم الإيمان
[عدل]قال محمد بن نصر المروزي: لما كانت المعاصي بعضها كفر، وبعضها ليس بكفر، فرق بينها، فجعلها ثلاثة أنواع: نوع منها كفر، ونوع منها فسوق وليس بكفر، ونوع عصيان وليس بكفر ولا فسوق، وأخبر أنه كَرَّهها كلها إلى المؤمنين، ولما كانت الطاعات كلها داخلة في الإيمان، وليس فيها شيء خارج عنه، لم يفرق بينها فيقول: حبب إليكم الإيمان والفرائض وسائر الطاعات؛ بل أجمل ذلك فقال: «حّبَّبّ إلّيًكٍمٍ الإيمّانّ ». فدخل في ذلك جميع الطاعات؛ لأنه قد حبب إلى المؤمنين الصلاة والزكاة، وسائر الطاعات حب تديّن؛ لأن الله أخبر أنه حبب ذلك إليهم، وزينه في قلوبهم؛ لقوله: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} ويكرهون جميع المعاصي؛ الكفر منها والفسوق، وسائر المعاصي، كراهة تدين؛ لأن الله أخبر أنه كره ذلك إليهم. ومن ذلك قول رسول الله ﷺ: «من سَرَّتْه حَسَنتُه، وساءته سيئته، فهو مؤمن»؛لأن الله حبب إلى المؤمنين الحسنات، وكره إليهم السيئات.
قلت: وتكريهه جميع المعاصي إليهم، يستلزم حب جميع الطاعات؛ لأن ترك الطاعات معصية؛ ولأنه لا يترك المعاصي كلها إن لم يتلبس بضدها، فيكون محبا لضدها وهو الطاعة، إذ القلب لابد له من إرادة، فإذا كان يكره الشر كله، فلابد أن يريد الخير. والمباح بالنية الحسنة يكون خيرا، وبالنية السيئة يكون شرا، ولا يكون فعل اختياري إلا بإرادة؛ ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: «أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدق الأسماء حارث وهمَّام، وأقبحها: حَرْبٌ وَمُرَّة».
وقوله: «أصدق الأسماء حارث وهمام»؛ لأن كل إنسان همام حارث، والحارث الكاسب العامل، والهمام الكثير الهم، وهو مبدأ الإرادة، وهو حيوان، وكل حيوان حساس متحرك بالإرادة، فإذا فعل شيئًا من المباحات؛ فلابد له من غاية ينتهي إليها قصده، وكل مقصود إما أن يقصد لنفسه، وإما أن يقصد لغيره، فإن كان منتهى مقصوده ومراده عبادة الله وحده لا شريك له، وهو إلهه الذي يعبده لا يعبد شيئًا سواه، وهو أحب إليه من كل ما سواه، فإن إرادته تنتهي إلى إرادته وجه الله، فيثاب على مباحاته التي يقصد الاستعانة بها على الطاعة، كما في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «نَفَقَة الرجل على أهله يحتسبها صدقة». وفي الصحيحين عنه أنه قال لسعد بن أبي وقاص لما مرض بمكة وعاده: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة، حتى اللُّقْمَة ترفعها إلى في امرأتك». وقال معاذ بن جبل لأبي موسى: إني أحتسب نَوْمَتِي كما أحتسب قَوْمَتِي. وفي الأثر: نوم العالِم تسبيحٌ.
هامش