مجموع الفتاوى/المجلد السابع/فإن قيل: الصلاة والحج ونحوهما لو ترك بعضها بطلت بخلاف الإيمان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فإن قيل: الصلاة والحج ونحوهما لو ترك بعضها بطلت بخلاف الإيمان[عدل]

فإن قيل: الصلاة والحج ونحوهما لو ترك بعضها بطلت بخلاف الإيمان فإنه لا يبطل عند الصحابة وأهل السنة والجماعة بمجرد الذنب قيل أن إريد بالبطلان أنه لا تبرأ الذمة منها كلها فكذلك الايمان الواجب إذا ترك منه شيئا لم تبرأ الذمه منه كله وان أريد به وجوب الاعادة فهذا ليس على

الإطلاق فإن في الحج واجبات إذا تركها لم يعد، بل تجبر بدم وكذلك في الصلاة عند أكثر العلماء إذا تركها سهوا أو مطلقا وجبت الإعادة فإنما تجب إذا أمكنت الإعادة وإلا فما تعذرت إعادته يبقى مطالبا به كالجمعة ونحوها.

وإن أريد بذلك أنه لا يثاب على ما فعله فليس كذلك بل قد بين النبي في حديث المسىء في صلاته أنه إذا لم يتمها يثاب على ما فعل ولا يكون بمنزلة من لم يصل وفي عدة أحاديث أن الفرائض تكمل يوم القيامة من النوافل فإذا كانت الفرائض مجبورة بثواب النوافل دل على أنه يعتدله بما فعل منها فكذلك الايمان إذا ترك منه شيئا كان عليه فعله ان كان محرما تاب منه وان كان واجبا فعله فإذا لم يفعله لم تبرأ ذمته منه وأثيب على ما فعله كسائر العبادات وقد دلت النصوص على أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان.

وقد عدلت المرجئة في هذا الأصل عن بيان الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم باحسان واعتمدوا على رأيهم وعلى ما تأولوه بفهمهم اللغة، وهذه طريقة أهل البدع ولهذا كان الإمام أحمد يقول: أكثر ما يخطىء الناس من جهة التأويل والقياس. ولهذا تجد المعتزلة والمرجئة والرافضة وغيرهم من أهل البدع يفسرون القرآن برأيهم ومعقولهم وما تأولوه من اللغة ولهذا تجدهم لا يعتمدون على أحاديث النبي والصحابة والتابعين وأئمة المسلمين فلا يعتمدون لا على السنة ولا على إجماع السلف وآثارهم وإنما

يعتمدون على العقل واللغة وتجدهم لا يعتمدون على كتب التفسير المأثورة والحديث وآثار السلف وإنما يعتمدون على كتب الأدب وكتب الكلام التى وضعتها رؤوسهم وهذه طريقة الملاحدة أيضا إنما يأخذون ما في كتب الفلسفة وكتب الأدب واللغة؛ وأما كتب القرآن والحديث والآثار فلا يلتقون اليها. هؤلاء يعرضون عن نصوص الأنبياء إذ هى عندهم لا تفيد

العلم وأولئك يتأولون القرآن برأيهم وفهمهم بلا آثار عن النبي وأصحابه وقد ذكرنا كلام أحمد وغيره في انكار هذا وجعله طريقة أهل البدع. وإذا تدبرت حججهم وجدت دعاوى لا يقوم عليها دليل والقاضى أبو بكر الباقلاني نصر قول جهم في مسألة الإيمان متابعة لأبي الحسن الأشعرى وكذلك أكثر أصحابه فأما أبو العباس القلانسى وأبو على الثقفي، وأبو عبدالله بن مجاهد شيخ القاضى أبي بكر وصاحب أبي الحسن فإنهم نصروا مذهب السلف وابن كلاب نفسه والحسين بن الفضل البجلي ونحوهما كانوا يقولون: هو التصديق والقول جميعا موافقة لمن قاله من فقهاء الكوفيين كحماد بن أبي سليمان، ومن اتبعه مثل أبي حنيفة وغيره.


هامش



مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد السابع
كتاب الإيمان الكبير | الفرق بين الإيمان والإسلام | تفسير الإيمان في حديث وفد عبد القيس | تفسير قوله: ألم يأن للذين آمنوا | تفسير قوله: ثم قست قلوبكم | تفسير قوله: إن الذين اتقوا إذا مسهم | فصل: جاءت أحاديث تنازع الناس في صحة الإيمان لأجل ترك واجب | كلام محمد بن نصر المروزي على آية حبب إليكم الإيمان | تفسير آيات فيما أحل وما حرم من الأطعمة | معنى: وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة من خردل | فصل: في لفظ الكفر والنفاق | فصل: في لفظ الصالح والشهيد والصديق | فصل: في لفظ المعصية والفسوق والكفر | فصل: في ظلم النفس | فصل: في لفظ الصلاح والفساد | فصل: فإن قيل تنوع دلالة اللفظ بالإطلاق والتقييد لا يمكن دفعه | بحث في الإطلاق والتقييد والكليات والجزئيات في الأمور العقلية | ومن الأمثلة المشهورة لمن يثبت المجاز في القرآن | فإن قيل: الصلاة والحج ونحوهما لو ترك بعضها بطلت بخلاف الإيمان | فصل في أن أبا الحسن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان | فصل: الذين نصروا مذهب جهم جعلوا الإيمان خصلة من خصال الإسلام | فصل: ومما يدل من القرآن على أن الإيمان المطلق مستلزم للأعمال | فصل: فيما إذا قرن الإسلام بالإيمان | فصل: عطف الشيء على الشيء في القرآن يقتضي المغايرة | فصل: لفظ الإيمان إذا أطلق يراد به ما يراد بلفظ البر | فصل:هذا النوع من نمط أسماء الله وأسماء كتابه وأسماء رسوله وأسماء دينه | فصل: الوجه الثاني ظنهم أن ما في القلب من الإيمان ليس إلا التصديق فقط | فصل: فإن قيل فإذا كان الإيمان المطلق يتناول جميع ما أمر الله به ورسوله | فصل: زيادة الإيمان تعرف من وجوه | فصل: أثبت الله في القرآن إسلاما بلا إيمان | فصل: الألفاظ الموجودة في القرآن والحديث إذا عرف تفسيرها | فصل: ومما يسأل عنه أنه إذا كان ما أوجبه الله من الأعمال الظاهرة أكثر من هذه الخمس | فصل: قال محمد بن نصر: واستدلوا على أن الإيمان هو ما ذكره بالآيات التي تلوناها | من يختصه الله بفضله | سائر أهل الكبائر إيمانهم ناقص | الذين نفى عنهم الرسول الإيمان | اسم الإسلام يتناول أيضا ما هو أصل الإيمان | وقول القائل: أصل الاستسلام هو الإسلام الظاهر | وقول القائل: الطاعات ثمرات التصديق الباطن | تفريق أحمد بين الإسلام والإيمان | جواب أحمد مما نقل عنه في الرد على طوائف المرجئة | دخل في إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين | صار الناس في الإيمان والإسلام على ثلاثة أقوال | فصل: الاستثناء في الإيمان | كتاب الإيمان الأوسط | فصل: حديث سؤال النبي عن الإسلام والإيمان والإحسان | فصل: قول الخوارج الذين يكفرون بمطلق الذنوب ويخلدون في النار | فصل: تنازع الناس في اسم المؤمن والإيمان نزاعا كثيرا | الأصل الثاني: أن شعب الإيمان قد تتلازم | فصل: الإيمان تارة يطلق على ما في القلب من الأقوال القلبية | فصل: التفاضل في الإيمان بدخول الزيادة والنقص فيه يكون من وجوه متعددة | فصل: إذا علم أن الإيمان الذي في القلب من التصديق والحب وغير ذلك يستلزم الأمور الظاهرة | فصل: في الجمع بين الأحاديث التي ذكرت فيها أركان الإسلام الخمسة | فصل: في الإحسان وقوله أن تعبد الله كأنك تراه | فصل: فيما تقدم من القواعد | فصل: لفظ الإسلام يستعمل على وحهين | فصل: أصل الإيمان هو الإيمان بالله ورسوله | سئل: عن الإيمان بالله ورسوله هل فوقه مقام من المقامات أو حال من الأحوال | فصل: في قول القائل: هل تكون صفة الإيمان نورا يوقعه الله في قلب العبد | فصل: في قوله: هل يكون لأول حصوله سبب | فصل: قوله: الأسباب التي يقوى بها الإيمان | فصل: في طريق الوصول إلى ذلك | فصل: الإيمان: هل هو مخلوق أو غير مخلوق | فصل: الاستثناء في الإيمان سنة | فصل: سئل عن معنى حديث إذا زنى العبد خرج منه الإيمان | فصل: سئل عن معنى قوله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر | سئل شيخ الإسلام عن بدعة المرازقة