كتاب الأم/كتاب جراح العمد/ما يكون به القصاص
[قال الشافعي]: رحمه الله: وما قلت إني أقتص به من القاتل إذا صنعه بالمقتول فلولاة المقتول أن يفعلوا بالقاتل مثله وذلك مثل أن يشدخ رأسه بصخرة فيخلى بين ولي المقتول وبين صخرة مثلها ويصير له القاتل حتى يضربه بها عدد ما ضربه القاتل إن كانت ضربة فلا يزيد عليها وإن كانت اثنتين فاثنتين، وكذلك إن كان أكثر فإذا بلغ ولي المقتول عدد الضرب الذي ناله القاتل من المقتول فلم يمت خلى بينه وبين أن يضرب عنقه بالسيف ولم يترك وضربه بمثل ما ضربه به إن لم يكن له سيف وذلك أن القصاص بغير السيف إنما يكون بمثل العدد فإذا جاوز العدد كان تعديا من جهة أنه ليس من سنة القتل وإنما أمكنته من قتله بالسيف؛ لأنه كانت له إفاتة نفسه مع ما ناله به من ضرب فإذا لم تفت نفسه بعدد الضرب أفتها بالسيف الذي هو أوحى القتل. وهكذا إذا كان قتله بخشبة ثقيلة أو ضربة شديدة على رأسه وما أشبه هذا من الدامغ أو الشادخ أمكنت منه ولي القتيل فإن كان الضرب بعصا خفيفة أو سياط رددها حتى تأتي على نفسه لم أمكن منه ولي القتيل؛ لأن الضربة بالخفيف تكون أشد من الضربة بالثقيل وليس هذه ميتة وحية في الظاهر وقلت لولي القتيل: إن شئت أن تأمر من يرفق به فيقال له تحر مثل ضربه حتى تعلم أن قد جئت بمثل ضربه وأخف حتى تبلغ العدد فإن مات وإلا خليت وضرب عنقه بالسيف، وإن كان ربطه، ثم ألقاه في نار أحميت له نار كتلك النار لا أكثر منها وخلى ولي القتيل بين ربطه بذلك الرباط وإلقائه في النار قدر المدة التي مات فيها الملقى فإن مات وإلا أخرج منها وخلي ولي القتيل فضرب عنقه وهكذا إذا ربطه وألقاه في ماء فغرقه أو ربط برجله رحا فغرقه خلي بين ولي القتيل وبينه فألقاه في ماء قدر ذلك الوقت فإن مات وإلا أخرج فضربت عنقه. وإن ألقاه في مهواة خلي بينه وبين ولي القتيل فألقاه في المهواة بعينها أو في مثلها في البعد وشدة الأرض لا في أرض أشد منها فإن مات وإلا ضربت عنقه.
[قال الشافعي]: فإن كان خنقه بحبل حتى قتله خلي بين ولي القتيل وخنقه بمثل ذلك الحبل حتى يقتله إذا كان ما صنع به من القتل الموحي خليت بين ولي القتيل وبينه، وإذا كان مما يتطاول به التلف لم أخل بينه وبينه وقتلته بأوحى الميتة عليه وإذا كان قطع يديه ورجليه من المفصل أو جرحه جائفة أو موضحة أو غير ذلك من الجراح لم يقتص منه ولي القتيل؛ لأن هذا مما لا يكون تلفا وحيا وخلي بين من يقطع الأيدي والأرجل إن أراد ذلك ولي القتيل فقطع يديه ورجليه. ومن يقتص من الجراح فاقتص منه في الجراح فإن مات مكانه وإلا خلي بين ولي القتيل وضرب عنقه، وإن كان القاتل ضرب وسط المقتول بسيف ضربة فأبانه باثنين خلي بين ولي المقتول وبين أن يضربه ضربة بسيف فإن كان القاتل بدأها من قبل البطن خلي ولي القتيل فبدأها من قبل البطن فإن أبانه وإلا أمر بضرب عنقه.
[قال الشافعي]: وما خلي بين ولي المقتول وبينه من هذا الضرب فضرب في موضع غيره منع الضرب فيما يستقبل وأمر غيره ممن يؤمن عليه به وسواء كان ذلك في ضرب عنقه أو وسطه أو غيره كأن أمر بأن يضرب عنقه فضرب كتفيه أو ضرب رأسه فوق عنقه ليطول الموت عليه، فإذا قطع الرجل يدي الرجل ورجليه وجنى عليه جناية فمات من تلك الجنايات أو بعضها فلأوليائه الخيار بين القصاص أو الدية فإن اختاروا الدية وسألوا أن يعطوا أرش الجراحات كلها والنفس أو أرش الجراحات دون النفس لم يكن ذلك لهم وكانت لهم دية واحدة تكون الجراحات ساقطة بالنفس إذا كانت النفس من الجراحات أو بعضها. وهكذا لو جنى عليه رجلان أو ثلاثة فلم تلتئم الجراحة حتى مات فاختاروا الدية كانت لهم دية واحدة، ولو برئ في المسألتين معا أو كان غير ضمن من الجراح، ثم مات قبل أن تلتئم الجراح أو بعد التئامها فسأل ورثته القصاص من الجراح أو أرشها كلها أخذ الجاني بالقصاص أو أرشها كلها وإن كانت ديات كثيرة؛ لأنها لم تصر نفسا وإنما هي جراح ولو اختلف الجاني وورثة المجني عليه فقال: الجاني مات منها وقال ورثة المجني عليه: لم يمت منها كان القول قول ورثة المجني عليه مع أيمانهم وعلى الجاني البينة بأنه لم يزل منها ضمنا حتى مات أو ما أشبه ذلك مما يثبت موته منها ولو قطع رجل يده وآخر رجله وجرحه آخر، ثم مات فقال ورثته: برئ من جراح أحدهم ومات من جراح الآخر فإن صدقهم الجانون فالقول ما قالوا وعلى الذي مات من جراحه القصاص في النفس أو الأرش وعلى الذي برأت جراحته القصاص من الجراح أو دية الجراح وإن صدقهم الذي قال إن جراحه برأت وكذبهم الذي قال إن جراحه لم تبرأ فقال بل مات من جراح الذي زعمت أن جراحه برأت وبرأت جراحي فالقول قوله مع يمينه، ولا يلزمه القتل أبدا ولا النفس حتى يشهد الشهود أن المجروح لم يزل مريضا من جراح الجارح حتى مات ولو قال مات من جراحنا معا فمن قتل اثنين بواحد جعل على الذي أقر القتل فإن أرادوا أن يأخذوا منه الدية لم يجعل عليه إلا نصفها؛ لأنه يقول إنه مات من جراحنا معا.