كتاب الأم/كتاب جراح العمد/باب الشهادة في العفو
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إذا مات المجني عليه في النفس أو غيرها فشهد أحد ورثته أن أحدهم عفا القصاص أو عفا المال والقصاص فلا سبيل إلى القصاص كان الشاهد ممن تجوز شهادته أو لا تجوز شهادته إذا كان بالغا وارثا للمقتول؛ لأن في شهادته إقرارا أن دم القاتل ممنوع وإن لم تكن تجوز شهادته أحلف الشهود عليه ما عفا المال وكانت له حصته من الدية ولا يحلف ما عفا القصاص؛ لأنه لا سبيل إلى القصاص ولا أحلفه على ما إذا حلف عليه لم أطرح عنه بيمينه ما شهد به عليه. [قال الشافعي] ولو كان ممن تجوز شهادته حلف القاتل مع شهادته له أنه عفا عنه المشهود عليه القصاص بالمال وبرئ من حصة المشهود عليه من الدية وأخذ من بقي من الورثة منهم حصصهم من الدية.
ولو شهد شاهدان على الوارث أنه قال قد عفوت عن دم أبي أو عفوت عن فلان دم أبي أو عفوت عن فلان تباعتي في دم أبي أو عفوت عن فلان ما يلزمه لأبي أو ما يلزمه لي من قبل أبي كان هذا كله عفوا للدم ولم يكن عفوا لحصته من الدية حتى يبين فيقول: قد عفوت عنه الدم والدية أو الدم وما يلزمه من المال ولو شهدوا أنه وصل كلامه فقال: قد عفوت عن القصاص والعقوبة في الذمة لم يكن هذا عفوا للمال حتى يقول: قد عفوت عنه الدم والمال الذي يلزمه لأبي، وكذلك لو قال قد عفوت عنه دما وما يلزمه؛ لأنه قد يرى العقوبة تلزمه وليس هذا عفوا للمال حتى يسميه.
[قال الشافعي]: ولو وصل فقال: قد عفوت عنه الذي يلزمه في دم أبي من قصاص وعقوبة في مال لم يكن عفوا عن الدية حتى يقول: ما يلزمه لي من المال أو ما يلزمه من المال؛ لأنه قد يجهل فيرى أن عليه أن يحرق له مال أو يقطع أو يعاقب فيه فالدية ليست عقوبة وعليه في هذا كله اليمين ما عفا الدية ولو شهد اثنان من الورثة على الاثنين وشهد الاثنان المشهود عليهما على الشاهدين عليهما أنهم عفوا الدية والقصاص كانت شهادتهم جائزة وليس في شيء من شهادتهم ما يجرون به إلى أنفسهم ولا يدفعون به عنها؛ لأنه قد كان لكل واحد منهم عفو الدم وإن لم يرضه صاحبه وليست تصير حصة واحد منهم عفوا إلى صاحبه فيكون جارا بها إلى نفسه شيئا.
[قال الشافعي]: وإذا كان للدم وليان: أحدهما غائب أو صغير أو حاضر لم يأمره بالقتل ولم يخيره فعدا أحد الوليين فقتل قاتل أبيه ففيها قولان: أحدهما لا قصاص بحال.
[قال الشافعي]: وإنما يسقط من قال هذا - القود عنه إذا لم يجمع ورثة المقتول عليه للشبهة وإن قول الله عز وجل: {فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} يحتمل أي ولي قتل كان أحق بالقتل وقد كان يذهب إلى هذا أكثر مفتي أهل المدينة فيقولون لو قتل رجل له مائة ولي فعفا تسعة وتسعون كان للباقي الذي لم يعف القود وينزل منزلة الحد يكون للرجل فيموت فيعفو أحد بنيه أن للآخر القيام به فبهذا أسقط من قال هذا القصاص عن القاتل والتعزير إن كان ممن يجهل وإن كان ممن لا يجهل عزر بالتعدي بالقتل دون غيره من ولاة الدم، ثم قيل لولاة الدم معه لكم حصة من الدية فإن عفوتموها تركتم حقكم وإن أردتم أخذها فهي لكم والقول ممن يأخذونها واحد من قولين: أحدهما أنها لهم في مال القاتل ويرجع بها ورثة القاتل في مال قاتله ومن قال هذا قال إن عفوا عن القاتل الدية رجع ورثة قاتل المقتول على قاتل صاحبهم بحصة الورثة معه من الدية.
[قال الشافعي]: القول الثاني أنها للورثة في مال أخيهم؛ لأنه قاتل أبيهم؛ لأن الدية إنما كانت تلزمه لو كان لم يقتله ولي فإذا قتله ولي يدرأ عنه القصاص فلا يجتمع عليه القتل ويوجب الدية في ماله.
[قال الشافعي]: والقول الثاني أن على من قتل من الأولياء قاتل أبيه القصاص حتى يجتمعوا على القتل وإذا قتل الرجل الرجل فقال قتل ابني أو رجلا أنا وليه طلب بالبينة فإن أقامها بأنه قتله عمدا عزر ولم يكن عليه عقل ولا قود ولا كفارة وإن لم يقمها اقتص منه.
ولو قتل رجل له وليان فقتل أحدهما قاتل أبيه وادعى أن الولي معه أذن له أحلف الولي المدعى عليه فإن حلف كان له نصيبه من الدية على ما وصفت وإن نكل حلف المدعى عليه وبرئ من نصيبه من الدية.
ولو أن رجلا له وليان أو أولياء فعفا أحد أوليائه القصاص، ثم عدا عليه أحد الأولياء فقتله وقال لم أعلم عفو من معي ففيها قولان: أحدهما أن عليه القصاص فإذا اقتص منه فنصيبه من الدية في مال القاتل المقتول الذي اقتص منه والآخر أن يحلف ما علم عفوه، ثم عوقب ولم يقتص منه وأغرم ديته حالة في ماله يرفع عنه منها بقدر نصيبه من دية المقتول الذي هو وارثه وإن لم يحلف حلف أولياء المقتول الآخر لقد علم، ثم في القصاص منه قولان: أحدهما أن يقتص منه والآخر لا قصاص منه ومن قال يقتص منه جعل لورثة المقتول الأول في مال القاتل نصيبهم من الدية وللذي قتل به حصته من الدية لما أخذ منه القصاص.
[قال الشافعي]: فإذا عفا أحد الورثة القصاص فحكم الحاكم لهم بالدية فأيهم قتل القاتل قتل به إلا أن يدع ذلك ورثته.