كتاب الأم/كتاب جراح العمد/تفريع القصاص فيما دون النفس من الأطراف
[قال الشافعي]: رحمه الله القصاص وجهان: طرف يقطع وجرح يبط ولا قصاص في طرف من الأطراف يقطع من مفصل؛ لأنه لا يقدر على القطع من غير المفاصل حتى يكون قطع كقطع بلا تلف يفضي به القاطع إلى غير موضعه.
[قال الشافعي]: وكل نفس قتلتها بنفس، لو كانت قاتلتها أقصصت بينهما ما دون النفس.
[قال الشافعي]: وأقص للرجل من المرأة وللمرأة من الرجل بلا فضل مال بينهما، والعبيد بعضهم من بعض وإن تفاوتت أثمانهم، ولو أن عبدا أو حرا أو كافرا جرح مسلما أقصصت المجروح منه إن شاء؛ لأني أقتله لو قتله، ولو كان الحر المسلم قتل كافرا أو جرحه أو عبدا أو جرحه لم أقصه منه.
[قال الشافعي]: والقصاص من الأطراف باسم لا بقياس من الأطراف فتقطع اليد باليد والرجل بالرجل والأذن بالأذن والأنف بالأنف وتفقأ العين بالعين وتقلع السن بالسن؛ لأنها أطراف، وسواء في ذلك كله كان القاطع أفضل طرفا من المقطوع أو المقطوع أفضل طرفا من القاطع؛ لأنها إفاتة شيء كإفاتة النفس التي تساوي النفس بالحياة والاسم وهذه تستوي بالأسماء والعدد لا بقياس بينهما ولا بفضل لبعضها على بعض.
وإذا قطع الرجل أنف رجل أو أذنه أو قلع سنه فأبانه، ثم إن المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه أو خاط الأنف أو الأذن أو ربط السن بذهب أو غيره فثبت وسأل القود فله ذلك؛ لأنه وجب له القصاص بإبانته.
[قال الشافعي]: وإن لم يثبته المجني عليه، أو أراد إثباته فلم يثبت وأقص من الجاني عليه فأثبته فثبت لم يكن على الجاني أكثر من أن يبان منه مرة، وإن سأل المجني عليه الوالي أن يقطعه من الجاني ثانية لم يقطعه الوالي للقود؛ لأنه قد أتى بالقود مرة إلا أن يقطعه؛ لأنه ألصق به ميتة.
[قال الشافعي]: وإن شق شيئا من هذا فألصقه بدمه لم أكره ذلك له ويشق من الشاق وإن قدر على أن يأتي بمثله ويقول: يلصقه فإن لصق من الشاج ولم يلصق من المشجوج أو من المشجوج، ولم يلصق من الشاج، فلا تباعة لواحد منهما على صاحبه.
[قال الشافعي]: والوجه الثاني من القصاص الجراح بالشق فإذا كان الشق فهو كالجراح يؤخذ بالطول لا باستيظاف طرف.
فإن قطع رجل من رجل طرفا فيه شيء ميت بشلل أو غيره أو شيء مقطوع كأن قطع يده وفيها أصبعان شلا وإن لم تقطع يد الجاني بها وفيها أصبعان شلاوان ولو رضي ذلك القاطع وإن سأل المقتص له أن يقطع له أصابع القاطع الثلاث ويؤخذ له حكومة الكف والأصبعين الباقيتين كان ذلك له.
[قال الشافعي]: ولو كان القاطع هو أشل الأصبعين والمقطوع تام اليد خير المقتص له بين أن يقطع يده بيده ولا شيء له غير ذلك أو تقطع له أصابعه الثلاث ويأخذ أرش أصبعين وإنما لم أجعل له إذا قطع كفه غير ذلك؛ لأنه قد كان بقي جمال الأصبعين الشلاوين وسدهما موضعهما.
[قال الشافعي]: ولو كان القاطع مقطوع الأصبعين قطعت كفه وأخذت للمقطوعة يده أرش أصبعين تامين.
[قال الشافعي]: ولو أن رجلا أقطع أصابع اليد إلا إصبعا واحدة قطع إصبع رجل أقيد منه، ولو قطع كف رجل كان له القود في الكف وأرش أربعة أصابع.
ولو كان المجني عليه أقطع أصابع الكف إلا أصبعا فقطع يده رجل صحيح اليد فسأل القود أقص منه من الأصبع وأعطي حكومة في الكف، ولو كان أقطع أصبع واحدة فقطعت كفه أقص من أربع أصابع وأخذت له حكومة في كفه.
[قال الشافعي]: ولا أبلغ بحكومة كفه دية أصبع؛ لأنها تبع في الأصابع كلها وكلها مستوية فلا يكون أرشها كأرش واحدة منها.
[قال الشافعي]: وإذا كانت لرجل خمس أصابع في يده فقطع تلك اليد رجل له ست أصابع فسأل المقطوعة يده القود، لم يكن ذلك له لزيادة أصبع القاطع على أصبع المقطوع.
[قال الشافعي]: ولو كان الذي له ستة أصابع هو المقطوع، والذي له الخمس هو القاطع أقتص له منه وأخذت له في الأصبع الزائدة حكومة لا أبلغ بها دية أصبع؛ لأنها زيادة في الخلق.
[قال الشافعي]: ولو أن رجلا له خمس أصابع أربعة منها إبهام ومسبحة ووسطى والتي تليها وكانت خنصره عدما وكانت له أصبع زائدة في غير موضع الخنصر فقطع رجل تام اليد يده فسأل القود لم يقد منه؛ لأن عدد أصابعهما وإن كان واحدا فإن للمقطوعة يده أصبعا زائدة وهو عدم أصبعا من نفس كمال الخلق هو القاطع وسأل المقطوعة يده القود كان له القود؛ لأن الذي يؤخذ له أقل من الذي أخذ منه وإن سأل الأرش مع القود لم يكن له؛ لأنه قد أخذ له عدد وإن كان فيه أقل مما أخذ منه.
ولو أن رجلا مقطوع أنملة أصبع وأنامل أصابع قطع يد رجل تام الأصابع فسأل المقطوعة يده القود مع الأرش أو الأرش كان ذلك له ونقص الأنملة والأنامل كنقص الأصبع والأصابع وإن كان المقطوع الأنملة والأنامل هو المقطوعة يده وسأل القود لم يكن ذلك له لنقص أصابعه عن أصابع القاطع ولو لم يكن واحد منهما مقطوع أنملة ولا الأنامل ولكن كان أسود أظفار الأصابع ومستحشفها أو كان بيده قرح جذام أو قرح أكلة أو غيره إلا أنه لم يذهب من الأطراف شيء ولم يشلل كان بينهما القصاص في كل شيء ما لم يكن الطرف مقطوعا أو أشل ميتا فأما العيب سواه إذا كانت الأطراف حية غير مقطوعة فلا يمنع القصاص ولا ينقص العقل.
[قال الشافعي]: رحمه الله وهكذا الفتح في الأصابع وضعف خلقتها أو أصولها وتكرشها وقصرها وطولها واضطرابها وكل عيب منها مما ليس بموت بها ولا قطع فلا فضل في بعضها على بعض في الدية والقود إذا كانت نسبتها كنسبة أيدي الناس.
فإذا ضرب الحر المسلم يد الحر المسلم فقطعها من الكوع فطلب المضروبة يده القصاص أحببت أن لا أقص منه حتى تبرأ جراحة؛ لأنها لعلها أن تكون نفسا. فإن سأل ذلك قبل البرء أعطيته ذلك ولم أقص منه بضربة ودعوت له من يحذق القطع فأمرته أن يقطعها له بأيسر ما يكون به القطع ثم تحسم يد المقطوع إن شاء وهكذا إن قطعها من المرفق أو المنكب لا يختلف، وهكذا إن قطع له أصبعا أو أنملة أصبع لا يختلف ذلك.
[قال الشافعي]: ولا أقيد يمنى من يسرى ولا خنصرا من غير خنصر يدها أو رجلها، وهكذا في هذا أن يقطع رجله من مفصل الكعب أو مفصل الركبة. فإن قطعها من مفصل الورك سألت أهل العلم بالقطع هل يقدرون على أن يأتوا بقطعها من مفصل الورك بلا أن يكون جائفة؟ فإن قالوا نعم أقصصت منه وهكذا إن نزع يده بكتفه أقدته منه إن قدروا على نزع الكتف بلا أن يحيفه، فإن قطع يده من فوق المفصل أو رجله أو أصبعا من أصابعه فسأل المقطوعة يده القود قيل له إن سألت من الموضع الذي قطعك منه فلا قود؛ لأنه ليس من مفصل، وذلك أن ذلك لا يقطع إلا بضربة جامعة يرفع بها الضارب يده. وإذا فعل ذلك لم يكن على إحاطة من أن يقع موقع ضربته لك ولو قلت ينخفض حتى يرجع إلي في أقل من حقي قيل قد لا تقطع الضربة في مرة ولا مرار؛ لأن العظم ينكسر فيصير إلى أكثر مما نالك به أو يحز والحز إنما يكون في جلد ولحم. ولو حز في العظم كان عذابا غير مقارب لما أصابك به وزيادة انكسار العظم كما وصفت، ويقال له إن سألت أن تقطع يده لك من المفصل أو رجله وتعطى حكومة بقدر ما زاد على اليد والرجل فعلنا. فإن قيل: فأنت تضع له السكين في غير موضعه الذي وضعها به قلت نعم هي أيسر على المقتص منه من الموضع الذي وضعها به من المقتص له وفي غير موضع تلف ولم أتلف بها إلا ما أتلف الجاني عليه بمثله وأكثر منه. وهكذا في الرجل والأصبع إذا قطعها من فوق الأنملة فإن قطع أصبعا من دون الأنملة فلا قود بحال وفيها حساب ما ذهب من الأنملة، وإن قطع يدا من نصف الكف أو رجلا، كذلك فقطع معها الأصابع فإن سأل القصاص من الأصابع أقصصت به، وإن سألها من العظم الذي أصاب فوق الأصابع لم أعطه كما وصفت قبل هذا.
[قال الشافعي]: وإن شق الكف حتى ينتهي إلى المفصل فسأل القصاص سألنا أهل العلم فإن قالوا نقدر على شقها، كذلك أقصصناه وجعلنا ذلك كشق في رأسه وغيره، وكذلك إن شقها حتى المفصل، ثم قطعها من المفصل فبقي بعضها وقطع بعضها شق قودا إن قدر وقطع من حيث قطع.
وإن قطع له أصبعا فائتكلت الكف حتى سقطت كلها فسأل القصاص قيل إن القصاص أن يقطع من حيث قطع أو أقل منه فأما أكثر فلا - فإن شئت أقدناك من الأصبع وأعطيناك أرش الكف يرفع منها عشر من الإبل وهي حصة الأصبع وإلا فلك دية الكف.
[قال الشافعي]: ولو قطع له أصبعا كما وصفت فسأل القود منها وقد ذهبت كفه أو لم تذهب وسأل القود من ساعته أقدته فإن ذهبت كف المجني عليه جعلت على الجاني أربعة أخماس ديتها؛ لأني رفعت الخمس للأصبع التي أقصصتها بها، فإن ذهبت كف المستقاد منه ونفسه لم أرفع عنه من أرش المجني عليه شيئا؛ لأن الجاني ضامن ما جنى وحدث منه والمستقاد منه غير مضمون له ما حدث من القود؛ لأنه تلف بسبب الحق في القصاص.
[قال الشافعي]: وإن قطع رجل نصف كف رجل من المفصل فائتكلت حتى سقطت الكف كلها فسأل القود قيل لأهل العلم بالقود هل تقدرون على قطع نصف كف من مفصل كفه لا تزيدون عليه؟ فإن قالوا نعم قلنا: اقطعوها من الشق الذي قطعها منه، ثم دعوها وأخذنا للمجني عليه خمسة وعشرين بعيرا نصف أرش الكف مع قطع نصفها، وهكذا إن قطعها حتى تبقى معلقة بجلدة أقيد منه وتركت له معلقة بجلدة فإن قال المستقاد منه اقطعوها لم يمنع المتطبب قطعها على النظر له.
وإذا قطع رجل يد رجل فأقدناه منه، ثم مات المستقيد منه قبل أن يبرأ من ذلك الجرح وشهد أنه مات من تلك الجراح وسأل ورثته القود أقدناه بالنفس؛ لأنه قاتل قاطع، ألا ترى أنه لو قطع يديه ورجليه فمات مكانه أو ذبحه خلينا بين الورثة وبين أن يأتوا بمن يقطع يديه ورجليه وخليناهم وذبحه؛ لأن الذبح إتلاف حي.
[قال]: وإن قطع رجل ذكر رجل من أصله فسأل القود قطع له ذكره من أصله.
[قال الشافعي]: ويقاد من ذكر الرجل إذا قطع ذكر الصبي أو الشيخ الكبير الذي لا يأتي النساء أو ذكر الخصي ويقطع أنثى الفحل إذا قطع أنثى الخصي الذي لا عسيب له؛ لأن كل ذلك طرف لصاحبه كامل ويقطع ذكر الأغلف بذكر المختتن وذكر المختتن بذكر الأغلف.
فإن قطع رجل إحدى أنثييه وبقيت الأخرى وسأل القود سألنا أهل العلم فإن قدروا على قطعها بلا ذهاب الأخرى أقيد منه فإن قطعها بجلدها قطعت بجلدها وإن سلها سلت منه.
وإن قطع رجل نصف ذكر رجل ولذلك فشبر ذكر القاطع فوجد أقل شبرا من نصف ذكر المقطوع أو ضعف ذكر المقطوع فسواء وأقطع له نصف ذكره كان أقل شبرا من نصف ذكره أو أكثر إن كان يستطاع قطعه بلا تلف ولا شيء له غير ذلك وهذا طرف ليس هذا كشق الجراح التي تؤخذ بشبر واحد؛ لأنها لا تقطع طرفا وإن قطع رجل أحد شقي ذكر رجل قطع منه مثل ذلك إن قدر عليه.
[قال الشافعي]: رحمه الله: وأقيد من ذكر الذي ينتشر بذكر الذي لا ينتشر ما لم يكن بذكر المقطوع ذكره نقص من شلل يوبسه ولا يكون ينقبض ولا ينبسط أو يكون الذكر مكسورا إن كان كسر الذكر يمنعه من الانتشار فإذا كان ذلك لم يقد به ذكر صحيح.
وإذا قطع الرجل أنف الرجل من المارن قطع أنفه من المارن وسواء كان أنف القاطع أكبر أو أصغر من أنف المقطوع؛ لأنه طرف، وإن قطعه من دون المارن قدر ما ذهب من أنف المقطوع ثم أخذ له من أنف القاطع بقدره من الكل إن كان قدر مارن المقطوع قطع قدر نصف مارنه ولا يقدر بالشبر كما وصفت في الأطراف الذكر وغيره، وإن قطع من أحد شقي الأنف قطع من إحدى شقيه كما وصفت، وإن قطع رجل أنف رجل من العظم فلا قود في العظم وإن أراد قطعنا له المارن وأعطيناه زيادة حكومة فيما قطع من العظم.
[قال الشافعي]: ويقطع أنف الصحيح بأنف الأجذم وإن ظهر بأنفه قرح الجذام ما لم يسقط أنفه أو شيء منه، وكذلك يده بيده وإن ظهر فيها قرح الجذام ما لم تسقط أصابعها أو بعضها.
وتقطع الأذن بالأذن وأذن الصحيح بأذن الأصم لا فضل بينهما على الآخر؛ لأنهما طرفان ليس فيهما سمع وإن قطع بعض الأذن قطعت منه بعض أذنه كما وصفت إن قطع نصفا أو ثلثا قطع منه نصفا أو ثلثا وسواء كانت أذنه أكبر أو أصغر من أذن المقطوعة أذنه؛ لأنها طرف وتقطع الأذن الصحيحة التي لا ثقب فيها بالأذن المثقوبة ثقبا لقرط وشنف وخربة ما لم تكن الخربة قد خرمتها فإن كانت الخربة قد خرمتها لم تقطع بها الأذن. وقيل للأخرم إن شئت قطعنا لك أذنه إلى موضع خربتك من قدر أذنه وأعطيناك فيما بقي العقل وإن شئت فلك العقل وإن كان إنما قطعها وهي مخرمة؛ لأن ذلك زين عندهم كالثقب لا عيب فيه ولا جناية.
وإذا قلع رجل سن رجل قد ثغر قلعت سنه فإن كان المقلوعة سنه لم يثغر فلا قود حتى يثغر فيتتام طرح أسنانه ونباتها فإذا تتام ولم تنبت سنه سئل أهل العلم عن الأجل الذي إذا بلغه ولم تنبت سنه لم تنبت فبلغه فإذا بلغناه ولم تنبت أقدناه منه فإذا بلغناه وقد نبت بعضها أو لم ينبت فلا قود، وله من العقل بقدر ما قصر نباتها يقدر إن كانت ثنية بالثنية التي تليها، فإن كانت بلغت نصفها أخذ له بعيران ونصف وإن بلغت ثلثها أخذ له ثلث عقل سن وإن قلع رجل لرجل سنا زائدة أو قطع له أصبعا زائدة أو كانت له زنمة تحت أذنه زائدة فقطعها رجل فسأل القود فلا قود وفيها حكومة وإن كان للقاطع في موضع من هذا مثله ففيه القود سنا كان أو غير سن أو أصبع أو زنمة وهكذا لو خلقت له أصبع لها طرفان فقطع أحد الطرفين فلا قود وفيها حكومة إلا أن يكون له أصبع مثلها فيقاد منه: وإن قطع رجل أصبع رجل ولها طرفان أو أنملة ولها طرفان ولم يخلق للقاطع تلك الخلقة فسأل المقطوع القود فهو له وزيادة حكومة إلا أن يكون طرفاها أشلاها فأذهبا منفعتها فلا قود. وإن كان للقاطع مثلها وليست شلاء أقيد ولا حكومة، ولو كانت لأصبع القاطع طرفان وليس ذلك لأصبع المقطوع فلا قود؛ لأن أصبع القاطع كانت أكبر من أصبع المقطوع.