كتاب الأم/كتاب جراح العمد/الحكم بين أهل الذمة في القتل
[قال الشافعي]: رحمه الله: وإذا قتل الذمي الذمية أو الذمي أو المستأمن أو المستأمنة أو جرح بعضهم بعضا فذلك كله سواء فإذا طلب المجروح أو ورثة المقتول حكمنا عليهم بحكمنا على أهل الإسلام فيما بينهم لا يختلف فنجعل القود بينهم كما نجعله بين المسلمين في النفس وما دونها ونجعل ما كان عمدا لا قود فيه في مال الجاني وما كان خطأ على عاقلة الجاني إذا كانت له عاقلة فإن لم تكن له عاقلة كان ذلك في ماله ولم يعقل عنه أهل دينه؛ لأنهم لا يرثونه ولا المسلمون؛ لأنه ليس بمسلم وإنما يأخذون ماله إذا لم يكن له وارث فيئا.
[قال الشافعي]: ويقتص الوثني والمجوسي والصابئي والسامري من اليهود والنصارى، وكذلك يقتص نساؤهم منهم ونجعل الكفر كله ملة وكذلك نورث بعضهم من بعض للقرابة ويقتص المستأمن من هؤلاء من المعاهدين؛ لأن لكل ذمة ولا تفاوت بين المشركين فنمنع به بعضهم من بعض بالقصاص كفوت المسلمين لهم.
[قال الشافعي]: وهكذا يحكم على الحربي المستأمن إذا جنى يقتص منه ويحكم في ماله بأرش العمد الذي لا يقتص منه وإن لم يكن له عاقلة إلا عاقلة حربية لا ينفذ حكمنا عليهم جعلنا الخطأ في ماله كما نجعله في مال من لا عاقلة له من أهل الذمة، وهكذا نحكم عليهم إذا أصابوا مسلما بقتل أو جرح لا يختلف ذلك.
[قال الشافعي]: وإن أصاب أهل الذمة حربيا لا أمان له لم يحكم عليهم فيه بشيء ولو طلبت ورثته؛ لأن دمه مباح.
[قال الشافعي]: وهكذا لو كان القاتل حربيا مستأمنا إلا أنا إذا لم تود عاقلة الحربي عنه أرش الخطأ كما حكمنا به في ماله.
[قال الشافعي]: ولو لحق الحربي الجاني بعد الجناية بدار الحرب، ثم رجع مستأمنا حكمنا عليه؛ لأن الحكم لزمه أولا ولا يسقط عنه بلحوقه بدار الحرب.
[قال الشافعي]: ولو مات ببلاد الحرب بعد الجناية وعندنا له مال كان له أمان أو ورد علينا وهو حي مال له أمان أخذنا من ماله أرش الجناية لوليها؛ لأنه وجب في ماله فمتى أمكننا أعطينا ما وجب عليه في ماله من ماله ولو أمنا له ماله على أن لا نأخذ منه ما لزمه لم يكن ذلك له إذا كان عليه أن يأخذ منه ما لزمه.
[قال الشافعي]: وكذلك لو جنى وهو عندنا جنايات، ثم لحق بدار الحرب، ثم أمناه على أن لا نحكم عليه حكمنا عليه وكان ما أعطيناه من الأمان على ما وصفنا باطلا لا يحل وهكذا لو سبي وأخذ ماله وقد كان له عندنا في الأمان دين؛ لأن ماله لم يغنم إلا وللمجني عليه فيه حق كالدين وسواء إن أخذ ماله قبل أن يسبى أو مع السبي أو بعده، ألا ترى أنه لو كان عليه دين، ثم لحق بدار الحرب فغنم ماله وسبي أو لم يسب أخذنا الدين من ماله ولم يكن هذا بأكثر من الرجل يدان الدين، ثم يموت فنأخذ الدين من ماله بوجوبه فليس الغنيمة لماله بأكثر من الميراث لو ورثه المسلم أو ذمي عليه دين؛ لأن الله عز وجل جعل للورثة ملك الموتى بعد الدين، وكذلك الغنائم؛ لأنهم خولوها بأن أهلها أهل دار حرب، وكذلك لو جنى وهو مستأمن، ثم لحق ببلاد الحرب ناقضا للأمان، ثم أسلم بدار الحرب فأحرز ماله ونفسه حكم عليه بالجناية والدين الذي لزمه في دار الإسلام.
[قال الشافعي]: وكل هذا لا يخالف الأمان يملك وهو رقيق؛ لأن الرقيق لا يملك إلا لسيده، وهو في هذه الأحوال كلها مالك لنفسه ويخالف لان يجنى عليه وهو محارب غير مستأمن ببلاد الحرب وجنايته كلها في هذه الأحوال هدر.
[قال الشافعي]: ولو جنى مسلم جناية فلزمته في ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب فكان حيا أو ميتا أو قتل على الردة كانت الجناية في ماله ولم يغنم من ماله شيء حتى تؤدى جنايته وما لزمه في ماله.
[قال الشافعي]: وإذا جنى الذمي على نصراني فتمجس النصراني بعد ما يجنى عليه ثم مات مجوسيا فقد قيل: فعلى الجاني الأقل من أرش جراح النصراني ومن دية المجوسي وقيل: عليه دية مجوسي أو القود من الذمي الذي جنى عليه؛ لأنه كافر، وإن تمجس فهو ممنوع الدم بالعقد المتقدم وليس كالمسلم يرتد؛ لأن رجلا لو قتل المسلم مرتدا لم يكن عليه شيء وهذا لو قتل مرتدا عن كفر إلى كفر كان على قاتله الدية إن كان مسلما والقود إن كان كافرا.
[قال الشافعي]: وهكذا إن جنى نصراني فتزندق أو دان دينا لا تؤكل ذبيحة أهله وقد قيل على الجاني عليه إذا غرم. الدية: الأقل من أرش ما أصابه نصرانيا ودية مجوسي وقيل عليه دية مجوسي.
[قال الشافعي]: ولو جني عليه نصرانيا فتهود أو يهوديا فتمجس فقد قيل: عليه الأقل من قيمة جرحه نصرانيا أو ديته مجوسيا وقيل: عليه دية مجوسي وكان كرجوعه إلى المجوسية؛ لأنه يرتد عن دينه الذي كان يقر عليه إلى دين لا يقر عليه.
[قال الشافعي]: وإذا جنى النصراني على النصراني أو المشرك الممنوع الدم خطأ فعلى عاقلته أرش جنايته، وإن ارتد النصراني الجاني عن النصرانية إلى مجوسية أو غيرها فمات المجني عليه غرمت عاقلة الجاني الأقل من أرش الجناية وهو نصراني أو دية مجوسي؛ لأنهم كانوا ضمنوا أرش الجرح وهو على دينهم فإن كان الجرح موضحة فمات منها المجني عليه بعد أن يرتد الجاني إلى غير النصرانية ضمنت عاقلته أرش موضحة وضمن في ماله زيادة النفس على أرش الموضحة فإن لم تزد النفس على الموضحة بشيء حتى تحول حال المجني عليه إلى غير دينه ضمنت العاقلة كما هي أرش الموضحة للزومها لها يوم جنى صاحبها.
[قال الشافعي]: ولو جنى نصراني على مسلم أو ذمي موضحة، ثم أسلم الجاني ومات المجني عليه ضمنت عاقلته من النصارى أرش الموضحة وضمن الجاني في ماله الزيادة على أرش الموضحة لا يعقل عاقلة النصراني ما زادت جنايته وهو مسلم لقطع الولاية بين المسلمين والمشركين وتغرم ما لزمها من جراحه وهو على دينها ولا يعقل المسلمون عنه زيادة جنايته؛ لأن الجناية كانت وهو مشرك والموت بالجناية كان وهو مسلم، وهكذا لو أسلم هو وعاقلته لم يعقلوا إلا ما لزمهم وهو على دينهم.
[قال الشافعي]: ولو جنى نصراني على رجل خطأ، ثم أسلم النصراني الجاني فلم يطلب الرجل جنايته إلا والجاني مسلم فإن قالت له عاقلته من النصارى جنى عليك مسلما وقال المسلمون: جنى عليك مشركا كان القول قولهم معا في أن لا يضمنوا عنه مع إيمانهم وكانت الدية في مال الجاني إلا أن تقوم بينة بحاله يوم جنى فتعقل عنه عاقلته من النصارى إن كان نصرانيا ما لزمه في النصرانية ويكون ما بقي في ماله أو بينة بأنه جنى مسلما فيعقل عنه المسلمون إن كان له فيهم عاقلة.
وإذا رمى النصراني إنسانا فلم تقع رميته حتى أسلم فمات المرمي لم تعقل عنه عاقلته من النصارى؛ لأنه لم يجن جناية لها أرش حتى أسلم ولا المسلمون؛ لأن الرمية كانت وهو غير مسلم وكانت الجناية في ماله.
[قال الشافعي]: ولو أن نصرانيا تهود أو تمجس، ثم جنى لم تعقل عنه عاقلته من النصارى؛ لأنه على دين لا يقر عليه ولا اليهود ولا المجوس؛ لأنه لا يقر على اليهودية ولا المجوسية معهم وكان العقل في ماله، وهكذا لو رجع إلى دين غير دين النصرانية من مجوسية أو غيرها ولا تعقل عنه إذا بدل دينه عاقلة واحد من النصفين إلا أن يسلم ثانية، ثم يجني فيعقل عنه المسلمون بالولاية بينه وبينهم.
[قال الشافعي]: وإذا جنى الرجل مجوسيا فقتل، ثم أسلم الجاني بعد القتل ومات المجني عليه ضمن عنه المجوس الجناية؛ لأنها عاقلته من المجوس كانت وهو مجوسي إذا كانت الجناية خطأ فإن كانت الجناية عمدا فهي في مال الجاني ولا تضمن عاقلة مجوسي ولا مسلم إلا ما جنى خطأ تقوم به بينة. [قال الربيع]: وفيها قول آخر: أنه إذا قتل وهو نصراني فقتل نصرانيا ثم أسلم أن عليه القود؛ لأن النفس المقتولة كانت مكافئة بنفس القاتل حين قتل وليس إسلامه الذي يزيل عنه ما قد وجب عليه قبل أن يسلم.
[قال الشافعي]: والقود بين كل كافرين لهما عهد سواء كانا ممن يؤدي الجزية أو أحدهما مستأمن أو كلاهما؛ لأن كلا له عهد ويقاد المجوسي من النصراني واليهودي، وكذلك كل واحد من المشركين ممنوع الدم يقاد من غيره وإن كان أكثر دية منه كما يقاد الرجل من المرأة والمرأة من الرجل والرجل أكثر دية منها والعبد من العبد وهو أكثر ثمنا منه.