الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة
والفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة أن الرسل نزهوه سبحانه عن النقائض والعيوب التي نزه نفسه عنها وهي المنافية لكماله وكمال ربوبيته وعظمته كالسنة والنوم والغفلة والموت واللغوب والظلم وإراداته والتسمي به والشريك والصاحبة والظهير والولد والشفيع بدون إذنه وأن يترك عباده سدى هملا وأن يكون خلقهم عبثا وأن يكون خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا لا لثواب ولا عقاب ولا أمر ولا نهي وأن يستوي بين أوليائه وأعدائه وبين الأبرار والفجار وبين الكفار والمؤمنين وأن يكون في ملكه ما لا يشاء وأن يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه وأن يكون لغيره معه من الأمر شي ء وأن يفرض له غفلة أو سهو أو نسيان وأن يخلف وعده أو تبدل كلماته أو يضاف إليه الشر اسما أو وصفا أو فعلا بل أسماءه كلها حسنى وصفاته كلها كمال، وأفعاله كلها خير وحكمة ومصلحة: فهذا تنزيه الرسل لربهم.
و أما المعطلون فنزهوه عما وصف به نفسه من الكمال فنزهوه عن أن يتكلم أو يكلم واحدا، ونزهوه عن استوائه على عرشه وأن ترفع إليه الأيدي وأن يصعد إليه الكلم الطيب وأن ينزل من عنده شي ء أو تعرج إليه الملائكة والروح وأن يكون فوق عباده وفوق جميع مخلوقاته عاليا عليها، ونزهوه أن يقبض السموات بيده والأرض بيده الأخرى وأن يمسك السموات على إصبع والأرض على إصبع والجبال على إصبع، والشجر على إصبع ونزهوه أن يكون له وجه أن يراه المؤمنون بأبصارهم في الجنة وأن يكلمهم ويسلم عليهم ويتجلى لهم ضاحكا وأن ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يستغفرني فأغفر له من يسألني فأعطيه فلا نزول عندهم ولا قول، ونزهوه أن يفعل شيئا لشي ء بل أفعاله لا لحكمة ولا لغرض مقصود، ونزهوه أن يكون تام المشيئة نافذ الإرادة بل يشاء الشي ء ويشاء عباده خلافه فيكون ما شاء العبد دون ما شاء الرب، ولا يشاء الشي ء فيكون ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون.
و سموا هذا عدلا كما سموا ذلك التنزيه توحيدا ونزهوه عن أن يحب أو يحب ونزهوه عن الرأفة والرحمة والغضب والرضا نزهه آخرون عن السمع والبصر، وآخرون عن العلم، ونزهه آخرون عن الوجود فقالوا الذي فر إليه هؤلاء المنزهون من التشبيه والتمثيل يلزمنا في الوجود فيجب علينا أن ننزهه عنه. فهذا تنزيه الملحدين والأول تنزيه المرسلين.
هامش