الروح/المسألة العشرون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: المسألة العشرون (وهي هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران؟)


فاختلف الناس في ذلك.
فمن قائل: أن مسماهما واحد وهم الجمهور.
ومن قائل: أنهما متغايران، ونحن نكشف سر المسألة بحول اللّه وقوته فنقول النفس تطلق على أمور:
أحدها: الروح قال الجوهري النفس الروح يقال خرجت نفسه قال أبو خراش:
نجا سالما والنفس منه بشدقه ... ولم ينج إلا جفن سيف ومئزر
أي يحفن سيف ومئزر (و النفس والدم) يقال سالت نفسه وفي الحديث ما لا نفسه له سائلة لا ينجس الماء إذا مات فيه (و النفس الجسد).
قال الشاعر:
نبئت أن بني تميم أدخلوا ... أبناءهم تامور النفس المنذر
والتامور الدم (و النفس العين) يقال أصابت فلانا أي عين.
قلت: ليس كما قال بل النفس هاهنا الروح ونسبة الإضافة إلى العين وسع لأنها تكون بواسطة النظر المصيب والذي أصابه إنما هو نفس العائن كما تقدم.
قلت: والنفس في القرآن تطلق على الذات بجملتها كقوله تعالى:
﴿فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ [النور:61] وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا [النحل:111] وقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡ رَهِينَةٌ ۝٣٨ [المدثر:38] وتطلق على الروح وحدها كقوله تعالى: ﴿يَـٰۤأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ۝٢٧ [الفجر:27] وقوله تعالى: ﴿أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ [الأنعام:93] وقوله تعالى: ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ [النازعات:40] وقوله تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53].
وأما الروح فلا تطلق على البدن بانفراده ولا مع النفس، وتطلق الروح على القرآن الذي أوحاه اللّه تعالى إلى رسوله قال تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا [الشورى:52].
وعلى الوحي الذي يوحيه إلى أنبيائه ورسله قال تعالى: ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ [غافر:15] وقال تعالى: ﴿يُنَزِّلُ ٱلۡمَلَـٰۤئِكَةَ بِٱلرُّوحِ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَاۤءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۤ أَنۡ أَنذِرُوۤاْ أَنَّهُۥ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّاۤ أَنَا۠ فَٱتَّقُونِ ۝٢ [النحل:2] وسمى ذلك روحا لما يحصل به من الحياة النافعة فإن الحياة بدونه لا تنفع صاحبها البتة بل حياة الحيوان البهيم خير منها وأسلم عاقبة.
وسميت الروح روحا لأن بها حياة البدن وكذلك سميت الريح لما يحصل بها من الحياة وهي من ذوات الواو ولهذا تجمع على أرواح. قال الشاعر:
إذا هبت الأرواح من نحو أرضكم ... وجدت لمسرها على كبدي بردا
ومنها الروح والريحان والاستراحة، فسميت النفس روحا لحصول الحياة بها وسميت نفسا إما من الشيء النفيس لنفاستها وشرفها، وإما من تنفس الشيء إذا خرج فلكثرة خروجها ودخولها في البدن سميت نفسا، ومنه النفس بالتحريك، فإن العبد كلما نام خرجت منه فإذا استيقظ رجعت إليه فإذا مات خرجت خروجا كليا فإذا دفن عادت إليه فإذا سئل خرجت فإذا بعث رجعت إليه.
فالفرق بين النفس والروح فرق بالصفات لا فرق بالذات، وإنما سمي الدم نفسا لأن خروجه الذي يكون معه الموت يلازم خروج النفس وأن الحياة لا تتم به كما تتم إلا بالنفس فلهذا قال:
تسيل على حد الظباة نفوسنا ... وليست على غير الظباة تسيل
ويقال فاضت نفسه وخرجت نفسه وفارقت نفسه كما يقال خرجت روحه وفارقت ولكن الفيض الاندفاع وهلة واحدة ومنه الإفاضة وهي الاندفاع بكثرة وسرعة لكن أفاض إذا رفع باختياره وإراداته وفاض إذا اندفع قسرا وقهرا فاللّه سبحانه هو الذي يقضيها عند الموت فتفيض هي.


هامش


المسألة العشرون
هل النفس والروح شيء واحد أو شيئان متغايران | فصل


الروح
المقدمة | المسألة الأولى | المسألة الثانية | المسألة الثالثة | المسألة الرابعة | المسألة الخامسة | المسألة السادسة | المسألة السابعة | المسألة الثامنة | المسألة التاسعة | المسألة العاشرة | المسألة الحادية عشرة | المسألة الثانية عشرة | المسألة الثالثة عشرة | المسألة الرابعة عشرة | المسألة الخامسة عشرة | المسألة السادسة عشرة | المسألة السابعة عشرة | المسألة الثامنة عشرة | المسألة التاسعة عشرة | المسألة العشرون | المسألة الحادية والعشرون