الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الفرق بين الحب في الله والحب مع الله
وهذا من أهم الفروق، وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا، فالحب في اللّه هو من كمال الإيمان والحب مع اللّه هو عين الشرك. والفرق بينهما أن المحب في الحب تابع لمحبة اللّه فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة أن يحب ما يحبه اللّه فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه، كما يحب رسله وأنبيائه وملائكته وأوليائه لكونه تعالى يحبهم، ويبغض من يبغضهم لكونه تعالى يبغضهم وعلامة هذا الحب والبغض في اللّه أنه لا ينقلب بغضه لبغض اللّه حبا لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه، ولا ينقلب حبه لحبيبه اللّه بغضا إذا وصل إليه من جهته ما يكرهه ويؤلمه، إما خطأ وإما عمدا مطيعا للّه فيه أو متأولا أو مجتهدا أو باغيا نازعا بائنا، والدين كله يدور على أربع قواعد حب وبغض ويترتب عليهما فعل وترك، فمن كان حبه وبغضه وفعله وتركه للّه فقد استكمل الإيمان بحيث إذا أحب أحب اللّه وإذا أبغض أبغض اللّه وإذا فعل فعل للّه وإذا ترك ترك اللّه، وما نقص من أصنافه هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه يحسبه. وهذا بخلاف الحب مع اللّه فهو نوعان يقدح في أصل التوحيد وهو شرك ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة اللّه ولا يخرج من الإسلام.
فالأول: كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم قال تعالى:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة:165]، وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مع اللّه، كما يحبون اللّه فهذه محبة تأله ومولاه يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره اللّه، ولا يتم الإيمان إلا بمعاداة هذه الأنداد وشدة بغضها وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم وبذلك أرسل اللّه جميع رسله وأنزل جميع كتبه وخلق النار لأهل هذه المحبة الشركية وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعادهم فيه وفي مرضاته فكل من عبد شيئا من لدن عرضه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون اللّه إلها ووليا وأشرك به كائنا ذلك المعبود ما كان ولا بد أن يتبرأ منه أحوج ما كان إليه.
و النوع الثاني: محبة ما زينه اللّه للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسمومة والأنعام والحرث فيحبها محبة شهوة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للماء فهذه المحبة ثلاثة أنواع فإن أحبها اللّه توصلا بها إليه واستعانه على مرضاته أثيب عليها وكانت من قسم الحب للّه توصلا بها إليه ويلتذ بالتمتع بها وهذا حال أكمل الخلق الذي حبب إليه من الدنيا النساء والطيب وكانت محبته لهما عونا له على محبة اللّه وتبليغ رسالته 1 والقيام بأمره وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإراداته ولم يؤثرها على ما يحبه اللّه ويرضاه بل نالها بحكم الليل الطبيعي كانت من قسم المباحات ولم يعاقب على ذلك ولكن ينقص من كمال محبته للّه والمحبة فيه وإن كانت هي مقصوده ومراده وسعيه في تحصيلها والظفر بها وقدمها على ما يحبه اللّه ويرضاه منه كان ظالما لنفسه متبعا لهواه.
فالأول: محبة السابقين.
و الثانية: محبة المقتصدين.
و الثالثة: محبة الظالمين.
فتأمل هذا الموضوع وما فيه من الجمع والفرق فإنه معترك النفس الأمّارة والمطمئنة. والمهدي من هداه اللّه.
هامش
- ↑ أخرجه النسائي والإمام أحمد.