هداية الحيارى/جحدهم بنبوة محمد نظير جحدهم نبوة المسيح

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


جحدهم بنبوة محمد نظير جحدهم نبوة المسيح

وجحدهم نبوة محمد من الكتب التي بأيديهم نظير «جحدهم نبوة المسيح» وقد صرحت باسمه، ففي نص التوراة: «لا يزول الملك من آل يهوذا، والراسم من بين ظهرانيهم إلى أن يأتي المسيح» وكانوا أصحاب دولة حتى ظهر المسيح فكذبوه، ورموه بالعظائم، وبهتوه وبهتوا أمه، فدمر الله عليهم وأزال ملكهم، وكذلك قوله: «جاء الله من طور سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران» فأي نبوة أشرقت من ساعير غير نبوة المسيح، وهم لا ينكرون ذلك، ويزعمون أن قائما يقوم فيهم من ولد داود النبي إذا حرك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم ولا يبقى إلا اليهود.

وهذا المنتظر بزعمهم هو المسيح الذي وعدوا به، قالوا: ومن علامة مجيئه أن الذئب والتيس يربضان معا، وأن البقرة والذئب يرعيان معا، وأن الأسد يأكل التبن كالبقر، فلما بعث الله المسيح كفروا به عند مبعثه، وأقاموا ينتظرون متى يأكل الأسد التبن حتى تصح لهم علامة مبعث المسيح، ويعتقدون أن هذا المنتظر متى جاءهم يجمعهم بأسرهم إلى القدس، وتصير لهم الدولة، ويخلو العالم من غيرهم، ويحجم الموت عن جنابهم المنيع مدة طويلة.

وقد عوضوا من الإيمان بالمسيح ابن مريم بانتظار مسيح الضلالة الدجال، فإنه هو الذي ينتظرونه حقا، وهم عسكره وأتبع الناس له، ويكون لهم في زمانه شوكة ودولة، إلى أن ينزل مسيح الهدى ابن مريم، فيقتل منتظرهم، ويضع هو أصحابه فيهم السيوف حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقولان: يا مسلم هذا يهودي ورائي، تعال فاقتله، فإذا نظف الأرض منهم، ومن عباد الصليب، فحينئذ يرعى الذئب والكبش معا، ويربضان معا، وترعى البقرة والذئب معا، ويأكل الأسد التبن، ويلقي الأمن في الأرض.

هكذا أخبر به شعيا في نبوته، وطابق خبره ما أخبر به النبي في الحديث الصحيح: في خروج الدجال، وقتل المسيح ابن مريم له، وخروج يأجوج ومأجوج في أثره، ومحقهم من الأرض، وإرسال البركة والأمن في الأرض حتى ترعى الشاة والذئب، وحتى أن الحيات والسباع لا تضر الناس.

فصلوات الله وسلامه على من جاء بالهدى والنور، وتفصيل كل شيء وبيانه، فأهل الكتاب عندهم عن أنبيائهم حق كثير لا يعرفونه ولا يحسنون أن يضعوه مواضعه، ولقد أكمل الله سبحانه بمحمد صلوات الله وسلامه عليه ما أنزله على الأنبياء عليهم السلام من الحق وبينه وأظهره لأمته، وفصل على لسانه ما أجمله لهم وشرح ما رمزوا إليه، فجاء بالحق، وصدق المرسلين، وتمت نعمة الله على عباده المؤمنين.

فالمسلمون واليهود والنصارى تنتظر مسيحا يجيء في آخر الزمان، فمسيح اليهود هو الدجال، ومسيح النصارى لا حقيقة له، فإنه عندهم إله وابن إله وخالق ومميت ومحي.

فمسيحهم الذي ينتظرونه هو المصلوب المسمر المكلل بالشوك بين اللصوص، والمصفوع الذي هو مصفعة اليهود، وهو عندهم رب العالمين وخالق السموات والأرضين.

ومسيح المسلمين الذي ينتظرونه هو عبد الله ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول عيسى ابن مريم، أخو عبد الله ورسوله محمد بن عبد الله، فيظهر دين الله وتوحيده، ويقتل أعداءه عباد الصليب الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله، وأعداءه اليهود الذين رموه وأمه بالعظائم فهذا هو الذي ينتظره المسلمون، وهو نازل على المنارة الشرقية بدمشق، واضعا يديه لى منكبي ملكين، يراه الناس عيانا بأبصارهم نازلا من السماء. فيحكم بكتب الله وسنة رسول الله ، وينفذ ما أضاعه الظلمة والفجرة والخونة من دين رسول الله ، ويحي ما أماتوه، وتعود الملل كلها في زمانه ملة واحدة وهي ملته وملة أخيه محمد وملة أبيهما إبراهيم وملة سائر الأنبياء، وهي الإسلام الذي من يبتغي غيره دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.

وقد حمل رسول الله من أدركه من أمته السلام، وأمره أن يقرئه إياه منه، فأخبر عن موضع نزوله بأي بلد وبأي مكان منه، وبحاله وقت نزوله، وملبسه الذي كان عليه. وأنه ممصرتان أي: ثوبان وأخبر بما يفعل عند نزوله مفصلا حتى كأن المسلمين يشاهدونه عيانا قبل أن يروه، وهذا من جملة الغيوب التي أخبر بها فوقعت مطابقة لخبره حذو القذة بالقذة، فهذا منتظر المسلمين لا منتظر المغضوب عليهم والضالين، ولا منتظر إخوانهم من الروافض المارقين.

وسوف يعلم المغضوب عليهم إذا جاء منتظر المسلمين أنه ليس بابن يوسف النجار، ولا هو ولد زنية، ولا كان طبيبا حاذقا ماهرا في صناعته استولى على العقول بصناعته، ولا كان ساحرا ممخرقا، ولا مكنوا من صلبه وتسميره وصفعه وقتله؛ بل كانوا أهون على الله من ذلك.

ويعلم الضالون أنه ابن البشر، وأنه عبد الله ورسوله ليس بإله ولا ابن إله، وأنه بشر بنبوة محمد أخيه أولا، وحكم بشريعته ودينه آخرا، وأنه عدو المغضوب عليهم والضالين.

وولي رسول الله وأتباعه المؤمنين، وما كان أولياؤه الأرجاس الأنجاس عبدة الصلبان، والصور المدهونه في الحيطان، إن أولياءه إلا الموحدون عباد الرحمن أهل الإسلام والإيمان، الذين نزهوه وأمه عما رماهما به أعداؤهما اليهود، ونزهوا ربه، وخالقه، ومالكه، وسيده، عما رماه به أهل الشرك، والسب للواحد المعبود.

هداية الحيارى
خطبة الكتاب | تمهيد | مسائل الكتاب | المسألة الأولى | الأسباب المانعة من قبول الحق | لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله | صلاة النصارى استهزاء بالمعبود | المسألة الثانية | قصة النجاشي | وفد نصارى نجران | خبر عدي بن حاتم الطائي | قصة سلمان الفارسي | قصة هرقل | إسلام النجاشي | قصة المقوقس | قصة ابن الجلندي | صاحب اليمامة | قصة الحارث | قصة عبد الله بن سلام | المذكور في كتبهم غالبا وهو أبلغ من الاسم | نصارى نجران | اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة | اختلاف نسخ التوراة والإنجيل وتناقضها | نصوص الكتب المتقدمة في البشارة به وصفته ونعت أمته | النصارى آمنوا بمسيح لا وجود له واليهود ينتظرون المسيح الدجال | ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق | أدلة من التوراة على نبوة محمد | نطق التوراة صراحة بنبوة محمد | ما ذكر في نبوة حبقوق | مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود | صفات النبي المذكورة في كتبهم | خبر المباهلة | حديث وهب عن الزبور | خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال | أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي | خبر بحيرا الراهب | خبر آخر عن هرقل | الطرق الأربعة الدالة على صحة البشارة به | تحريف التوراة والإنجيل | سبب تحريف التوراة | جحدهم بنبوة محمد نظير جحدهم نبوة المسيح | التغيير في ألفاظ الكتب | المناقضات في الإنجيل | الرد على من طالب بالنسخ الصحيحة | الرد على من قال بعدم كفر هاتين الأمتين | الرد على من طعن بالصحابة | معاصي الأمم لا تقدح في الرسل ولا في رسالتهم | كتب اليهود | من شريعتهم نكاح امرأة الأخ أو العار | دين النصارى | مقالة أشباه الحمير في مريم وابنها | لو لم يظهر محمد لبطلت نبوة سائر الأنبياء | النصارى أشد الأمم افتراقا في دينهم | اختلاف فرقهم المشهورة في شخصية المسيح | تاريخ المجامع النصرانية | ذكر ماني الكذاب | بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح | أول من ابتدع شارة الصليب قسطنطين | المجمع الأول | المجمع الثاني | المجمع الثالث | المجمع الرابع | المجمع الخامس | المجمع السادس | المجمع السابع | المجمع الثامن | المجمع التاسع | المجمع العاشر | لو عرض دين النصرانية على قوم لم يعرفوا لهم إلها لامتنعوا من قبوله | يستحيل الإيمان بنبي من الأنبياء مع جحد نبوة محمد | إنكار النبوات شيمة الفلاسفة والمجوس وعباد الأصنام | غباوة اليهود | إشراق الأرض بالنبوة