هداية الحيارى/الفصل السابع: الطرق الأربعة الدالة على صحة البشارة به

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الفصل السابع: الطرق الأربعة الدالة على صحة البشارة به

فهذا في الإخبار بنبوته مما تلقاه المسلمون من أفواه علماء أهل الكتاب، والمؤمنين منهم، والأول فيما نقلوه من كتبهم، وعلمائهم يقرون أنه في كتبهم. فالدليل بالوجه الأول يقام عليهم من كتبهم، وبهذا الوجه يقام بشهادة من لا يتهم عليهم، لأنه إما من عظمائهم، وإما ممن رغب عن رياسته، وماله، ووجاهته فيهم، وآثر الإيمان على الكفر، والهدى على الضلال، وهو في هذا مدع أن علماءهم يعرفون ذلك، ويقرون به، ولكن لا يطلعون جهالهم عليه. فالأخبار والبشارة بنبوته في الكتب المتقدمة عرفت من عدة طرق:

أحدها: ما ذكرناه، وهو قليل من كثير، وغيض من فيض.

الثاني: إخباره لهم، أنه مذكور عندهم وأنهم وعدوا به، وأن الأنبياء بشرّت به، واحتجاحه عليهم بذلك، ولو كان هذا الأمر لا وجود له البتة، لكان مغريا لهم بتكذيبه منفرا لاتباعه، محتجا على دعواه بما يشهد ببطلانها.

الثالث: أن هاتين الأمتين معترفتين: بأن الكتب القديمة بشرّت بنبي عظيم الشأن، يخرج في آخر الزمان، نعته كيت وكيت، وهذا مما اتفق عليه المسلمون، واليهود والنصارى.

فأما المسلمون: فلما جاءهم آمنوا به، وصدقوه، وعرفوا أنه الحق من ربهم.

وأما اليهود: فعلماؤهم عرفوه، وتيقنوا أنه محمد بن عبد الله، فمنهم من آمن به، ومنهم من جحد نبوته، وقالوا لأتباعه: إنه لم يخرج بعد.

وأما النصارى: فوضعوا بشارات التوراة والنبوات التي بعدها على المسيح، ولا ريب أن بعضها صريح فيه، وبعضها ممتنع حمله عليه، وبعضها محتمل، وأما بشارات المسيح فحملوها كلها على الحواريين، وإذا جاءهم ما يستحيل انطباقه عليهم حرفوه أو سكتوا عنه، وقالوا: لا ندري من المراد به.

الرابع: اعتراف من أسلم منهم بذلك، وأنه صريح في كتبهم، وعن المسلمين الصادقين منهم تلقى المسلمون هذه البشارات، وتيقنوا صدقها، وصحتها بشهادة المسلمين منهم بها مع تباين إعصارهم، وأمصارهم، وكثرتهم، واتفاقهم على لفظها.

وهذا يفيد القطع بصحتها ولو لم يقر بها أهل الكتاب، فكيف وهم مقرون بها لا يجحدونها، وإنما يغالطون في تأويلها، والمراد بها؟ وكل واحدة من هذه «الطرق الأربعة» كاف في العلم بصحة هذه البشارات، وقد قدمنا أن إقدامه على إخبار أصحابه وأعدائه، بأنه مذكور في كتبهم بنعته وصفته، وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وتكراره ذلك عليهم مرة بعد مرة في كل مجمع، وتعريفهم بذلك، وتوبيخهم، والنداء عليهم به، من أقوى الأدلة القطعية على وجوده من وجهين:

أحدهما: قيام الدليل القطعي على صدقه.

الثاني: دعوته لهم بذلك إلى تصديقه ولو لم يكن له وجود لكان ذلك من أعظم دواعي تكذيبه والتنفير عنه

هداية الحيارى
خطبة الكتاب | تمهيد | مسائل الكتاب | المسألة الأولى | الأسباب المانعة من قبول الحق | لا غرابة في جحد النصارى رسالة محمد وقد سبوا الله | صلاة النصارى استهزاء بالمعبود | المسألة الثانية | قصة النجاشي | وفد نصارى نجران | خبر عدي بن حاتم الطائي | قصة سلمان الفارسي | قصة هرقل | إسلام النجاشي | قصة المقوقس | قصة ابن الجلندي | صاحب اليمامة | قصة الحارث | قصة عبد الله بن سلام | المذكور في كتبهم غالبا وهو أبلغ من الاسم | نصارى نجران | اثنا عشر وجها تدل على أنه مذكور في الكتب المنزلة | اختلاف نسخ التوراة والإنجيل وتناقضها | نصوص الكتب المتقدمة في البشارة به وصفته ونعت أمته | النصارى آمنوا بمسيح لا وجود له واليهود ينتظرون المسيح الدجال | ما عوض به إبليس والنصارى وكل مستكبر عن حق | أدلة من التوراة على نبوة محمد | نطق التوراة صراحة بنبوة محمد | ما ذكر في نبوة حبقوق | مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود | صفات النبي المذكورة في كتبهم | خبر المباهلة | حديث وهب عن الزبور | خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال | أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي | خبر بحيرا الراهب | خبر آخر عن هرقل | الطرق الأربعة الدالة على صحة البشارة به | تحريف التوراة والإنجيل | سبب تحريف التوراة | جحدهم بنبوة محمد نظير جحدهم نبوة المسيح | التغيير في ألفاظ الكتب | المناقضات في الإنجيل | الرد على من طالب بالنسخ الصحيحة | الرد على من قال بعدم كفر هاتين الأمتين | الرد على من طعن بالصحابة | معاصي الأمم لا تقدح في الرسل ولا في رسالتهم | كتب اليهود | من شريعتهم نكاح امرأة الأخ أو العار | دين النصارى | مقالة أشباه الحمير في مريم وابنها | لو لم يظهر محمد لبطلت نبوة سائر الأنبياء | النصارى أشد الأمم افتراقا في دينهم | اختلاف فرقهم المشهورة في شخصية المسيح | تاريخ المجامع النصرانية | ذكر ماني الكذاب | بولس أول من ابتدع اللاهوت والناسوت في شأن المسيح | أول من ابتدع شارة الصليب قسطنطين | المجمع الأول | المجمع الثاني | المجمع الثالث | المجمع الرابع | المجمع الخامس | المجمع السادس | المجمع السابع | المجمع الثامن | المجمع التاسع | المجمع العاشر | لو عرض دين النصرانية على قوم لم يعرفوا لهم إلها لامتنعوا من قبوله | يستحيل الإيمان بنبي من الأنبياء مع جحد نبوة محمد | إنكار النبوات شيمة الفلاسفة والمجوس وعباد الأصنام | غباوة اليهود | إشراق الأرض بالنبوة