محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثانية والثمانون
كتاب الحج
913 - مسألة : فمن استطاع كما ذكرنا ، ثم بطلت استطاعته أو لم تبطل فالحج والعمرة عليه ويلزم أداؤهما عنه من رأس ماله قبل ديون الناس على ما ذكرنا في أول كتاب الحج الذي نحن فيه . فإن لم يوجد من يحج عنه إلا بأجرة استؤجر عنه لقول النبي عليه السلام " دين الله أحق بالقضاء " من يحج عنه ويعتمر من ميقات من المواقيت لا يلزم غير هذا ، إلا أن يوصي بأن يحج عنه من بلده ، فتكون الإجارة الزائدة على الحج من ميقات ما من الثلث ؛ لأنه عمل لا يلزم . ولو خرج المرء من منزله لحاجة نفسه لا ينوي حجا ، ولا عمرة فأتى الميقات فحينئذ لزمه الإحرام والدخول في عمل الحج لا قبل ذلك . وجائز أن تحج المرأة عن الرجل والمرأة ، والرجل عن المرأة والرجل ، لأمر النبي عليه السلام الخثعمية أن تحج عن أبيها ، وأمره عليه السلام الرجل أن يحج عن أمه ؛ والرجل أن يحج عن أبيه ، ولم يأت نص ينهى عن شيء من ذلك ، وقال - تعالى - : { وافعلوا الخير } وهذا خير ، فجائز أن يفعله كل أحد عن كل أحد . وقولنا هو قول أبي سليمان ، والشافعي ، وغيرهما . وقال أبو حنيفة : لا تجوز الإجارة على الحج ، وإنما يجوز أن يعطي مالا ليحج عن المحجوج عنه به فقط ، واحتج في منع الإجارة في ذلك بأن قال قائلهم : لا تجوز الإجارة على الطاعة ولا على المعصية . قال أبو محمد : أما الإجارة على المعصية فنعم ، وأما على الطاعة فقولهم فيه باطل ، بل الإجارة جائزة على الطاعة ، وقد أمر عليه السلام بالمؤاجرة وأباحها وحض على إعطاء الأجير أجره ، فكان هذا جائزا على كل شيء إلا ما منع منه نص فقط ، وهم مجمعون معنا على جواز الإجارة في بنيان المساجد ، وعلى جواز الإجارة للإبل للحج عليها ، وعلى جلاء سلاح المجاهدين ، وكل ذلك طاعة لله - تعالى - ، فظهر تناقضهم . وتعقد الإجارة في كل ذلك بأن تعطى دراهم في هدي المتعة ، أو في هدي يسوقه قبل الإحرام ليكون قارنا ، ثم يوصف له عمل الحج الذي استؤجر عليه كله من تحديد الميقات وعدد التلبية ، ووقت الميقات بعرفة ، وصفة الركعتين عند المقام والتعجيل في يومين أو التأخير ، فإن حج العام فحسن ، فإن لم يحج فيه لم يكن له من الإجارة شيء وبطل العقد ، وإن لم يحج العام فحسن ، وعليه أن يحج في أول أوقات إمكان الحج له ويجزي متى حج عنه كسائر الأعمال الموصوفة من الخياطة وغيرها . وكل ما أصاب الأجير من فدية الأذى فهو عليه لا على المحجوج عنه فإن تعمد إبطال الحج ، أو عمرته فلا شيء له من الأجرة ؛ لأنه لم يعمل شيئا مما أمر به . فلو عمل بعض عمل الحج ، أو العمرة ، ثم مرض أو مات ، أو صد كان له بمقدار ما عمل ، ولا يكون له الباقي ؛ لأنه قد عمل بعض ما أمر به كما أمر ولم يتعمد ترك الباقي ، ويكون هدي الإحصار في مال المحصر ؛ لأنه ليس مما يعمل عن الميت فيستأجر عنه من يرمي الجمار ، أو يطوف عنه ، ويسعى ممن قد رمى عن نفسه ، وطاف عن نفسه ، وممن يحرم عنه ويقف بعرفة والمزدلفة ، ويوفي عنه باقي عمل الحج إن كان لم يعمل من ذلك شيئا . ولا يجوز إعطاء مال ليحج به عن الميت بغير أجرة ؛ لأن المال قد يضيع فلا يلزم المدفوع إليه ضمان مال ولا عمل حج ، فهو تضييع لمال الميت وهذا لا يجوز . فلو أعطاه حي ليحج به عنه كان عقدا غير لازم حتى يتم الحج ، فإذا تم حينئذ استحق ما أعطي وأجزأ عن المعطي - وبالله - تعالى - التوفيق . ولا يجزئ أن يستأجر من لم يحج ولا اعتمر إلا أن يكون غير مستطيع حين استؤجر فيجوز حينئذ ؛ لأنه غير مستطيع للحج عن نفسه فلا يلزمه وهو مستطيع للحج عن غيره مما يأخذ من الأجرة فاستئجاره لما يستطيع عليه جائز - وبالله - تعالى - التوفيق .
914 - مسألة : والأيام المعدودات والمعلومات واحدة ، وهي يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده لقول الله - تعالى - : { واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه } والتعجيل المذكور والتأخير المذكور إنما هو بلا خوف من أحد في أيام رمي الجمار . وأيام رمي الجمار بلا خلاف هو يوم النحر وثلاثة أيام بعده . وقال - تعالى - { : ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } فهذه بلا شك أيام النحر التي تنحر فيها بهيمة الأنعام ، وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده . روينا من طريق محمد بن المثنى نا عبيد الله بن موسى نا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال : الأيام المعلومات : يوم النحر وثلاثة أيام بعده : أيام التشريق . ومن طريق ابن أبي شيبة نا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس في وقوله تعالى : { في أيام معدودات } قال : يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده : أيام التشريق - وهذا قولنا . وقد روي غير هذا ، وقبل وبعد ، فذكر الله - تعالى - واجب في كل يوم فلا يجوز تخصيص ذلك إلا بنص ، وأما بالدعوى وقول قائل قد خولف فلا . صح عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، ومجاهد ، وعطاء ، والحسن البصري أن الأيام المعلومات عشر ذي الحجة ، آخرها يوم النحر ، وأن المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر . روينا ذلك من طريق يحيى بن سعيد القطان عن هشيم نا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وعن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير ، وعن يحيى بن سعيد القطان ، عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم ، وعن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وعن حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن عطاء ، وعن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن - وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي ، وأبي سليمان . وروينا من طريق إسماعيل بن إسحاق نا علي بن عبد الله نا عبيد الله بن موسى عن ابن أبي ليلى عن زر ، ونافع ، قال زر : عن علي بن أبي طالب ، وقال نافع : عن ابن عمر ، ثم اتفق علي ، وابن عمر ، قالا جميعا : الأيام المعدودات يوم النحر ويومان بعده ، اذبح في أيها شئت ، وأفضلها أولها وروينا من طريق محمد بن المثنى نا حماد بن عيسى الجهني نا جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال في أيام معدودات : أيام التشريق . وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان نا ابن عجلان نا نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : الأيام المعلومات : يوم النحر ويومان بعده ، والمعدودات : ثلاثة أيام بعد النحر ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه - وبه يقول مالك . قال أبو محمد : ما نعلم له حجة إلا تعلقه بابن عمر ، وقد روينا عن ابن عمر خلاف هذا ، وخالفه ابن عباس ، وعلي ، فليس التعلق ببعضهم أولى من بعض . واحتج الآخرون بأن قالوا : قد فرق الله - تعالى - بين اسميهما ؟ قلنا : نعم وجمع بين حكميهما في أنه أمر بذكره - عز وجل - فقط وذكر الله - تعالى - لا يجوز أن يخص به يوم دون يوم ، وكذلك لا يجوز أن يخص بالنحر لله - تعالى - يوم دون يوم ؛ لأنه فعل خير وبر إلا بنص ، ولا نص في تخصيص ذلك - وبالله - تعالى - التوفيق .
915 - مسألة : ونستحب الحج بالصبي وإن كان صغيرا جدا أو كبيرا وله حج وأجر ، وهو تطوع ، وللذي يحج به أجر ، ويجتنب ما يجتنب المحرم ، ولا شيء عليه إن واقع من ذلك ما لا يحل له ، ويطاف به ، ويرمى عنه الجمار إن لم يطق ذلك . ويجزي الطائف به طوافه ذلك عن نفسه . وكذلك ينبغي أن يدربوا ويعلموا الشرائع من الصلاة ، والصوم إذا أطاقوا ذلك ويجنبوا الحرام كله ، والله - تعالى - يتفضل بأن يأجرهم ، ولا يكتب عليهم إثما حتى يبلغوا . روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس { أن امرأة رفعت إلى رسول الله ﷺ صبيا فقالت : ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر } . قال أبو محمد : والحج عمل حسن ، وقال الله - تعالى - : { إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا } . فإن قيل : لا نية للصبي ؟ قلنا : نعم ، ولا تلزمه إنما تلزم النية المخاطب المأمور المكلف ، والصبي ليس مخاطبا ولا مكلفا ولا مأمورا وإنما أجره تفضل من الله - تعالى - مجرد عليه كما يتفضل على الميت بعد موته ولا نية له ولا عمل بأن يأجره بدعاء ابنه له بعده وبما يعمله غيره عنه من حج ، أو صيام ، أو صدقة ، ولا فرق ، ويفعل الله ما يشاء . وإذا الصبي قد رفع عنه القلم فلا جزاء عليه في صيد إن قتله في الحرم أو في إحرامه ، ولا في حلق رأسه لأذى به ، ولا عن تمتعه ، ولا لإحصاره ؛ لأنه غير مخاطب بشيء من ذلك ، ولو لزمه هدي للزمه أن يعوض منه الصيام وهو في المتعة ، وحلق الرأس ، وجزاء الصيد ، وهم لا يقولون هذا ولا يفسد حجه بشيء مما ذكرنا ، إنما هو ما عمل ، أو عمل به أجر ، وما لم يعمل فلا إثم عليه . وقد كان الصبيان يحضرون الصلاة مع رسول الله عليه السلام ، صحت بذلك آثار كثيرة : كصلاته بأمامة بنت أبي وقاص ، وحضور ابن عباس معه الصلاة ، وسماعه بكاء الصبي في الصلاة وغير ذلك ، ويجزي الطائف به طوافه عن نفسه ؛ لأنه طائف وحامل ، فهما عملان متغايران لكل واحد منهما حكم ، كما هو طائف وراكب ، ولا فرق .
916 - مسألة : فإن بلغ الصبي في حال إحرامه لزمه أن يجدد إحراما ويشرع في عمل الحج ، فإن فاتته عرفة ، أو مزدلفة ، فقد فاته الحج ولا هدي عليه ولا شيء . أما تجديده الإحرام فلأنه قد صار مأمورا بالحج وهو قادر عليه فلزمه أن يبتدئه ؛ لأن إحرامه الأول كان تطوعا والفرض أولى من التطوع .
917 - مسألة : من حج واعتمر ، ثم ارتد ، ثم هداه الله - تعالى - واستنقذه من النار فأسلم فليس عليه أن يعيد الحج ولا العمرة - وهو قول الشافعي ، وأحد قولي الليث . وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأبو سليمان : يعيد الحج والعمرة ، واحتجوا بقول الله - تعالى - : { لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين } ما نعلم لهم حجة غيرها ، ولا حجة لهم فيها ؛ لأن الله - تعالى - لم يقل فيها : لئن أشركت ليحبطن عملك الذي عملت قبل أن تشرك ، وهذه زيادة على الله - تعالى - لا تجوز ، وإنما أخبر - تعالى - أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على شركه لا إذا أسلم وهذا حق بلا شك . ولو حج مشرك أو اعتمر ، أو صلى ، أو صام ، أو زكى ، لم يجزه شيء من ذلك عن الواجب ، وأيضا فإن - قوله تعالى - فيها : { ولتكونن من الخاسرين } بيان أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل في إسلامه أصلا بل هو مكتوب له ومجازى عليه بالجنة ؛ لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة - لا هم ولا نحن - في أن المرتد إذا راجع الإسلام ليس من الخاسرين ، بل من المربحين المفلحين الفائزين . فصح أن الذي يحبط عمله هو الميت على كفره مرتدا أو غير مرتد ، وهذا هو من الخاسرين بلا شك ، لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته ، وقال - تعالى - { : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } فصح نص قولنا : من أنه لا يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر . ووجدنا الله - تعالى - يقول { : أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } . وقال - تعالى - { : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } . وهذا عموم لا يجوز تخصيصه . فصح أن حجه وعمرته إذا راجع الإسلام سيراهما ولا يضيعان له . وروينا من طرق كالشمس عن صالح بن كيسان ، ويونس ، ومعمر كلهم عن الزهري . وروينا أيضا عن هشام بن عروة المعنى ، ثم اتفق الزهري ، وهشام كلاهما عن عروة واللفظ للزهري ، قال : نا عروة بن الزبير { أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله عليه السلام : أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة ، أو عتاقة ، أو صلة رحم ، أفيها أجر ؟ فقال رسول الله عليه السلام : أسلمت على ما أسلفت من خير } ، قال أبو محمد : فصح أن المرتد إذا أسلم ، والكافر الذي لم يكن أسلم قط ، إذا أسلما فقد أسلما على ما أسلفا من الخير ، وقد كان المرتد إذا حج وهو مسلم قد أدى ما أمر به ، وما كلف كما أمر به فقد أسلم الآن عليه ، فهو له كما كان . وأما الكافر يحج كالصابئين الذين يرون الحج إلى مكة في دينهم ، فإن أسلم بعد ذلك لم يجزه ؛ لأنه لم يؤده كما أمر الله - تعالى - به ؛ لأن من فرض الحج وسائر الشرائع كلها أن لا تؤدى إلا كما أمر بها رسول الله محمد بن عبد الله عليه السلام في الدين الذي جاء به ، الذي لا يقبل الله - تعالى - دينا غيره ، وقال عليه السلام : { من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } . والصابئ إنما حج كما أمره يوراسف ، أو هرمس فلا يجزئه - وبالله - تعالى - التوفيق . ويلزم من أسقط حجه بردته أن يسقط إحصانه ، وطلاقه الثلاث ، وبيعه ، وابتياعه ، وعطاياه التي كانت في الإسلام ، وهم لا يقولون بهذا ؛ فظهر فساد قولهم - وبالله - تعالى - نتأيد .
918 - مسألة : ولا تحل لقطة في حرم مكة ، ولا لقطة من أحرم بحج ، أو عمرة ، مذ يحرم إلى أن يتم جميع عمل حجه . إلا لمن ينشدها أبدا لا يحد تعريفها بعام ولا بأكثر ولا بأقل ، فإن يئس من معرفة صاحبها قطعا متيقنا حلت حينئذ لواجدها ، بخلاف سائر اللقطات التي تحل له بعد العام . روينا من طريق مسلم نا زهير بن حرب نا الوليد بن مسلم نا الأوزاعي نا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف حدثني أبو هريرة " أن رسول الله ﷺ قال : { إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لم تحل لأحد قبلي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، وإنها لن تحل لأحد بعدي ، فلا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ، ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد } وذكر باقي الحديث . قال أبو محمد : ليست هذه إلا صفة الحرم لا الحل . ومن طريق البخاري نا عثمان بن أبي شيبة نا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس { أن رسول الله عليه السلام قال يوم فتح مكة : هذا بلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة } ثم ذكر كلاما وفيه { فلا يلتقط لقطته إلا من عرفها } وذكر الحديث ، فأحلها عليه السلام للمنشد وأوجب تعريفها بغير تحديد . وقال عليه السلام : " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام " . واللقطة هي غير مال الملتقط فهي عليه حرام . والتعريف إنما هو ليوجد من يعرفها أو صاحبها فهذا الحكم لازم ، فإذا يئس بيقين عن معرفة صاحبها سقط التعريف ، إذ من الباطل تعريف ما يوقن أنه لا يعرف ، وإذا سقط التعريف حلت حينئذ بالنص لمنشدها . ومن طريق أبي داود نا أحمد بن صالح نا ابن وهب نا عمرو بن الحارث عن بكير هو ابن عبد الله بن الأشج - عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي " أن رسول الله عليه السلام { نهى عن لقطة الحاج } قال أبو محمد : الحاج هو من هو في عمل الحج ، وأما قبل أن يشرع في العمل فهو مريد للحج وليس حاجا بعد ، وأما بعد إتمامه عمل الحج فقد حج وليس حاجا الآن ، وإنما سمي حاجا مجازا ، كما أن الصائم ، أو المصلي ، أو المجاهد ، إنما هو صائم ، ومصل ، ومجاهد ، ما دام في عمل ذلك ، وكذلك كل ذلك . ونهيه عليه السلام عن لقطة لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما ، إما أن يكون نهى عليه السلام عن أخذها ، أو نهى عن تملكها ، فأما أخذها فقد قال - تعالى - : { وتعاونوا على البر والتقوى } ونهى عليه السلام عن إضاعة المال ، وتركها إضاعة لها بلا شك ، وحفظها تعاون على البر والتقوى . فصح أنه إنما نهى عليه السلام عن تملكها وأيضا فإنه عليه السلام لم ينه عن حفظها ولا عن تعريفها ، وإنما نهى عنها بعينها ، هذا نص الحديث . فصح أنه إنما نهى عن تملكها فإذا يئس عن معرفة صاحبها بيقين فكل مال لا يعرف صاحبه فهو لله - تعالى - ، ثم في مصالح عباده ، والملتقط أحدهم وهي في يده فهو أحق بها ، ولا يتعدى به إلى غيره إلا ببرهان ، وحكم المعتمر كحكم الحاج لقوله عليه السلام { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } وبالله - تعالى - التوفيق .