محلى ابن حزم - المجلد الثاني/الصفحة الثامنة والسبعون
كتاب الحج
890 - مسألة : وجائز للمحرم في الحل والحرم ، وللمحل في الحرم والحل قتل كل ما ليس بصيد من الخنازير ، والأسد والسباع ، والقمل ، والبراغيث ، وقردان بعيره أو غير بعيره ، والحلم كذلك . ونستحب لهم قتل الحيات ، والفئران ، والحدأ والغربان ، والعقارب ، والكلاب العقورة ، صغار كل ذلك وكباره سواء ، وكذلك الوزغ وسائر الهوام - ولا جزاء في شيء من كل ما ذكرنا ولا في القمل . فإن قتل ما نهي عن قتله من هدهد ، أو صرد ، أو ضفدع ، أو نمل : فقد عصى ولا جزاء في ذلك . برهان ما ذكرنا - : أن الله تعالى أباح قتل ما ذكرنا ، ثم لم ينه المحرم إلا عن قتل الصيد فقط ، ولا نهى إلا عن صيد الحرم فقط ، ولا جعل الجزاء إلا في الصيد فقط . فمن حرم ما لم يأت النص بتحريمه ، أو جعل جزاء فيما لم يأت النص بالجزاء فيه : فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله . وقال أبو حنيفة : لا يقتل المحرم شيئا من الحيوان إلا الكلب العقور ، والحية ، والعقرب ، والحدأة ، والغراب ، والذئب فقط ، ولا جزاء عليه فيها . فأما الأسد ، والنمر ، والسبع ، والدب ، والخنزير ، وسائر سباع ذوات الأربع ، وجميع سباع الطير ففيها الجزاء إلا أن تكون ابتدأته فلا جزاء عليه فيها ، وجزاؤها عنده الأقل من قيمة كل ذلك أو شاة ، ولا يتجاوز بجزاء شيء من ذلك شاة واحدة ، ويقتل القردان عن بعيره ولا شيء عليه ، ولا يقتل القمل ، فإن قتلها أطعم شيئا ، وله قتل البرغوث ، والذر ، والبعوض ، ولا جزاء في ذلك . وقال زفر : سواء ابتدأت المحرم السباع أو لم تبتدئه عليه الجزاء فيما قتل منها ؛ وقال الطحاوي : لا يقتل المحرم الحية ، ولا الوزغ ، ولا شيئا غير الحدأة ، والغراب ، والكلب العقور ، والفأرة والعقرب . وقال مالك : يقتل المحرم الفأرة ، والعقرب ، والحدأة ، والغراب ، والكلب العقور ، والحية ، وجميع سباع ذوات الأربع ، إلا أنه كره قتل الغراب ، والحدأة ، إلا أن يؤذياه . ولا يجوز له قتل الثعلب ، ولا الهر الوحشي ، وفيهما الجزاء على من قتلهما ، إلا إن ابتدآه بالأذى . ولا يجوز له قتل صغار السباع أصلا ولا قتل الوزغ ، ولا قتل البعوض ، ولا قردان بعيره خاصة ، فإن قتله أطعم شيئا ، ولا يقتل شيئا من سباع الطير ، فإن فعل ففيها الجزاء ، وله قتل القراد إذا وجده على نفسه . ولا يجوز له قتل صغار الغربان ، ولا صغار الحدأة ؛ واختلف عنه في صغار الفئران أيقتلها أم لا ؟ قال : ولا يقتل القمل ، فإن قتلها أطعم شيئا . وقول الشافعي كقولنا إلا في الثعلب فإنه رأى فيه الجزاء . وروينا عن مجاهد : قتل الحدأة ، وارم الغراب ، ولا تقتله . ومن طريق وكيع عن سفيان عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال : لا يقتل المحرم الفأرة . قال أبو محمد : كل ما ذكرنا آراء فاسدة متناقضة ، ولئن كانت السباع محرمة على المحرم وفي الحرم فإن تفريق أبي حنيفة بين جزاء الصيد ؛ فرأى فيه قيمته يبتاع ما بلغت من الإهداء ولو ثلاثة ، أو أربعة وبين جزاء السباع فلم ير فيها إلا الأقل من قيمتها أو شاة فقط لا يزيد على واحدة : عجب لا نظير له ؟ ، ودين جديد نبرأ إلى الله تعالى عز وجل منه ، وقول بلا برهان لا من قرآن ، ولا سنة . ولا رواية سقيمة . ولا قول أحد يعرف قبله . ولا قياس . ولا رأي له نصيب من السداد . وكذلك تفريق مالك بين صغار الغربان ، والحديا ، وبين صغار العقارب ، والحيات ، وبين سباع الطير ، وبين سباع ذوات الأربع . فإن قالوا : قسنا سباع ذوات الأربع على الكلب العقور ؟ قلنا : فهلا قستم سباع الطير على الحدأة ؟ أو هلا قستم سباع ذوات الأربع على الضبع وعلى الثعلب عندكم ؟ واحتجوا في القردان بأنها من البعير ؟ . قال علي : هذا كلام فاحش الفساد لوجهين ، أحدهما : أنه باطل وما كانت القردان قط متولدة من الإبل ، والثاني : أنه ما علم في دين الله تعالى إحرام على بعير ولو أن محرما أنزى بعيره على ناقة أو أنزى بعيرا على ناقته ما كان عليه في ذلك شيء ، فكيف أن يعذب بأكل القردان له ؟ إن هذا لعجب واحتجوا في القملة بأنها من الإنسان ؟ فقلنا : فكان ماذا ؟ وهم لا يختلفون أن الصفار من الإنسان ولو قتلها المحرم لم يكن فيها عندهم شيء ، وقالوا : هو إماطة الأذى عن نفسه ؟ فقلنا : نعم فكان ماذا ؟ وما أمر الله تعالى قط في إماطة الأذى بغير حلق الرأس بشيء وأنتم لا تختلفون في أن تعصير الدمل وحك الجلد وغسل القذى عن العين وقتل البراغيث إماطة أذى ولا شيء عليه في ذلك عندكم ؛ وإذ قستم إماطة الأذى حيث اشتهيتم على إماطة الأذى بحلق الرأس فاجعلوا فيها ما في إماطة الأذى بحلق الرأس وإلا فقد خلطتم وتناقضتم وأبطلتم قياسكم ؟ قال علي : وهذا الباب كله مرجعه إلى شيئين ، أحدهما : قول الله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } الآية - وإلى ما رويناه من طريق نافع عن ابن عمر قيل : { يا رسول الله ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا ؟ قال : خمس لا جناح على من قتلهن : الحدأة ، والغراب ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور } ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي ﷺ : { خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام : الفأرة ، والغراب ، والحدأة والعقرب ، والكلب العقور } . قال علي : فقال قائلون : قد أمر الله تعالى رسوله ﷺ بالبيان وسئل : ماذا يقتل المحرم ؟ فأجابهم عليه السلام بهذه الخمس ، وأخبر أنه لا جناح في قتلهن في الحرم والإحرام ، فلو كان هنالك سادس لبينه عليه السلام وحاشا له من أن يغفل شيئا من الدين سئل عنه ، فصح أن ما عدا هذه الخمسة لا يجوز قتلهن . قال أبو محمد : وهذا الاحتجاج لا يمكن المقلدين لأبي حنيفة أن يحتجوا به لأنهم كلهم قد زادوا إلى هذه الخمس ما لم يذكر فيهن ، فأضاف أبو حنيفة إليهن : الذئب ، والحيات ، والجعلان والوزغ ، والنمل ، والقراد والبعوض . فإن قالوا : إنما زدنا الذئب للخبر الذي رويناه من طريق وكيع عن سفيان عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب عن النبي ﷺ قال : { يقتل المحرم الذئب } والمرسل والمسند سواء ؟ قلنا : فقولوا بما رويناه من طريق أبي داود عن أحمد بن حنبل عن هشيم قال : أنا يزيد بن أبي زياد نا عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي عن أبي سعيد الخدري : { أن رسول الله ﷺ سئل عما يقتل المحرم ؟ فقال : الحية ، والعقرب ، والفويسقة ، ويرمي الغراب ولا يقتله ، والكلب العقور ، والحدأة ، والسبع العادي } فاقتلوا كل سبع عاد . ولم يقل عليه السلام : السبع العادي عليه بل أطلقه إطلاقا . وأما نحن فلم نأخذ بما في هذا الخبر من النهي عن قتل الغراب ؛ لأن راويه يزيد بن أبي زياد - وقد قال فيه ابن المبارك : ارم به ، على جمود لسان ابن المبارك وشدة توقيه - وتكلم فيه شعبة ، وأحمد - وقال فيه يحيى : لا يحتج بحديثه - وكذبه أبو أسامة ، وقال : لو حلف خمسين يمينا ما صدقته . فإن قالوا : قد جعل رسول الله ﷺ في الضبع الجزاء - وهي سبع ذو ناب - ؟ قلنا : نعم ، وهي حلال من بين السباع فهي صيد فما الذي أوجب أن تقيسوا سائر السباع المحرمة على الضبع الحلال أكلها ؟ ولم تقيسوها على الذئب الذي هو حرام عندكم ؟ وقد صح عن أبي هريرة أن الأسد : هو الكلب العقور ، وأبو هريرة حجة في اللغة ، ولا مخالف له من الصحابة يعرف في ذلك . قال أبو محمد : أما هذه الأقوال فظاهرة الفساد ، ولم يبق الكلام إلا في تخصيص الخبر المذكور من [ هذه ] الآية وإلحاق ما عدا ما ذكر في هذا الخبر بالتحريم ، أو تخصيص الآية وإلحاق ما عدا ما ذكر فيها بالخبر المذكور ، أو أن نحكم بما في الآية وبما في الخبر ونطلب حكم ما لم يذكر فيهما من غير هذين النصين . قال علي : فكان الوجهان الأولان متعارضين ليس أحدهما أولى من الآخر ؛ وأيضا : فإن إلحاق ما لم يذكر في الآية بما ذكر فيها ، أو إلحاق ما لم يذكر في الخبر بما ذكر فيه قياس والقياس كله باطل ، وتعد لحدود الله : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } وشرع في الدين بما لم يأذن به الله تعالى ، وهذا لا يحل ، فلم يبق إلا الوجه الثالث ، فكان هو الحق لأنه هو الائتمار لله تعالى ولرسوله عليه السلام وترك تعد لحدودهما . فنظرنا في ذلك - : فوجدنا الله تعالى إنما حرم في الإحرام والحرم قتل الصيد ، وجعل على من قتله وهو حرم بالعمد الجزاء ، فوجب القول بذلك . ووجدنا رسول الله عليه السلام قد أخبر بأن المحرم يقتل الخمس المذكورات ، وأنه لا جناح في قتلهن في حرم ، أو إحرام فوجب القول بذلك . ثم نظرنا فيما عدا الخمس المذكورات مما ليس صيدا - : فوجدنا الكلام فيهما في موضعين أحدهما : قتلها ، والثاني : هل في قتلها جزاء أم لا ؟ فنظرنا في إيجاب الجزاء في ذلك - : فوجدناه باطلا لا إشكال فيه ، لأنه ليس في هذا الخبر دليل على إيجاب جزاء في ذلك أصلا ولا شيء من النصوص كلها ؛ فكان القول بذلك شرعا في الدين لم يأذن به الله تعالى ؛ فبطل جملة والحمد لله رب العالمين . ثم نظرنا في قتلها - : فوجدنا من منع منه يقول : اقتصار النبي ﷺ على جواب السائل عما يقتل المحرم على هذه الخمس دليل على أن ما عداها بخلافها ؟ ولولا ذلك لكان كلامه عليه السلام غير مستوعب لجواب السائل ولا مبين له حكم ما سأل عنه ، وحاشا له من هذا ، ووجدنا من أباح قتلها يقول : اقتصار الله تعالى على المنع من قتل الصيد خاصة بقوله تعالى : { وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما } دليل على أن ما عدا الصيد بخلاف الصيد في ذلك ، ولولا ذلك لكان كلامه تعالى غير مستوعب لما يحرم علينا ولا مبين لنا حكم ما ألزمنا إياه ، وحاشا له من ذلك فكان هذان الاستدلالان متقابلين فلا بد من النظر فيهما ؟ فأول ما نقول : أن اليقين من كل مسلم قد صح بأن الله تعالى قد بين لنا ما ألزمنا ، وأن رسول الله ﷺ قد بين لنا ما ألزمنا الله تعالى ، ولم يجز لنا تعدي ما نصه علينا ربنا تعالى ونبينا عليه السلام ، فوجدنا الآية فيها حكم الصيد وليس فيها حكم غيره لا بتحريم ، ولا بإباحة ، ووجدنا الخبر الذي فيه ذكر الخمس المحضوض على قتلها في الحرم والإحرام والحل ليس فيه حكم غيرها لا بتحريم ، ولا بإباحة ؛ فلم يجز أن يضاف إلى هذه الآية ولا إلى هذا الحديث ما ليس فيهما ، فوجب النظر فيما لم يذكر فيهما وطلب حكمه من غيرهما ؛ فوجدنا الحيوان قسمين سوى ما ذكر في الآية والخبر - : فقسم مباح قتله : كجميع سباع الطير ، وذوات الأربع ، والخنازير ، والهوام ، والقمل ، والقردان ، والحيات ، والوزغ ، وغير ذلك مما لا يختلف أنه لا حرج في قتله . وقسم محرم قتله بنصوص واردة فيه : كالهدهد ، والصرد ، والضفادع ، والنحل ، والنمل ؛ فوجب أن يحمل كل ذلك على حكمه كما كان ، وأن لا ينقل بظن قد عارضه ظن آخر ، وبغير نص جلي ؛ فهذا هو الحق الذي لا يجوز تعديه . فإن قيل : فإن ما لا يحل أكله قد يصيده المرء ليطعمه جوارحه ؟ قلنا : هذا باطل لأن الله تعالى قد نص علينا حكم الصيد بقوله تعالى : { ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } . وبقوله تعالى : { فإذا حللتم فاصطادوا } فصح أن المحلل لنا إذا حللنا هو المحرم علينا إذا أحرمنا ، وأنه تصيد ما علمنا الله عز وجل حكمه الذي بالتزامه يتبين من يخاف ربه تعالى فيلتزم ما أمر به في صيده ويجتنب ما نهى عنه فيه ممن لا يخاف ربه فيعتدي ما أمره تعالى ؛ وليس هذا بيقين إلا فيما تصيد للأكل ، وما علمنا قط في لغة ولا شريعة أن الجري خلف الخنازير ، والأسد ، وقتلها يطلق عليه اسم : صيد . فإن قيل : فما وجه اقتصار رسول الله ﷺ على هذه الخمس ؟ قلنا : وبالله تعالى التوفيق : ظاهر الخبر يدل على أنها محضوض على قتلهن مندوب إليه ويكون غيرهن مباحا قتله أيضا وليس هذا الخبر مما يمنع أن يكون غير الخمس مأمورا بقتله أيضا : كالوزغ ، والأفاعي ، والحيات ، والرتيلا والثعابين . وقد يكون عليه السلام تقدم بيانه في هذه فاكتفى عن إعادتها عند ذكره الخمس الفواسق ، ولم يكن تقدم ذكره لهن ، فلولا هذا الخبر ما علمنا الحض على قتل الغراب ولا تحريم أكله ، وأكل الفأرة ، والعقرب ، فله أعظم الفائدة - ولله تعالى الحمد . وقد قلنا : إن هذا الحجاج كله لا مدخل في شيء لأبي حنيفة ، ولا لمالك لأنهم زادوا على الخمس دواب كثيرة ، ومنعوا من قتل دواب كثيرة بالرأي الفاسد المجرد ، فلا بالآية تعلقوا ولا بالحديث . وأما الشافعي : فإنه تناقض في الثعلب ، لأنه ذو ناب من السباع فهو حرام لم يأت تحليله في نص قط وليس صيدا . والعجب كله ممن احتج من أصحاب أبي حنيفة بحديث الخمس الفواسق وأوهم أنه متعلق به غير متعد له ؛ وقد كذبوا في ذلك كما ذكرنا . ثم لم يبالوا بأن يزيدوا على حديث الأصناف الستة في الربا ألف صنف لا يذكر ، لا في ذلك الخبر ، ولا في غيره : روينا من طريق وكيع نا سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال : اقتل من السباع ما عدا عليك وما لم يعد عليك وأنت محرم - قال : ولا بأس بأن يقتل المحرم : الذئب ، والسنور البري ، والنسر . قال أبو محمد : أما النسر ففيه الجزاء ؛ لأنه صيد حلال أكله ؛ إذ لم ينص على تحريمه - : ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : ما سمعنا أن الثعلب يفدى - وعن معمر عن ابن أبي نجيح : أن الثعلب سبع ، وأنكر أن يكون فيه جزاء ، أو أن يكون صيدا . ومن طريق عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد بن غفلة قال : أمرنا عمر بن الخطاب بقتل الحية ، والعقرب ، والفأر ، والزنبور ، ونحن محرمون . ومن طريق حماد بن سلمة عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح قال : ليس في الزنبور جزاء . ومن طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : من قتل وزغا فله به صدقة . وعن ابن عمر : اقتلوا الوزغ فإنه شيطان . ومن طريق وكيع عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة أم المؤمنين أنها كانت تقتل الوزغ في بيت الله تعالى . ومن طريق وكيع قال إبراهيم بن نافع : سألت عطاء أيقتل الوزغ في الحرم ؟ قال : لا بأس ، ولا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم . ومن طريق حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير قال : رأيت عمر بن الخطاب يقرد بعيره وهو محرم . ومن طريق وكيع نا عبد الحميد بن جعفر عن عيسى بن علي الأنصاري أن علي بن أبي طالب رخص في المحرم أن يقرد بعيره . ومن طريق محمد بن المثنى نا محمد بن فضيل نا العلاء هو ابن المسيب - قال : سئل عطاء أيقرد المحرم بعيره ؟ قال : نعم ، قد كان ابن عمر يقرد بعيره وهو محرم . ومن طريق ابن أبي شيبة نا روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق نا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : لا بأس أن يقرد المحرم بعيره . ومن طريق سعيد بن منصور نا سفيان عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عكرمة أن ابن عباس أمره أن يقرد بعيرا وهو محرم ؟ فكره عكرمة ، فقال له ابن عباس : فقم فانحره فنحره ، فقال له ابن عباس : لا أم لك كم قتلت من قراد وحلمة وحمنانة ؟ - لا يعرف لهم من الصحابة مخالف إلا رواية عن ابن عمر قد أوردنا عنه خلافها . وعن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال : يقرد المحرم بعيره ، ويطليه بالقطران ، لا بأس بذلك - وهو قول مجاهد - وقد روينا خلاف ذلك عن بعض التابعين . وأما النمل : فلا يحل قتله ، ولا قتل الهدهد ، ولا الصرد ، ولا النحلة ، ولا الضفدع - : لما روينا من طريق عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : { نهى رسول الله ﷺ عن قتل أربع من الدواب : النملة ، والنحلة ، والهدهد والصرد } . ومن طريق أبي داود نا محمد بن كثير نا سفيان عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان : { أن طبيبا سأل رسول الله ﷺ عن ضفدع يجعلها في دواء ؟ فنهاه النبي عليه السلام عن قتلها } . قال أبو محمد : فلا يحل قتل شيء من هذه لا لمحل ، ولا لمحرم ، فإن قتل شيئا منها عامدا وهو محرم عالما بالنهي : فهو فاسق عاص لله عز وجل ، ولا جزاء عليه لأنها ليست صيدا . روينا من طريق حماد بن سلمة عن أبي المهزم : سمع ابن الزبير وسأله محرم عن قتله نملا ؟ فقال له ابن الزبير : ليس عليك شيء . وأما البعوض ، والذباب : فروينا عن سعيد بن جبير قال : ما أبالي لو قتلت عشرين ذبابة وأنا محرم ، وأنه لا بأس بقتل البق للمحرم - يعني البعوض . وعن عطاء : لا بأس بقتل الذباب للمحرم . وعن مجاهد لا شيء في الرخم والعقاب ، والصقر ، والحدأ ، يصيبها المحرم . وأما القمل : فروينا من طريق عبد الرزاق عن ابن التيمي عن أبيه - هو المعتمر بن سليمان - عن أبي مجلز قال : شهدت امرأة سألت ابن عمر عن قملة قتلتها وهي محرمة ؟ فقال : ما نعلم القملة من الصيد ، وذكر باقي الخبر . ومن طريق وكيع نا عيسى بن حفص عن أبيه قال : رآني ابن عمر وأنا أنقر رأسي وأنا محرم فقال : هكذا حكا شديدا . ومن طريق وكيع نا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال : كنت عند ابن عباس فسأله رجل أحك رأسي وأنا محرم ؟ فحك ابن عباس رأسه حكا شديدا ؛ فقال الرجل : أفرأيت إن قتلت قملة ، قال : بعدت ما القملة مانعتي أن أحك رأسي وإياها أردت ؛ وما نهيتم إلا عن الصيد . وعن ابن جريج عن عطاء كل ما لا يؤكل فإن قتلته وأنت محرم فلا غرم عليك فيه ، مع أنه ينهى عن قتله إلا أن يكون عدوا أو يؤذيك . وعن حماد بن سلمة عن حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح أنه كان لا يرى بأسا بقتل المحرم القملة . ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم سمعت أبا بشر وقد سألته عن القملة يقتلها المحرم ، فقال : قال سعيد بن جبير : { فجزاء مثل ما قتل من النعم } ليس للقملة جزاء . وروينا من طريق سفيان الثوري عن جابر عن عطاء عن عائشة أم المؤمنين قالت : يقتل المحرم الهوام كلها إلا القملة فإنها منه ؟ قال أبو محمد : لم يجعل فيها شيئا . وقال أبو حنيفة : إن قتل قملة أطعم شيئا ؛ وأباح للمحرم غسل ثيابه ، وغسل رأسه - وهذا تناقض . وسئل مالك عن البعوض ، والبراغيث ، يقتلها المحرم أعليه كفارة ؟ فقال : إني لا أحب ذلك - هذه رواية ابن وهب عنه ، وروى عنه ابن القاسم أنه قال في محرم لدغته دبرة فقتلها وهو لا يشعر ؟ فقال : يطعم شيئا ، وكذلك من قتل قملة . وقال الشافعي : إن أخذها من رأسه فقتلها فليطعم لقمة . قال علي : فإن احتجوا بما { أمر به رسول الله ﷺ كعب بن عجرة إذ رآه يتناثر القمل على وجهه فأمره بحلق رأسه ، وأن يفتدي ؟ } قلنا : نعم هذا حق ولسنا معكم في حلق الرأس إنما نحن في قتل القمل ، ولم يقل عليه السلام : إن هذه الفدية إنما هي لقتل القمل ؛ ومن قوله هذا فقد كذب عليه ، ولئن كانت القملة ليست من الصيد فما لها جزاء ، ولئن كانت من الصيد فما مثلها لقمة ، ولا قبضة طعام ؛ وإنما مثلها حبة سمسمة . فما ندري بماذا تعلقوا ؟ وبالله تعالى التوفيق .