انتقل إلى المحتوى

مجموع الفتاوى/المجلد الثاني عشر/فصل في سؤال السائل هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
مجموع فتاوى ابن تيميةالتفسير المؤلف ابن تيمية
فصل في سؤال السائل هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم


فصل في سؤال السائل هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم

[عدل]

وأما سؤال السائل: هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم؟ فنعم، يجب ذلك في هؤلاء، وفي كل من أظهر مقالة تخالف الكتاب والسنة؛ فإن ذلك من المنكر الذي أمر الله بالنهي عنه، كما قال تعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } 1، وهو من الإثم الذي قال الله فيه: { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ } 2.

وكل من أثبت لله ما نفاه عن نفسه أو نفي عن الله ما أثبته لنفسه من المعطلة والممثلة، فإنه قال على الله غير الحق، وذلك مما زجر الله عنه بقوله للنصارى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ } 3، وبقوله: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } 4، وقال عن الشيطان: { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } 5، وقال: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } 6.

فإن من قال غير الحق، فقد قال على الله مالا يعلم؛ فإن الباطل لا يعلم إلا إذا علم بطلانه، فأما اعتقاد أنه الحق فهو جهل لا علم، فمن قاله، فقد قال مالا يعلم، وكذلك من تبع في هذه الأبواب وغيرها من أبواب الدين آباءه وأسلافه من غير اعتصام منه بالكتاب والسنة والإجماع، فإنه ممن ذمه الله في كتابه؛ مثل قوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ } 7، وقوله: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } 8.

وكذلك من اتبع الظنون والأهواء معتقدًا أنها عقليات و ذوقيات، فهو ممن قال الله فيه: { إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى } 9، وإنما يفصل بين الناس فيما تنازعوا فيه الكتاب المنزل من السماء، والرسول المؤيد بالأنباء، كما قال تعالى: { اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } 10، وقال تعالى: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ } 11، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } 12، وقال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } 13، بل على الناس أن يلتزموا الأصول الجامعة الكلية التي اتفق عليها سلف الأمة وأئمتها؛ فيؤمنون بماوصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

وليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتي تقام عليه الحجة، وتبين له المحَجَّة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة.


هامش

  1. [آل عمران: 104]
  2. [المائدة: 63]
  3. [النساء: 171]
  4. [المائدة: 77]
  5. [البقرة: 169]
  6. [الأعراف: 33]
  7. [المائدة: 104]
  8. [الأحزاب: 66 68]
  9. [النجم: 23]
  10. [الأحقاف: 4]
  11. [البقرة: 213]
  12. [النساء: 59]
  13. [الشورى: 10]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الثاني عشر
فصل التنازع في الحروف الموجودة في كلام الآدميين | فصل في التنازع في قدم الأحرف وشكلها | تابع فصل في التنازع في قدم الأحرف وشكلها | فصل في المراد بلفظ الحروف | فصل في بيان أن القرآن العظيم كلام الله | فصل في منشأ النزاع والاشتباه | فصل في معرفة الأصل الذي تفرع منه النزاع | سئل عمن قال اختلاف المسلمين في كلام الله على ثلاثة أنحاء | تابع مسألة أختلاف الناس على ثلاثة أنحاء | سئل عن ما يجب على الإنسان أن يعتقده | فصل في نزول القرآن | سئل عن قوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقوله إنه لقول رسول كريم | فصل عن قوله تعالى إنه لقول رسول كريم | فصل وأما قول القائل أنتم تعتقدون أن موسى سمع كلام الله منه | فصل قول القائل تقولون إن القرآن صفة الله | فصل في قوله تعالى وإن أحد من المشركين استجارك فأجره | سئل عمن يقول كلام الناس قديم | فصل مسألة اللفظ بالقرآن | فصل فيما قاله الكفار في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم | فصل في الذين يقولون بأن حروف القرآن ليست من كلام الله | فصل في الذين غلطوا مذهب اللفظية | فصل في ذكر بعض جهالات اللفظية | فصل رد الإمام أحمد على اللفظية | فصل فيمن أدرك من درجات الكلام بعض الحق | فصل في ذكر نصوص الإمام أحمد في الرد على اللفظية | فصل في العلة من ذكر ابن تيمية لنصوص الإمام أحمد | فصل في ذكر المواضع التي نص فيها الإمام أحمد على هذه المسألة | فصل في ذكر من قال إن الإمام أحمد قال ذلك خوفا من الناس | فصل في ذكر شبهة هؤلاء | فصل في سؤال السائل هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم | فصل في تكفير قائل هذا القول | فصل مسألة التكفير والتفسيق من مسائل الأسماء والأحكام | فصل في معرفة مسألة الأحكام | فصل في مسألة تكفير أهل البدع والأهواء | سئل عن رجل قال إن الله لم يكلم موسى تكليما | سئل عن رجل قال إن الله لم يكلم موسى تكليما فقال له آخر بل كلمه تكليما | سئل عن هذا القرآن الذي نتلوه هو كلام الله الذي تكلم به | فصل في أن القرآن الذي نقرأه هو كلام الله | سئل عن رجلين قال أحدهما القرآن كلام الله وقال الآخر هو كلام جبريل | سئل عمن يقول الكلام غير المتكلم | سئل عن المصحف هل هو نفس القرآن | فصل في أن القرآن الذي بين دفتي المصحف متواتر | هل الحروف مخلوقة أو غير مخلوقة | سئل عمن يقول إن الشكل والنقط من كلام الله تعالى | فصل في الكلام في القرآن هل هو حرف وصوت | سئل عن رجلين تباحثا في موضوع الحروف والصوت | سئل عن المصحف العتيق إذا تمزق ما يصنع به