مجموع الفتاوى/المجلد الثاني عشر/فصل في سؤال السائل هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم
فصل في سؤال السائل هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم
[عدل]وأما سؤال السائل: هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم؟ فنعم، يجب ذلك في هؤلاء، وفي كل من أظهر مقالة تخالف الكتاب والسنة؛ فإن ذلك من المنكر الذي أمر الله بالنهي عنه، كما قال تعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } 1، وهو من الإثم الذي قال الله فيه: { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ } 2.
وكل من أثبت لله ما نفاه عن نفسه أو نفي عن الله ما أثبته لنفسه من المعطلة والممثلة، فإنه قال على الله غير الحق، وذلك مما زجر الله عنه بقوله للنصارى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقِّ } 3، وبقوله: { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ } 4، وقال عن الشيطان: { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } 5، وقال: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } 6.
فإن من قال غير الحق، فقد قال على الله مالا يعلم؛ فإن الباطل لا يعلم إلا إذا علم بطلانه، فأما اعتقاد أنه الحق فهو جهل لا علم، فمن قاله، فقد قال مالا يعلم، وكذلك من تبع في هذه الأبواب وغيرها من أبواب الدين آباءه وأسلافه من غير اعتصام منه بالكتاب والسنة والإجماع، فإنه ممن ذمه الله في كتابه؛ مثل قوله: { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ } 7، وقوله: { يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } 8.
وكذلك من اتبع الظنون والأهواء معتقدًا أنها عقليات و ذوقيات، فهو ممن قال الله فيه: { إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى } 9، وإنما يفصل بين الناس فيما تنازعوا فيه الكتاب المنزل من السماء، والرسول المؤيد بالأنباء، كما قال تعالى: { اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } 10، وقال تعالى: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ } 11، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } 12، وقال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } 13، بل على الناس أن يلتزموا الأصول الجامعة الكلية التي اتفق عليها سلف الأمة وأئمتها؛ فيؤمنون بماوصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
وليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتي تقام عليه الحجة، وتبين له المحَجَّة، ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة.
هامش
- ↑ [آل عمران: 104]
- ↑ [المائدة: 63]
- ↑ [النساء: 171]
- ↑ [المائدة: 77]
- ↑ [البقرة: 169]
- ↑ [الأعراف: 33]
- ↑ [المائدة: 104]
- ↑ [الأحزاب: 66 68]
- ↑ [النجم: 23]
- ↑ [الأحقاف: 4]
- ↑ [البقرة: 213]
- ↑ [النساء: 59]
- ↑ [الشورى: 10]