مجموع الفتاوى/المجلد الثاني عشر/فصل في أن القرآن الذي بين دفتي المصحف متواتر
فصل في أن القرآن الذي بين دفتي المصحف متواتر
[عدل]وقال قدس الله روحه:
فصل
والقرآن الذي بين لوحي المصحف متواتر؛ فإن هذه المصاحف المكتوبة اتفق عليها الصحابة، ونقلوها قرآنا عن النبي ﷺ وهي متواترة من عهد الصحابة، نعلم علمًا ضروريًا أنها ما غيرت، والقراءة المعروفة عن السلف الموافقة للمصحف تجوز القراءة بها بلا نزاع بين الأئمة، ولا فرق عند الأئمة بين قراءة أبي جعفر ويعقوب، وخَلَف، وبين قراءة حمزة والكسائي، وأبي عمرو ونعيم، ولم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن القراءة مختصة بالقراء السبعة.
فإن هؤلاء، إنما جمع قراءاتهم أبو بكر ابن مجاهد بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة، واتبعه الناس على ذلك، وقصد أن ينتخب قراءة سبعة من قراء الأمصار، ولم يقل هو ولا أحد من الأئمة: إن ما خرج عن هذه السبعة فهو باطل، ولا أن قول النبي ﷺ: «أنزل القرآن على سبعة أحرف» أريد به قراءة هؤلاء السبعة، ولكن هذه السبعة اشتهرت في أمصار لا يعرفون غيرها، كأرض المغرب، فأولئك لا يقرؤون بغيرها؛ لعدم معرفتهم باشتهار غيرها.
فأما من اشتهرت عندهم هذه، كما اشتهر غيرها؛ مثل أرض العراق وغيرها، فلهم أن يقرؤوا بهذا وهذا، والقراءة الشاذة مثلما خرج عن مصحف عثمان، كقراءة من قرأ: »الحي القيام« و »صراط من أنعمت عليهم« و »إن كانت إلا زقية واحدة« »والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. والذكر والأنثى« وأمثال ذلك.
فهذه إذا قرئ بها في الصلاة، ففيها قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد:
أحدهما: تصح الصلاة بها؛ لأن الصحابة الذين قرؤوا بها كانوا يقرؤونها في الصلاة، ولا ينكر عليهم.
والثاني: لا؛ لأنها لم تتواتر إلينا، وعلى هذا القول فهل يقال: إنها كانت قرآنا فنسخ، ولم يعرف من قرأ إلا بالناسخ؟ أو لم تنسخ، ولكن كانت القراءة بها جائزة لمن ثبتت عنده دون من لم تثبت، أو لغير ذلك، هذا فيه نزاع مبسوط في غير هذا الموضع.
وأما من قرأ بقراءة أبي جعفر ويعقوب ونحوهما، فلا تبطل الصلاة بها باتفاق الأئمة، ولكن بعض المتأخرين من المغاربة ذكر في ذلك كلاما وافقه عليه بعض من لم يعرف أصل هذه المسألة.
هامش