مجموع الفتاوى/المجلد الثاني عشر/فصل في أن القرآن الذي بين دفتي المصحف متواتر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في أن القرآن الذي بين دفتي المصحف متواتر[عدل]

وقال قدس الله روحه:

فصل

والقرآن الذي بين لوحي المصحف متواتر؛ فإن هذه المصاحف المكتوبة اتفق عليها الصحابة، ونقلوها قرآنا عن النبي وهي متواترة من عهد الصحابة، نعلم علمًا ضروريًا أنها ما غيرت، والقراءة المعروفة عن السلف الموافقة للمصحف تجوز القراءة بها بلا نزاع بين الأئمة، ولا فرق عند الأئمة بين قراءة أبي جعفر ويعقوب، وخَلَف، وبين قراءة حمزة والكسائي، وأبي عمرو ونعيم، ولم يقل أحد من سلف الأمة وأئمتها: إن القراءة مختصة بالقراء السبعة.

فإن هؤلاء، إنما جمع قراءاتهم أبو بكر ابن مجاهد بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة، واتبعه الناس على ذلك، وقصد أن ينتخب قراءة سبعة من قراء الأمصار، ولم يقل هو ولا أحد من الأئمة: إن ما خرج عن هذه السبعة فهو باطل، ولا أن قول النبي : «أنزل القرآن على سبعة أحرف» أريد به قراءة هؤلاء السبعة، ولكن هذه السبعة اشتهرت في أمصار لا يعرفون غيرها، كأرض المغرب، فأولئك لا يقرؤون بغيرها؛ لعدم معرفتهم باشتهار غيرها.

فأما من اشتهرت عندهم هذه، كما اشتهر غيرها؛ مثل أرض العراق وغيرها، فلهم أن يقرؤوا بهذا وهذا، والقراءة الشاذة مثلما خرج عن مصحف عثمان، كقراءة من قرأ: »الحي القيام« و »صراط من أنعمت عليهم« و »إن كانت إلا زقية واحدة« »والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى. والذكر والأنثى« وأمثال ذلك.

فهذه إذا قرئ بها في الصلاة، ففيها قولان مشهوران للعلماء، هما روايتان عن الإمام أحمد:

أحدهما: تصح الصلاة بها؛ لأن الصحابة الذين قرؤوا بها كانوا يقرؤونها في الصلاة، ولا ينكر عليهم.

والثاني: لا؛ لأنها لم تتواتر إلينا، وعلى هذا القول فهل يقال: إنها كانت قرآنا فنسخ، ولم يعرف من قرأ إلا بالناسخ؟ أو لم تنسخ، ولكن كانت القراءة بها جائزة لمن ثبتت عنده دون من لم تثبت، أو لغير ذلك، هذا فيه نزاع مبسوط في غير هذا الموضع.

وأما من قرأ بقراءة أبي جعفر ويعقوب ونحوهما، فلا تبطل الصلاة بها باتفاق الأئمة، ولكن بعض المتأخرين من المغاربة ذكر في ذلك كلاما وافقه عليه بعض من لم يعرف أصل هذه المسألة.


هامش



مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الثاني عشر
فصل التنازع في الحروف الموجودة في كلام الآدميين | فصل في التنازع في قدم الأحرف وشكلها | تابع فصل في التنازع في قدم الأحرف وشكلها | فصل في المراد بلفظ الحروف | فصل في بيان أن القرآن العظيم كلام الله | فصل في منشأ النزاع والاشتباه | فصل في معرفة الأصل الذي تفرع منه النزاع | سئل عمن قال اختلاف المسلمين في كلام الله على ثلاثة أنحاء | تابع مسألة أختلاف الناس على ثلاثة أنحاء | سئل عن ما يجب على الإنسان أن يعتقده | فصل في نزول القرآن | سئل عن قوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقوله إنه لقول رسول كريم | فصل عن قوله تعالى إنه لقول رسول كريم | فصل وأما قول القائل أنتم تعتقدون أن موسى سمع كلام الله منه | فصل قول القائل تقولون إن القرآن صفة الله | فصل في قوله تعالى وإن أحد من المشركين استجارك فأجره | سئل عمن يقول كلام الناس قديم | فصل مسألة اللفظ بالقرآن | فصل فيما قاله الكفار في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم | فصل في الذين يقولون بأن حروف القرآن ليست من كلام الله | فصل في الذين غلطوا مذهب اللفظية | فصل في ذكر بعض جهالات اللفظية | فصل رد الإمام أحمد على اللفظية | فصل فيمن أدرك من درجات الكلام بعض الحق | فصل في ذكر نصوص الإمام أحمد في الرد على اللفظية | فصل في العلة من ذكر ابن تيمية لنصوص الإمام أحمد | فصل في ذكر المواضع التي نص فيها الإمام أحمد على هذه المسألة | فصل في ذكر من قال إن الإمام أحمد قال ذلك خوفا من الناس | فصل في ذكر شبهة هؤلاء | فصل في سؤال السائل هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم | فصل في تكفير قائل هذا القول | فصل مسألة التكفير والتفسيق من مسائل الأسماء والأحكام | فصل في معرفة مسألة الأحكام | فصل في مسألة تكفير أهل البدع والأهواء | سئل عن رجل قال إن الله لم يكلم موسى تكليما | سئل عن رجل قال إن الله لم يكلم موسى تكليما فقال له آخر بل كلمه تكليما | سئل عن هذا القرآن الذي نتلوه هو كلام الله الذي تكلم به | فصل في أن القرآن الذي نقرأه هو كلام الله | سئل عن رجلين قال أحدهما القرآن كلام الله وقال الآخر هو كلام جبريل | سئل عمن يقول الكلام غير المتكلم | سئل عن المصحف هل هو نفس القرآن | فصل في أن القرآن الذي بين دفتي المصحف متواتر | هل الحروف مخلوقة أو غير مخلوقة | سئل عمن يقول إن الشكل والنقط من كلام الله تعالى | فصل في الكلام في القرآن هل هو حرف وصوت | سئل عن رجلين تباحثا في موضوع الحروف والصوت | سئل عن المصحف العتيق إذا تمزق ما يصنع به