مجموع الفتاوى/المجلد الثاني عشر/فصل في العلة من ذكر ابن تيمية لنصوص الإمام أحمد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل في العلة من ذكر ابن تيمية لنصوص الإمام أحمد[عدل]

وإنما نبهت على أصل مقالة الإمام أحمد وسائر أئمة السنة وأهل الحديث في مسألة تلاوتنا للقرآن ؛ لأنها أصل ما وقع من الاضطراب والتنازع في هذا الباب، مثل مسألة الإيمان هل هو مخلوق أو غير مخلوق؟ و مسألة نور الإيمان و الهدى ونحو ذلك من المسائل التي يكثر تنازع أهل الحديث والسنة فيها، ويتمسك كل فريق ببعض من الحق، فيصيرون بمنزلة الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب، مختلفين في الكتاب، كل منهم بمنزلة الذي يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وهم عامتهم في جهل وظلم، جهل بحقيقة الإيمان والحق، وظلم الخلق، ويقع بسببها بين الأمة من التكفير والتلاعن ما يفرح به الشيطان، ويغضب له الرحمن، ويدخل به من فعل ذلك فيما نهى الله عنه من التفرق والاختلاف، ويخرج عما أمر الله به من الاجتماع والائتلاف.

وأصل ذلك القرب والاتصال الحاصل بين ما أنزله الله تعالى من القرآن والإيمان الذي هو من صفاته، وبين أفعال العباد وصفاتهم، فلعسر الفرق والتمييز يميل قوم إلى زيادة في الإثبات، وآخرون إلى زيادة في النفي ؛ ولهذا كان مذهب الإمام أحمد والأئمة الكبار النهي عن الإثبات العام، والنفي العام، بل إما الإمساك عنهما وهو الأصلح للعموم وهو جمل الاعتقاد وإما التفصيل المحقق فهو لذي العلم من أهل الإيمان، كما أن الأول لعموم أهل الإيمان.

وهذه المسألة لها أصلان:

أحدهما: أن أفعال العباد مخلوقة، وقد نص عليها الأئمة أحمد وغيره، وسائر أئمة أهل السنة والجماعة المخالفين للقدرية، واتفقت الأمة على أن أفعال العباد محدثة.

والأصل الثاني: مسألة تلاوة القرآن وقراءته واللفظ به، هل يقال: إنه مخلوق أو غير مخلوق؟ والإمام أحمد قد نص على رد المقالتين هو وسائر أئمة السنة من المستقدمين والمستأخرين، لكن كان رده على اللفظية النافية أكثر وأشهر وأغلظ لوجهين:

أحدهما: أن قولهم يفضي إلى زيادة التعطيل والنفي، وجانب النفي أبدًا شر من جانب الإثبات ؛ فإن الرسل جاؤوا بالإثبات المفصل في صفات الله، وبالنفي المجمل فوصفوه بالعلم، والرحمة، والقدرة والحكمة، والكلام، والعلو، وغير ذلك من الصفات وفي النفي: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } 1، { وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ } 2. وأما الخارجون عن حقيقة الرسالة ؛ من الصابئة، والفلاسفة، والمشركين، وغيرهم، ومن تجهم من أتباع الأنبياء، فطريقتهم النفي المفصل، ليس كذا ليس كذا، وفي الإثبات أمر مجمل ؛ ولهذا يقال: المعطل أعمى، والمشبه أعشى، فأهل التشبيه مع ضلالهم خير من أهل التعطيل.

الوجه الثاني: أن أحمد إنما ابتلى بالجهمية المعطلة فهم خصومه، فكان همه منصرفًا إلى رد مقالاتهم، دون أهل الإثبات؛ فإنه لم يكن في ذلك الوقت والمكان من هو داع إلى زيادة في الإثبات؛ كما ظهر من كان يدعو إلى زيادة في النفي. والإنكار يقع بحسب الحاجة. والبخاري لما ابتلى باللفظية المثبتة، ظهر إنكاره عليهم، كما في تراجم آخركتاب الصحيح، وكما في كتاب خلق الأفعال، مع أنه كذَّب من نقل عنه أنه قال: لفظي بالقرآن مخلوق، من جميع أهل الأمصار، وأظنه حلف على ذلك، وهو الصادق البار.


هامش

  1. [الشورى: 11]
  2. [الإخلاص: 4]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الثاني عشر
فصل التنازع في الحروف الموجودة في كلام الآدميين | فصل في التنازع في قدم الأحرف وشكلها | تابع فصل في التنازع في قدم الأحرف وشكلها | فصل في المراد بلفظ الحروف | فصل في بيان أن القرآن العظيم كلام الله | فصل في منشأ النزاع والاشتباه | فصل في معرفة الأصل الذي تفرع منه النزاع | سئل عمن قال اختلاف المسلمين في كلام الله على ثلاثة أنحاء | تابع مسألة أختلاف الناس على ثلاثة أنحاء | سئل عن ما يجب على الإنسان أن يعتقده | فصل في نزول القرآن | سئل عن قوله تعالى فأجره حتى يسمع كلام الله وقوله إنه لقول رسول كريم | فصل عن قوله تعالى إنه لقول رسول كريم | فصل وأما قول القائل أنتم تعتقدون أن موسى سمع كلام الله منه | فصل قول القائل تقولون إن القرآن صفة الله | فصل في قوله تعالى وإن أحد من المشركين استجارك فأجره | سئل عمن يقول كلام الناس قديم | فصل مسألة اللفظ بالقرآن | فصل فيما قاله الكفار في القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم | فصل في الذين يقولون بأن حروف القرآن ليست من كلام الله | فصل في الذين غلطوا مذهب اللفظية | فصل في ذكر بعض جهالات اللفظية | فصل رد الإمام أحمد على اللفظية | فصل فيمن أدرك من درجات الكلام بعض الحق | فصل في ذكر نصوص الإمام أحمد في الرد على اللفظية | فصل في العلة من ذكر ابن تيمية لنصوص الإمام أحمد | فصل في ذكر المواضع التي نص فيها الإمام أحمد على هذه المسألة | فصل في ذكر من قال إن الإمام أحمد قال ذلك خوفا من الناس | فصل في ذكر شبهة هؤلاء | فصل في سؤال السائل هل يجب على ولي الأمر زجرهم وردعهم | فصل في تكفير قائل هذا القول | فصل مسألة التكفير والتفسيق من مسائل الأسماء والأحكام | فصل في معرفة مسألة الأحكام | فصل في مسألة تكفير أهل البدع والأهواء | سئل عن رجل قال إن الله لم يكلم موسى تكليما | سئل عن رجل قال إن الله لم يكلم موسى تكليما فقال له آخر بل كلمه تكليما | سئل عن هذا القرآن الذي نتلوه هو كلام الله الذي تكلم به | فصل في أن القرآن الذي نقرأه هو كلام الله | سئل عن رجلين قال أحدهما القرآن كلام الله وقال الآخر هو كلام جبريل | سئل عمن يقول الكلام غير المتكلم | سئل عن المصحف هل هو نفس القرآن | فصل في أن القرآن الذي بين دفتي المصحف متواتر | هل الحروف مخلوقة أو غير مخلوقة | سئل عمن يقول إن الشكل والنقط من كلام الله تعالى | فصل في الكلام في القرآن هل هو حرف وصوت | سئل عن رجلين تباحثا في موضوع الحروف والصوت | سئل عن المصحف العتيق إذا تمزق ما يصنع به