مجموع الفتاوى/المجلد الثامن عشر/فصل في حديث إن أكبر الكبائر الكفر والكبر
فصل في حديث إن أكبر الكبائر الكفر والكبر
وقال شيخ الإسلام:
جاء في حديث «إن أكبر الكبائر الكفر والكِبْر» وهذا صحيح، فإن هذين الذنبين أساس كل ذنب في الإنس والجن، فإن إبليس هو الذي فعل ذلك أولا، وهو أصل ذلك. قال الله تعالى: { إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ } 1، وقال: { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَي وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } 2 وفي صحيح مسلم، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان، ولا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كِبْر» فجعل الكبر يُضَاد الإيمان.
وكذلك الشرك في مثل قوله: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ } 3، وقال ابن مسعود: قال رسول الله ﷺ: «من مات وهو لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة» قال: وأنا أقول: من مات وهو يشرك بالله شيئًا دخل النار.
ثم من الناس من يجمع بينهما، ومنهم من ينفرد له أحدهما، والمؤمن الصالح عافاه الله منهما. فإن الإنسان؛ إما أن يخضع لله وحده، أو يخضع لغيره مع خضوعه له، أولا يخضع لا لله ولا لغيره. فالأول: هو المؤمن، والثاني: هو المشرك، والثالث: هو المتكبر الكافر. وقد لا يكون كافرًا في بعض المواضع، والنصاري آفَتُهُم الشرك، وإليهود آفتهم الكبر، كما قال تعالى عن النصاري: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبابا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } 4، وقال عن إليهود: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } 5، ولهذا عوقبت إليهود بِضَرْب الذِّلَّة والمسكنة عليهم، والنصاري بالضلال والبدع والجهالة.
هامش