كتاب الأم/كتاب النكاح/نكاح العدد ونكاح العبيد
قال الله تبارك وتعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} إلى قوله {أن لا تعولوا}.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فكما بينا في الآية والله تعالى أعلم أن المخاطبين بها الأحرار لقوله تعالى {فواحدة أو ما ملكت أيمانكم} لأنه لا يملك إلا الأحرار وقوله {ذلك أدنى أن لا تعولوا} فإنما يعول من له المال ولا مال للعبيد، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة وكان ثقة عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ينكح العبد امرأتين.
[قال الشافعي]: وهذا قول الأكثر من المفتين بالبلدان ولا يزيد العبد على امرأتين وكذلك كل من لم تكمل فيه الحرية من عبد قد عتق بعضه ومكاتب ومدبر ومعتق إلى أجل والعبد فيما زاد على اثنتين من النساء مثل الحر فيما زاد على أربع لا يختلفان فإذا جاوز الحر أربعا فقلت ينفسخ نكاح الأواخر منهن الزوائد على أربع فكذلك ينفسخ نكاح ما زاد العبد فيه على اثنتين وكل ما خفي أنه أول فما زاد الحر فيه على أربع فأبطلت النكاح أو جمعت العقدة فيه أكثر من أربع ففسخت نكاحهن كلهن، فكذلك أصنع في العبيد فيما خفي، وجمعت العقدة فيه أكثر من اثنتين فعلى هذا الباب كله قياسه ولا أعلم بين أحد لقيته ولا حكي لي عنه من أهل العلم اختلافا في أن لا يجوز نكاح العبد إلا بإذن مالكه وسواء كان مالكه ذكرا أو أنثى إذا أذن له مالكه جاز نكاحه ولا أحتاج إلى أن يعقد مالكه عقدة نكاح ولكنه يعقدها إن شاء لنفسه إذا أذن له وإنما يجوز نكاح العبد بإذن مالكه إذا كان مالكه بالغا غير محجور عليه فأما إذا كان محجورا عليه فلا يجوز للعبد أن ينكح بحال ولا يجوز لوليه أن يزوجه في قول من قال إن إنكاحه دلالة لا فرض ومن قال إن إنكاحه فرض فعلى وليه أن يزوجه.
وإذا كان العبد بين اثنين فأذن له أحدهما بالتزويج فتزوج فالنكاح مفسوخ ولا يجوز نكاحه حتى يجتمعا على الإذن له به وليس للسيد أن يكره عبده على النكاح فإن فعل فالنكاح مفسوخ.
وكذلك إن زوج عبده بغير إذنه ثم رضي العبد فالنكاح مفسوخ وله أن يزوج أمته بغير إذنها بكرا كانت أو ثيبا وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح حرة فنكح أمة أو أمة فنكح حرة أو امرأة بعينها فنكح غيرها أو امرأة من أهل بلد فنكح امرأة من غير أهل ذلك البلد فالنكاح مفسوخ وإن قال له انكح من شئت فنكح حرة أو أمة نكاحا صحيحا فالنكاح جائز والعبد إذا أذن له سيده يخطب على نفسه وليس كالمرأة وكذلك المحجور عليه إذا أذن له وليه يخطب على نفسه ولو أذن له في أن ينكح امرأة أو قال من شئت فنكح التي أذن له بها أو نكح امرأة مع قوله انكح من شئت وأصدقها أكثر من مهر مثلها كان النكاح ثابتا ولها مهر مثلها لا يزاد عليه ولا يكون لها فسخ النكاح لأن النكاح لا يفسد من قبل صداق بحال ويتبع العبد بالفضل عن مهر مثلها إذا عتق ولا سبيل لها عليه في حالة رقه لأن ماله لمالكه ولو كاتب لم يكن عليه سبيل في حال كتابته لأنه ليس بتام الملك على ماله وأن ماله موقوف حتى يعجز فيرجع إلى سيده أو يعتق فيكون له فإذا عتق كان لها أن تأخذ منه الفضل عن مهر مثلها حتى تستوفي ما سمى لها ولو كان هذا في حر محجور عليه لم يكن لها اتباعه لأن ردنا أمر المملوك لأن المال لغيره وأمر المحجور للحجر والمال له.
[قال الشافعي]: ولو أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة ولم يسمها ولا بلدها فنكح امرأة من غير أهل بلده ثبت النكاح ولم يكن للسيد فسخه وكان له منعه الخروج إلى ذلك البلد وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح امرأة فالصداق فيما اكتسب العبد ليس للسيد منعه من أن يكتسب فيعطيها الصداق دونه وكذلك النفقة إذا وجبت نفقة الزوجة وإن كان العبد الذي أذن له سيده بالنكاح مأذونا له في التجارة فله أن يعطي الصداق مما في يديه من المال وإن كان غير مأذون له بالتجارة فلسيده أن يأخذ شيئا إن كان في يديه لأنه مال السيد وعليه أن يدعه يكتسب المهر لأن إذنه له بالنكاح إذن باكتساب المهر ودفعه، وإذا أذن له بالنكاح فله أن يسافر به ويرسله حيث شاء وليس له إذا كان معه بالمصر أن يمنعه امرأته في الحين الذي لا خدمة له عليه فيه وله أن يمنعه إياها في الحين الذي له عليه فيه الخدمة وليس في عنق العبد ولا مال السيد من الصداق ولا النفقة شيء إلا أن يضمنه فيلزمه بالضمان كما يلزم بالضمان على الأجنبيين.
وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج امرأة حرة بألف فتزوجها بألف وضمن السيد لها الألف فالضمان لازم ولها أن تأخذ السيد بضمانه ولا براءة للعبد منها حتى تستوفيها فإذا باعها السيد زوجها بأمر الزوج أو غير أمره بتلك الألف بعينها قبل أن يدخل بها فالبيع باطل من قبل أن عقدة البيع وتلك الألف يقعان معا لا يتقدم أحدهما صاحبه فلما كانت لا تملك العبد أبدا بتلك الألف بعينها لأنها تبطل عنها بأن نكاحها لو ملكت زوجها ينفسخ كان شراؤها له فاسدا فالألف بحالها والعبد عبده وهما على النكاح. [قال الربيع]: وإذا أذن الرجل لعبده أن يتزوج بألف درهم فتزوج وضمن السيد الألف ثم طلبت المرأة الألف من السيد قبل أن يدخل بها الزوج فباعها زوجها بالألف التي هي صداقها فالبيع باطل والنكاح بحاله من قبل أنها إذا ملكت زوجها انفسخ نكاحها فإذا انفسخ بطل أن يكون لها صداق وإذا لم يكن لها صداق كان العبد مشترى بلا ثمن فكان البيع باطلا وكان النكاح بحاله [قال الربيع]: وهو قول الشافعي النكاح بحاله.
[قال الشافعي]: وسواء كان البيع بإذن العبد أو غير إذنه لأنها لا تملكه أبدا بتلك الألف ولا بشيء منها لأنها تبطل كلها إذا ملكته ولو طلقها العبد قبل أن يدخل بها كان لها نصف الألف ولو كانت المسألة بحالها فباعها إياه بلا أمر العبد بألف أو أقل أو أكثر كان البيع جائزا وكان العبد لها وعليها الثمن الذي باعها إياه به وكان النكاح منفسخا من قبلها وقبل السيد الذي ليس له طلاقها، ولو كان باعها إياه بيعا فاسدا كانا على النكاح.
ولو كانت امرأة العبد أمة فاشترت زوجها بإذن سيدها أو اشتراها زوجها بإذن سيده كانا على النكاح وكذلك إن وهبت له أو وهب لها أو ملكها أو ملكته بأي وجه ما كان الملك كانا على النكاح لأن ما ملك كل واحد منهما ملك لسيده لا له، ولو كان بعض الزوج حرا فاشترى امرأته بإذن الذي له فيه الرق فسد النكاح لأنه يملك منها بقدر ما يملك من نفسه.
وإذا أذن الرجل لعبده أن ينكح من شاء وما شاء من عدد النساء فله أن ينكح حرتين مسلمتين أو كتابيتين أو ذميتين وينكح الحرة على الأمة والأمة على الحرة ويعقد نكاح أمة وحرة معا وليس له أن ينكح أمة كتابية ولا تحل الأمة الكتابية لمسلم إلا أن يطأها بملك اليمين.
وإذا قال الرجل لعبده قد زوجتك فلا يجوز عليه النكاح إلا أن يأذن له العبد، وإذا أذن له أن ينكح أو سأله العبد أن ينكحه فقال المولى: قد زوجتك فلانة بأمرك وادعت ذلك، وقال العبد: لم تزوجنيها فالقول قول العبد مع يمينه وعلى المرأة البينة.