كتاب الأم/كتاب النكاح/ما جاء في نكاح إماء المسلمين وحرائر أهل الكتاب وإمائهم
أخبرنا الربيع قال: [قال الشافعي]: قال الله تبارك وتعالى {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} وقال تبارك وتعالى {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} الآية. فنهى الله عز وجل في هاتين الآيتين عن نكاح نساء المشركين كما نهى عن إنكاح رجالهم [قال]: وهاتان الآيتان تحتملان معنيين أن يكون أريد بهما مشركو أهل الأوثان خاصة فيكون الحكم فيهما بحاله لم ينسخ ولا شيء منه لأن الحكم في أهل الأوثان أن لا ينكح مسلم منهم امرأة كما لا ينكح رجل منهم مسلمة [قال]: وقد قيل هذا فيها وفيما هو مثله عندنا والله أعلم به [قال]: وتحتملان أن تكونا في جميع المشركين وتكون الرخصة نزلت بعدها في حرائر أهل الكتاب خاصة كما جاءت في ذبائح أهل الكتاب من بين المشركين خاصة قال الله تبارك وتعالى {أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} الآية. وقال الله تبارك وتعالى {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات} إلى قوله {ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم}.
[قال الشافعي]: رحمه الله فبهذا كله نقول لا تحل مشركة من غير أهل الكتاب بنكاح ولا يحل أن ينكح من أهل الكتاب إلا حرة ولا من الإماء إلا مسلمة ولا تحل الأمة المسلمة حتى يجتمع الشرطان معا فيكون ناكحها لا يجد طولا لحرة ويكون يخاف العنت إن لم ينكحها وهذا أشبه بظاهر الكتاب وأحب إلي لو ترك نكاح الكتابية وإن نكحها فلا بأس وهي كالحرة المسلمة في القسم لها والنفقة والطلاق والإيلاء والظهار والعدة وكل أمر غير أنهما لا يتوارثان وتعتد منه عدة الوفاة وعدة الطلاق وتجتنب في عدتها ما تجتنب المعتدة وكذلك الصبية ويجبرها على الغسل من الجنابة والتنظيف فأما الأمة المسلمة فإن نكحها وهو يجد طولا لحرة فسخ النكاح ولكنه إن لم يجد طولا ثم نكحها ثم أيسر لم يفسخ النكاح لأن العقدة انعقدت صحيحة فلا يفسدها ما بعدها، ولو عقد نكاح حرة وأمة فقد قيل تثبت عقدة الحرة وعقدة الأمة مفسوخة وقد قيل: هي مفسوخة معا.
[قال الشافعي]: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء قال لا يصلح نكاح الإماء اليوم لأنه يجد طولا إلى حرة.
[قال الشافعي]: فقال بعض الناس لم قلت لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب؟ فقلت استدلالا بكتاب الله عز وجل قال وأين ما استدللت منه؟ فقلت قال الله تبارك وتعالى {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم} وقال {إذا جاءكم المؤمنات} الآية. فقلنا نحن وأنتم لا يحل لمن لزمه اسم كفر نكاح مسلمة حرة ولا أمة بحال أبدا ولا يختلف في هذا أهل الكتاب وغيرهم من المشركين لأن الآيتين عامتان واسم المشرك لازم لأهل الكتاب وغيرهم من المشركين ووجدنا الله عز وجل قال {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} فلم نختلف نحن وأنتم أنهن الحرائر من أهل الكتاب خاصة إذا خصص وتكون الإماء منهن من جملة المشركات المحرمات فقال إنا نقول قد يحل الله الشيء ويسكت عن غيره غير محرم لما سكت عنه وإذا أحل حرائرهم دل ذلك على إحلال إمائهم ودل ذلك على أنه عنى بالآيتين المشركين غيرهم من أهل الأوثان فقلت: أرأيت إن عارضك معارض بمثل حجتك التي قلت فقال وجدت في أهل الكتاب حكما مخالفا حكم أهل الأوثان فوجدت الله عز وجل أباح نكاح حرائر أهل الكتاب وإنما تقاس إماؤهم بحرائرهم فكذلك أنا أقيس رجالهم بنسائهم فأجعل لرجالهم أن ينكحوا المسلمات إذا كانوا خارجين من الآيتين قال ليس ذلك له والإرخاص في حرائر نسائهم ليس الإرخاص في أن ينكح رجالهم المسلمات؟ قلت: فإن قال لك ولكنه في مثل معناه قياسا عليه قال ولا يكون عليه قياسا وإنما قصد بالتحليل عين من جملة محرمة قلت فهذه الحجة عليك لأن إماءهم غير حرائرهم كما رجالهم غير نسائهم وإنما حرائرهم مستثنون من جملة محرمة. قال: قد اجتمع الناس على أن لا يحل لرجل منهم أن ينكح مسلمة. قلت: فإجماعهم على ذلك حجة عليك لأنهم إنما حرموا ذلك بكتاب الله عز وجل فرخصوا في الحرائر بكتاب الله قال قد اختلفوا في الإماء من أهل الكتاب. قلت: فإذا اختلفوا فالحجة عنده وعندك لمن وافق قوله معنى كتاب الله عز وجل ومن حرمهن فقد وافق معنى كتاب الله لأنهن من جملة المشركات وبرئوا من أن يكونوا من الحرائر المخصوصات بالتحليل [قال]: وقلنا لا يحل نكاح أمة مسلمة إلا بأن لا يجد ناكحها طولا لحرة ولا تحل وإن لم يجد طولا لحرة حتى يخاف العنت فيجتمع فيه المعنيان اللذان لهما أبيح له نكاح الأمة وخالفنا فقال: يحل نكاح الأمة بكل حال كما يحل نكاح الحرة فقال لنا ما الحجة فيه؟ فقلت كتاب الله الحجة فيه. والدليل على أن لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب مع ما وصفنا من الدلالة عليه؟ فقلت له: قد حرم الله الميتة فقال {حرمت عليكم الميتة والدم} واستثنى إحلاله للمضطر أفيجوز لأحد أن يقول لما حلت الميتة بحال لواحد موصوف وهو المضطر حلت لمن ليس في صفته؟ قال لا. قلت وقد أمر الله تبارك وتعالى بالطهور وأرخص في السفر والمرض أن يقوم الصعيد مقام الماء لمن يعوزه الماء في السفر وللمريض مثل المحذور في السفر والحضر بغير إعواز أفيجوز لأحد أن يقول أجيز له التيمم في السفر على غير إعواز كما يجوز للمريض؟ قال: لا يجوز أبدا إلا لمعوز مسافر وإذا أحل شيء بشرط لم يحلل إلا بالشرط الذي أحله الله تعالى به واحدا كان أو اثنين. قلت: وكذلك حين أوجب عتق رقبة في الظهار ثم قال {فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين} لم يكن له أن يصوم وهو يجد عتق رقبة؟ قال نعم: فقلت له قد أصبت: فإن كانت لك بهذا حجة على أحد لو خالفك فكذلك هي عليك في إحلالك نكاح إماء أهل الكتاب. وإنما أذن الله تعالى في حرائرهم ونكاح إماء المؤمنين بكل حال وإنما أذن الله فيهن لمن لم يجد طولا ولمن يخاف العنت وما يلزمه في هذا أكثر مما وصفنا وفيما وصفت كفاية إن شاء الله تعالى. قال: فمن أصحابك من قال يجوز نكاح الإماء المسلمات بكل حال قلت فالحجة على من أجاز نكاح إماء المؤمنين بغير ضرورة الحجة عليك والقرآن يدل على أن لا يجوز نكاحهن إلا بمعنى الضرورة إلا أن لا يجد الناكح طولا لحرة ويخاف العنت فمن وافق قوله كتاب الله عز وجل كان معه الحق.