كتاب الأم/كتاب النكاح/ما يحرم الجمع بينه من النساء في قول الله عز وجل وأن تجمعوا بين الأختين
[قال الشافعي]: قال الله تبارك وتعالى {وأن تجمعوا بين الأختين}.
[قال الشافعي]: ولا يجمع بين أختين أبدا بنكاح ولا وطء ملك وكل ما حرم من الحرائر بالنسب والرضاع حرم من الإماء مثله إلا العدد والعدد ليس من النسب والرضاع بسبيل فإذا نكح امرأة ثم نكح أختها فنكاح الآخرة باطل ونكاح الأولى ثابت وسواء دخل بها أو لم يدخل بها ويفرق بينه وبين الآخرة وإذا كانت عنده أمة يطؤها لم يكن له وطء الأخت إلا بأن يحرم عليه فرج التي كان يطأ بأن يبيعها أو يزوجها أو يكاتبها أو يعتقها أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال (لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها).
[قال الشافعي]: فأيتهما نكح أولا ثم نكح عليها أخرى فسد نكاح الآخرة ولو نكحهما في عقدة كانت العقدة مفسوخة وينكح أيتهما شاء بعد وليس في أن " لا يجمع بين المرأة وعمتها خلاف كتاب الله عز وجل لأن الله ذكر من تحرم بكل حال من النساء ومن يحرم بكل حال إذا فعل في غيره شيء مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت بكل حال وكانوا يجمعون بين الأختين فنهوا عن ذلك وليس في نهيه عنه إباحة ما سوى جمعا بين غير الأختين لأنه قد يذكر الشيء في الكتاب فيحرمه ويحرم على لسان نبيه غيره كما ذكر المرأة المطلقة ثلاثا فقال {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} فبين على لسان نبيه ﷺ أن يصيبها وإلا لم تحل له مع كثير بينه الله على لسان نبيه ﷺ [قال]: وكذلك ليس في قوله {وأحل لكم ما وراء ذلكم} إباحة غيره مما حرم في غير هذه الآية على لسان نبيه ﷺ ألا ترى أنه يقول {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} (وقال رسول الله ﷺ لرجل أسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن) فبينت سنة رسول الله ﷺ أن انتهاء الله إلى أربع حظر أن يجمع بين أكثر منهن فلو نكح رجل خامسة على أربع كان نكاحها مفسوخا ويحرم من غير جهة الجمع كما حرم نساء، منهن المطلقة ثلاثا ومنهن الملاعنة ويحرم إصابة المرأة بالحيض والإحرام فكل هذا متفرق في مواضعه.
وما حرم على الرجل من أم امرأته أو بنتها أو امرأة أبيه أو امرأة ابنه بالنكاح فأصيبت من غير ذلك بالزنا لم تحرم لأن حكم النكاح مخالف حكم الزنا.
وقال الله عز وجل: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} والمحصنات اسم جامع فجماعه أن الإحصان المنع والمنع يكون بأسباب مختلفة منها المنع بالحبس والمنع يقع على الحرائر بالحرية ويقع على المسلمات بالإسلام ويقع على العفائف بالعفاف ويقع على ذوات الأزواج بمنع الأزواج فاستدللنا بأن أهل العلم لم يختلفوا فيما علمت بأن ترك تحصين الأمة والحرة بالحبس لا يحرم إصابة واحدة منهما بنكاح ولا ملك ولأني لم أعلمهم اختلفوا في أن العفائف وغير العفائف فيما يحل منهن بالنكاح والوطء بالملك سواء على أن هاتين ليستا بالمقصود قصدهما بالآية، والآية تدل على أنه لم يرد بالإحصان ههنا الحرائر أنه إنما قصد بالآية قصد ذوات الأزواج ثم دل الكتاب وإجماع أهل العلم أن ذوات الأزواج من الحرائر والإماء محرمات على غير أزواجهن حتى يفارقهن أزواجهن بموت أو فرقة طلاق أو فسخ نكاح إلا السبايا فإنهن مفارقات لهن بالكتاب والسنة والإجماع لأن المماليك غير السبايا لما وصفنا من هذا ومن أن السنة دلت أن المملوكة غير السبية إذا بيعت أو أعتقت (لأن النبي ﷺ خير بريرة حين أعتقت في المقام مع زوجها أو فراقه) ولو كان زوال الملك الذي فيه العقدة يزيل عقدة النكاح كان الملك إذا زال بعتق أولى أن يزول العقد منه إذا زال ببيع ولو زال بالعتق لم يخير بريرة وقد زال ملك بريرة بأن بيعت فأعتقت فكان زواله بمعنيين ولم يكن ذلك فرقة لأنها لو كانت فرقة لم يقل لك الخيار فيما لا عقد له عليك أن تقيمي معه أو تفارقيه.
[قال الشافعي]: رحمه الله أخبرنا مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها (أن بريرة أعتقت فخيرها رسول الله ﷺ) [قال]: فإذا لم يحل فرج ذات الزوج بزوال الملك في العتق والبيع فهي إذا لم تبع لم تحل بملك يمين حتى يطلقها زوجها وتخالف السبية في معنى آخر وذلك أنها إن بيعت أو وهبت فلم يغير حالها من الرق وإن عتقت تغير بأحسن من حالها الأول والسبية تكون حرة الأصل فإذا سبيت سقطت الحرية واستوهبت فوطئت بالملك فليس انتقالها من الحرية بسبائها بأولى من فسخ نكاح زوجها عنها وما صارت به في الرق بعد أكثر من فرقة زوجها.