الروح/المسألة السادسة عشرة/فصل الرد على القول أن التكاليف امتحان وابتلاء
وأما قولكم إن التكاليف امتحان وابتلاء لا تقبل البدن إذ المقصود منها عين المكلف العامل إلى آخره.
فالجواب عنه أن ذلك لا يمنع إذن الشارع للمسلم أن ينفع أخاه بشي ء من عمله، بل هذا من تمام إحسان الرب ورحمته لعباده، ومن كمال هذه الشريعة التي شرعها لهم التي مبناها على العدل والإحسان والتعارف، والرب تعالى أقام ملائكته وحملة عرشه يدعون لعباده المؤمنين ويستغفرون لهم ويسألونه لهم أن يقيهم السيئات، وأمر خاتم رسله أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات ويقيمه يوم القيامة مقاما محمودا ليشفع في العصاة من أتباعه وأهل سنته، وقد أمره تعالى أن يصلي على أصحابه في حياتهم وبعد مماتهم، وكان يقوم على قبورهم فيدعو لهم.
و قد استقرت الشريعة على أن المأثم الذي على الجميع بترك فروض الكفايات يسقط إذا فعله من يحصل المقصود بفعله ولو واحد. وأسقط سبحانه الارتهان وحرارة الجلود في القبر بضمان الحي دين الميت وأدائه عنه، وإن كان ذلك الوجوب امتحانا في حق المكلف، وأذن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في الحج والصيام عن الميت، وإن كان الوجوب امتحانا في حقه. وأسقط عن المأموم سجود السهو بصحة صلاة الإمام وخلوها من السهو، وقراءة الفاتحة بتحمل الإمام لها، فهو يتحمل عن المأموم سهوه وقراءته وسترته لقراءة الإمام وسترته قراءة لمن خلفه وسترة له، وهل الإحسان إلى المكلف بإهداء الثواب إليه إلا تأس بإحسان الرب تعالى واللّه يحب المحسنين.
و الخلق عباد اللّه، فأحبهم إليه أنفعهم لعياله، وإذ كان سبحانه يحب من ينفع عياله بشربة ماء ومذقة لبن وكسرة خبز فكيف من ينفعهم في حال ضعفهم وفقرهم وانقطاع أعمالهم وحاجتهم إلى شي ء يهدى إليهم وأحوج ما كانوا إليه، فأحب الخلق إلى اللّه ما ينفع عياله في هذه الحال.
و لهذا جاء أثر عن بعض السلف أنه من قال كل يوم سبعين مرة: رب اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات حصل له من الأجر بعدد كل مسلم ومسلمة ومؤمن ومؤمنة، ولا تستبعد هذا فإنه إذا استغفر لإخوانه فقد أحسن إليهم واللّه لا يضيع أجر المحسنين.
هامش