الروح/المسألة السادسة عشرة/فصل الرد على القول بأنه لو نفعه العمل لنفعته التوبة
وأما قولكم إنه لو نفعه عمل غيره لنفعه توبته عنه وإسلامه عنه.
فهذه الشبهة تورد على صورتين:
- صورة تلازم يدعى فيها اللزوم بين الأمرين، ثم يبين انتفاء اللازم فينتفي ملزومه، وصورتها هكذا: لو نفعه عمل الغير عنه إسلامه وتوبته عنه لكن لا ينفعه ذلك فلا ينفعه عمل الغير.
- والصورة الثانية: أن يقال: لا ينتفع بإسلام الغير وتوبته عنه فلا ينتفع بصلاته وصيامه وقراءته عنه.
و معلوم أن هذا التلازم والإقران باطل قطعا.
أما أولا: فلأنه قياس مصادم لما تظاهرت به النصوص واجتمعت عليه الأمة.
أما ثانيا: فلأنه جمع بين ما فرق اللّه بينه، فإن اللّه سبحانه فرق بين إسلام المرء عن غيره وبين صدقته وحجه وعتقه عنه، فالقياس المسوى بينهما من جنس قياس الذين قاسوا الميتة على المذكى والربا على البيع.
و أما ثالثا: فإن اللّه سبحانه جعل الإسلام سببا لنفع المسلمين بعضهم بعضا في الحياة وبعد الموت، فإذا لم يأت بسبب انتفاعه بعمل المسلمين لم يحصل له ذلك النفع، كما قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لعمرو: «إن أباك لو كان أقر بالتوحيد فصمت أو تصدقت عنه نفعه ذلك».
و هذا كما جعل سبحانه الإسلام سببا لانتفاع العبد مما عمل من خير. فإذا فاته هذا السبب لم ينفعه خير عمله ولم يقبل منه، كما جعل الإخلاص والمتابعة سببا لقبول الأعمال، فإذا فقد لم تقبل الأعمال، وكما جعل سائر شروط الصلاة سببا لصحتها، فإذا فقدت فقدت الصحة، وهذا شأن سائر الأسباب مع مسبباتها الشرعية والعقلية والحسية، فمن سوى بين [محالين] 1 وجود السبب وعدمه فهو مبطل.
و نظير هذا الهوس أن يقال: لو قبلت الشفاعة في العصاة لقبلت في المشركين. ولو خرج أهل الكبائر من الموحدين من النار لخرج الكفار منها، وأمثال ذلك من الأقيسة التي هي من نجاسات معد أصحابها ورجيع أفواههم.
و بالجملة: فالأولى بأهل العلم الإعراض عن الاشتغال بدفع هذه الهذيانات لو لا أنهم قد سودوا بهما صحف الأعمال والصحف التي بين الناس.
هامش
- ↑ وردت في المطبوع: حالين.